هذا مو إنصاف منك
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
أعتقد، كما سبق أن ذكرت، أن أغنية «هذا مو إنصاف منك»، التي كتبها الشاعر «إبراهيم وفي»، ولحنها الفنان اليهودي الكويتي العراقي المبدع «صالح الكويتي»، من أجمل الأغاني وأكثرها انتشاراً بين العراقيين. والسبب لا يعود فقط إلى جمال لحنها وكلماتها الصادقة في وصف قسوة الحب، ولكن أيضاً للظروف التي أدت إلى كتابتها وتلحينها.
ربطت علاقة عشق بين الفنان «صالح الكويتي» والمطربة السورية الشهيرة «زكية جورج»، واسمها الحقيقي «فاطمة ملص» (1920 – 1966)، التي كانت تعمل راقصة في بغداد، ولكن صوتها الرخيم نقلها إلى عالم الغناء والخلود.
قصة الحب لم تستمر طويلاً، حيث قررت الحبيبة ترك صالح والانتقال للعيش في البصرة، وعرف صالح أنها لحقت بمن تحب، فاشتعلت نيران الغيرة في قلبه، وطلب من صديقه «وفي» وضع مشاعره الجياشة في كلمات، ليصيغ لحنها ويرسله إلى الحبيبة كي تغنيها، ولكنها رفضت!
طلب من منافستها «سليمة مراد (باشا)» أن تغنيها، فانتشرت كالنار في الهشيم.
***
هاجر بعدها «صالح الكويتي» مع غيره من يهود العراق إلى إسرائيل، حيث توفي عام 1986، واستمر حتى وفاته يغني ويحن للعراق، ولزكية التي توفت قبله بعشرين عاماً، بعد عودتها إلى حلب، ولكن بقيت الأغنية خالدة، ومقدمتها تقول:
هذا مو إنصاف منك غيبتك هلكد تطول.. الناس لو تسألني عنك شرد أجاوبهم شكول؟
ألف حيف وألف وسفة مثلك يخون ويه ولفة.. لا تظن قلبي يشفى والألم منه يزول
الناس لو تسألني عنك شرد اجاوبهم شكول؟
قلبي خليته يتجوى بنار هجرانك تلوى هذي مو منك مروة لا ولا منك أصول
واني في العادل بسرعة والوصل عني تمنعه…….
هذا مو إنصاف منك غيبتك هلكد تطول الناس لو تسألني عنك شرد اجاوبهم شكول؟
***
نتمنى أن يعود العراق الذي كان، وأن تعود الكويت كما كانت، فهذا الفراق مؤلم لا شك للطرفين، فما كان يخربه البعض كان الفن كفيلاً بإعادة إعماره. وربما حان الوقت ليكتشف الجميع أن نار البغضاء والتعصب ستحرقنا جميعاً.
***
تعتبر الفنون، من رسم وغناء وموسيقى ونحت وغيرها، من السمات التي تميّز شعب عن آخر، وتبيّن رقيه. كان الغناء على مر العصور أكثر الفنون انتشاراً. وقد نبغ عرب الجزيرة في الشعر، وهو الفن الوحيد الذي أتقنوه من بين عشرات أشكال الفنون الأخرى، وغالباً بسبب فقر البيئة، فالفنون الأخرى تتطلب مواد وأدوات، والشعر لا يتطلب غير موهبة وملكة حفظ وإلقاء.
كان الغناء مرافقاً للإنسان في مختلف العصور والأحوال، فعندما يتنقل براً أو بحراً تتوق نفسه لسماع من يشدو له ويذكره بالوطن والأهل والأحبة. وإن كان في فرح، فإنه يود من يشاركه طربه، وهكذا، وبالتالي ليست هناك غرابة في حب الإنسان للغناء، ولا أعرف كيف نجح البعض في دفع غيرهم إلى كراهيته؟
تعتبر أغنية Bésame Mucho من أشهر الأغاني الأسبانية، التي شدا بها عشرات المطربين العالميين في كل أنحاء العالم تقريباً، وعالمنا ليس منه بالطبع. وهي أغنية قليلة الكلمات، ولكن عذبة اللحن، نجحت في أن تشق طريقها لأذواق الجميع، مدغدغة قلوب العذارى، وملايين العشاق.
وضع كلمات هذه الأغنية الشاعر الغنائي المكسيكي كونسويلو فيلاسكويز Consuelo Velázquez عام 1940، وما تزال بعد أكثر من ثمانين عاماً مفعمة بالأحاسيس الجميلة، تطرب من يسمعها في أي ساعات اليوم في كل حانة ومقهى وحفل، وتقول كلماتها:
قبلني، قبلني كثيراً….. وكأن الليلة هي الليلة الأخيرة، والفرصة الأخيرة
قبلني، قبلني كثيراً، فأنا خائف من أن أحظى بك وخائف أن أفقدك ثانية
قبلني، قبلني كثيراً، وكأن الليلة فرصتنا الأخيرة
أريدك أن تكون قريباً مني وأن أرى نفسي في عينيك
أن أراك قريباً مني فقد أكون غداً بعيداً عنك، بعيداً جداً عنك
قبلني، قبلني كثيراً، وكأن الليلة هي الأخيرة.