علاقة “الإخوان المسلمين” بالاستخبارات البريطانية و”حماس”
بقلم: منير أديب
النشرة الدولية –
النهار العربي –
هل كان القرار البريطاني الأخير وضع حركة “حماس” على القوائم السوداء للإرهاب خارج التوقعات الاستراتيجية إزاء العلاقة بين الحركة التي نشأت في عام 1987 وبريطانيا، التي يعدها البعض الحاضنة الأساسية للتيارات الجهادية في العالم؟
وضعت بريطانيا الجناح العسكري للحركة، “كتائب عز الدين القسام”، على القوائم السوداء للإرهاب وجرّمت أنشطته قبل أكثر من عشرين عاماً، ولكنها لم تفعل الأمر نفسه مع أنشطة الحركة السياسية والاجتماعية إلا بموجب قانون الإرهاب الذي أعطى وزيرة الداخلية الحق في تصنيف قرابة أكثر من 50 منظمة على مستوى العالم كجماعات إرهابية تمثل خطراً على أمن بريطانيا.
استمر الانتداب البريطاني على فلسطين قرابة 28 عاماً بين تموز (يوليو) 1920 وأيار (مايو) 1948 وحتى صدور وعد بلفور بـ”إقامة إسرائيل”، وكان ذلك على خلفية تفكك الإمبراطورية العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى، ولكن في المقابل فتحت لندن أبوابها للتنظيمات الجهادية التي كانت تنادي بعودة “الخلافة العثمانية أو الإسلامية” وترى ضرورة عودتها من خلال القوة العسكرية، وبالتبعية تدعو إلى تحرير فلسطين بمنطق القوة نفسها!
مفارقة تبدو غريبة، الإمبراطورية البريطانية التي أقامت دولة لليهود في فلسطين هي نفسها التي فتحت أبوابها للجهاديين الذين نادوا بإلقاء إسرائيل في البحر، ووفرت لهم إقامة على أراضيها وسمحت لهم بممارسة النشاط بمنطق الحق في الحياة والحرية والتعبير عن أنفسهم، ولم تكن هذه القيم هدفاً في حد ذاتها ولكن الهدف الأسمى تمثل في استثمار هؤلاء “الجهاديين”.
هاجر الجهاديون إلى الأراضي البريطانية منذ وقت مبكر وأقاموا أنشطة فيها، حتى أن بعضهم استأجر شقة في إحدى مدنها في التسعينات من القرن الماضي كُتب عليها: هنا مقر الخلافة الإسلامية. لم تتعرض له الحكومة البريطانية ولم تغلق أجهزة الأمن “مقر الخلافة”، حتى نجح هؤلاء المتطرفون في ما بعد في تحقيق وعودهم بإقامة هذه الخلافة قي 29 حزيران (يونيو) من العام 2014 في الرقة والموصل؛ فالخلافة التي أنشأها أبو بكر البغدادي على الأراضي العربية سبق وأقامها أنصاره وخططوا لها على الأراضي البريطانية.
الجهاديون الذين مارسوا العنف في تسعينات القرن الماضي في مصر وتورطوا في تفجيرات وقتل شخصيات سياسية وأمنية ومدنيين هربوا إلى العاصمة البريطانية لندن، التي وفرت لهم حماية وكانوا بمثابة الخنجر الذي كانت تضرب به بريطانيا العالم العربي، وهو ما عزز قدرات تنظيمات العنف والتطرف على مدار عقود طويلة.
بريطانيا التي احتضنت هؤلاء الجهاديين لسنوات طويلة هي نفسها التي احتضنت مقر التنظيم الدولي لـ”الإخوان المسلمين”، وهي التي نسقت مع أمينه العام، إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد “الإخوان المسلمين”، فقد كانت حريصة على أن تظل المحرك الرئيسي لأكبر وأقدم تنظيم ديني باحتضانها لمقر التنظيم الدولي وباحتضانها أيضاً المقر البديل لـ”الإخوان” والذي يتولى قيادة التنظيم بعد غلق مكتب مصر ومحاكمة قيادته.
الموقف المتماهي للحكومة البريطانية مع تنظيمات العنف والتطرف يكاد يكون مفهوماً في علاقته مع “الإخوان المسلمين”، وربما تكاد تكون الأسباب البريطانية مفهومة من وراء هذا الدعم، مفهومة وغير متفهمة، وهو ما يطرح سؤالاً مهماً، لماذا لجأت لندن لوضع حركة “حماس” على قوائم الإرهاب بينما تركت الجماعة الأم والتي تنتمي إليها الحركة؟
حركة “حماس” هي جزء لا يتجزأ من التنظيم الدولي لـ”الإخوان” ومقره لندن، تحضر كل اجتماعاته، كما تشكل فلسطين القضية الأهم للتنظيم وتُشكل “حماس” مركز القرار في أغلب اجتماعات التنظيم الدولي، فالحركة هي مصدر فخر للتنظيم الذي يعتبرها نموذج النجاح، سواء من خلال سيطرتها على غزة أو من خلال قوتها العسكرية المتنامية، فالتنظيم كان يُصدرها دائماً على أنها ذراعه العسكري القوي.
حضر خالد مشعل كممثل لحركة “حماس” اجتماعات التنظيم الدولي لـ”الإخوان” والمنعقدة في إسطنبول يومي 15- 16 أيلول (سبتمبر) من العام 2019 بما يدل على العلاقة بين الحركة والتنظيم، علماً أن الحركة ادّعت في عام 2017 فك ارتباطها بـ”الإخوان المسلمين” بعدما نصت اللائحة التي وضعت في عام 1988 على أن الحركة هي جناح من أجنحة “الإخوان المسلمين”، وهو ما يؤكد زيف إدّعاءات “حماس” و”الإخوان”، فما يقال في العلن ليست له علاقة بما يدور في الخفاء.
في الحقيقة العلاقة بين بريطانيا وتنظيم “الإخوان المسلمين” قديمة قدم التنظيم، إذ نشأ في عام 1928 أثناء الاحتلال البريطاني لمصر، وليس هذا فحسب، لكن قامت الحكومة البريطانية بالتبرع بمبلغ خمسمئة جنيه للتنظيم، فقبلتها الجماعة على اعتبار أن هذه أموال الشعب وتعود للشعب! ولكن كان هدف “الاحتلال” وقتها هو احتضان الحركة “الإسلامية” الوليدة. بدأ ذلك في نهاية العشرينات من القرن الماضي ولا يزال مستمراً، والهدف هو استخدامها ضمن جماعات الضغط لتحقيق مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، فبريطانيا لم تنسَ أنها كانت تسيطر على أغلب المنطقة العربية وترغب في الاحتفاظ بهذا النفوذ.
قد يقع “الإخوان المسلمون” في لندن تحت طائلة القانون بسبب أنشطتهم الداعمة لحركة “حماس” وبسبب مؤسسات الجماعة المدافعة عن الحركة. قناة “الحوار” التي يملكها “الحمساوي” عزام التميمي، هي مثال على هذا التشابك، وهو أبسط مثال على هذه العلاقة التي لا يمكن أن تخفيها الجماعة، كما أخفت موقفها السياسي من الحركة بعد قرار الحكومة البريطانية، بما يعني أن اتفاقاً ما تم بين مكتب “الإخوان المسلمين” وممثله إبراهيم منير وما بين الحكومة البريطانية أو جهاز الاستخبارات البريطاني المتواصل مع قيادة التنظيم هناك.
وفي كلا الحالتين يبدو مكتب “الإخوان المسلمين” هو مهندس القرار البريطاني بشأن “حماس”. صحيح أن القرار أتى على غير رغبته ولكنه تم بموافقته وعلمه، فلم يُصدر ولو بياناً واحداً حتى كتابة هذه السطور بما يعني أنه تم بتنسيق، وأنه سوف يُجرى تنسيق آخر يرفع الحرج عن مكتب “الإخوان” في لندن في إطار ما تسمح به الحكومة البريطانية.
كتبت قبل عشرة أشهر في هذه المساحة نفسها مقالاً بعنوان “كيف جنّدت الاستخبارات الغربية الإخوان المسلمين؟”، شرحت فيه سيطرة المخابرات البريطانية على تنظيم “الإخوان المسلمين”، وكيف أنها نجحت في فرض جدول الأعمال الذي يتم مناقشتة في اجتماع التنظيم الدولي، كما أن الأمين العام للتنظيم بات وفق المصطلحات الاستخباراتية عميلاً للمخابرات البريطانية ومصدراً مهماً للمعلومات، وترى أهمية في استمرار التعاون معه واحتضان مكتبه، فأحشاء التنظيم باتت لدى جهاز الاستخبارات البريطانية وبات يوظفها لصالحه ولمصالح دولته.
تعزز هذا المفهوم بصورة أكبر بعد قرار بريطانيا وضع حركة “حماس” على قوائم الإرهاب ورد فعل التنظيم الحاصل والمتوقع، ولعله أوضح بصورة أكبر دور بريطانيا في الاستفادة من جماعات العنف والتطرف والتمرد. صحيح أنها استضافت “الجهاديين” على أراضيها ولكنها كانت تريد أن تستفيد من وجودهم وقد نجحت في ذلك، فمشهور عنها توظيف جماعات الضغط في منطقة الشرق الأوسط من خلال منظمات حقوق الإنسان، وتصب الجماعات الدينية في الاتجاه نفسه.
سوف تظل العلاقة بين بريطانيا و”الإخوان المسلمين” قوية ولن تتأثر بصدور قرارها وضع حركة “حماس” على قوائم الإرهاب، وسوف يتغاضى التنظيم عن هذا القرار مقابل ما يحصل عليه من ثمرة التعاون بين جهاز الاستخبارات البريطاني وبين مكتبه في قلب العاصمة البريطانية.
ما أثار الانتباه بعد صدور القرار البريطاني أنه لم يرد مكتب “الإخوان المسلمين” في لندن بأي بيان أو تصريح سوى نشره لتسجيل مرئي لمفوض العلاقات الخارجية للجماعة يوسف ندا، ينحاز فيه لإبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد “الإخوان” في صراعه مع محمود حسين، الأمين العام السابق للتنظيم، وهو ما يعني أن القرار البريطاني وإن لم يصدر بموافقة علنية من مكتب “الإخوان” في لندن، فإنه لن يلقى اعتراضاً في ظل التنسيق والتعاون الدائم بين مكتب الاستخبارات البريطانية ومكتب “الإخوان” في لندن.