من فاتورة الكهرباء إلى تغيير السوق.. ماذا تنتظر السعودية من “حقل الجافورة”؟
النشرة الدولية –
الحرة –
أعلنت السعودية عن توقعات كبرى من إنتاج الغاز من حقل الجافورة، بحلول عام 2030، مما يساهم في احتلالها للمركز الثالث بين منتجي الغاز على مستوى العالم، بعد روسيا وقطر، مع سعي للمنافسة على المركز الثاني واقتناصه من جارتها الخليجية، بحسب خبراء، في وقت تتصدر فيه قائمة أكبر مصدّري النفط في العالم.
والاثنين، قال أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، خلال مؤتمر حول تسويق الموارد غير التقليدية، إن الشركة تتوقع أن يوفر حقل الجافورة قرابة ملياري قدم مكعبة يوميا (ق/م/ي) من الغاز بحلول عام 2030.
والموارد غير التقليدية هي تلك التي تحتاج إلى طرق استخراج متقدمة، مثل المستخدمة في صناعة الغاز الصخري.
ويعتبر الجافورة أكبر حقل غاز غير مصاحب للنفط في المملكة، وتقدر الاحتياطيات الخاصة به بنحو 200 تريليون قدم مكعبة من الغاز الخام، وتسعى السعودية إلى بدء الإنتاج منه مطلع عام 2024.
الباحث والمحلل الاقتصادي علي الحازمي، يؤكد في حديثه مع موقع “الحرة” أن إعلان بلاده الاستثمار في حقل الجافورة يأتي في إطار “توجه المملكة نحو تنويع محفظة الطاقة لديها، ونحن نتحدث عن الطاقة المشغلة للكهرباء لدينا”.
استثمارات كبيرة
وتعمل السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، على تطوير احتياطياتها من الغاز غير التقليدي. وقال وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان آل سعود في المؤتمر، إن مشروع حقل الجافورة لن يكلف ميزانية الدولة أكثر من خمسة إلى ستة مليارات ريال (1.3 إلى 1.6 مليار دولار).
ويوضح الحازمي إن “استثمار 5 إلى 6 مليارات تعتبر أرقاما ليست كبيرة كمرحلة أولى، بحكم الخبرات التراكمية التي تتمتع بها أرامكو من حيث التنقيب، مما يساعد على تخفيض تكاليف الاكتشافات، وحتى 2035 ستصل الاستثمارات في حقول الغاز إلى 110 مليار ريال، أي تقريبا 24 مليار دولار”.
ويشير الحازمي إلى أن إنتاج حقل الجافورة سيكون له انعكاسات اقتصادية كبيرة على المملكة، موضحا “ما يشغل الكهرباء لدينا هو النفط الإحفوري بشكل كبير، والمملكة ترغب في أن يكون الغاز يعمل مع جنبا إلى جنب مع النفط الإحفوري مما يساهم في توفير الأموال ويتسبب في فوائد نفطية للتصدير للخارج، وهذا أحد الأهداف التي تطمح لها المملكة”.
وقالت “أرامكو” على موقعها الإلكتروني إنها تتوقع أن يصل إنتاج غاز المبيعات إلى حوالي 2.2 مليار ق/م/ي بحلول عام 2036، إضافة إلى 425 مليون قدم مكعبة مصاحبة يوميا من الإيثان. وأضافت أن حقل الجافورة سينتج حوالي 550 ألف برميل يوميا من سوائل الغاز والمكثفات.
ويوضح الحازمي أن الجافورة حقل كبير جدا، يمتد بطول 170 كيلو مترا، و100 كيلو متر عرضا، “ويتحدثون عن تريليوني قدم مكعب، والاستثمارات بشكل عام فيه ستصل إلى 412 مليار ريال، أي 110 مليارات دولار، وهذه على مراحل حتى 2036 وهو رقم يمثل تقريبا 25 في المئة من الإنتاج الحالي”.
وأضات إن “إنتاج هذا الحقل ليس الغاز فقط، بل سيشمل 130 ألف برميل من الميثان وهذا رقم يمثل تقريبا 42 في المئة من الإنتاج الحالي، و500 ألف برميل تقريبا يوميا من سوائل المكثفات، وهذه تمثل 35 في المئة من الإنتاج الحالي”.
رسم السياسات العالمية
وتطمح السعودية أيضا أن تكون من المؤثرين في رسم السياسيات العالمية في سوق الغاز كما هو الحال في سوق النفط عالميا.
ويقول الحازمي “كميات الغاز من خلال إنتاج حقل الجافورة، ستتعدى احتياجات المملكة، وربما تكون مستعدة للتصير مستقبلا، ولاحظنا أزمة الغاز التي حدثت في أوروبا كيف أثرت على الأسعار مما وصلت إلى مستويات لم تصل إليها منذ 2013، بسبب إما أزمة سياسية مفتعلة من روسيا، أو نقص الإمدادات، وقد تساهم المملكة بهذا الحقل، والحقول الأخرى التي اكتشفتها مؤخرا، في استقرار أسعار الغاز على مستوى العالم”.
وأضاف الحازمي: “كما أن المملكة تساهم الآن في رسم السياسات الاقتصادية والمحافظة على أسعار الطاقة من خلال النفط، سيدخل الغاز جنبا إلى جنب في هذا الأمر، في وقت تعتمد فيه الصناعات العالمية بشكل كبير على النفط الإحفوري، والغاز، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة”.
انعكاسات داخلية
داخليا، يشير الخبراء إلى أن الاستثمار في حقل الجافورة، سينعكس بشكل إيجابي على أسعار الطاقة وفواتير الكهرباء.
الخبير الاقتصادي السعودي، فهد الثنيان، يقول لموقع الحرة إن “المستهدف الأساسي الأولي من إنتاج هذا الحقل سيكون موجها للاستهلاك المحلي في البداية”.
وأضاف “الأولوية للاستهلاك المحلي والصناعات المحلية، لأن المملكة بحاجة للغاز فعلا من أجل الكهرباء، ولتطوير صناعاتها الكيماوية”.
وفي هذا السياق يقول الحازمي لموقع “الحرة”: إن “فواتير الكهرباء اليوم مرتفعة في المملكة، ربما لأن مشتقات النفط الأحفوري هي من تعمل بشكل كبير وهو ما يؤثر على الأسعار، لكن سيؤثر حقل الجافورة بشكل إيجابي على الأسعار داخليا سواء على فواتير الكهرباء في المصانع والشركات في المملكة أو حتى المستهلك العادي، كما أنه سيساهم في موضوع الربط كهربائي بين الدول العربية”.
وأبرمت السعودية اتفاقا مع مصر للربط الكهربائي، “وقريبا سيكون هناك ربط بين المملكة والأردن، وقد يتجاوز الأمر إلى دول أوروبية مثل اليونان بحكم قربها من مصر، وربما أيضا مع بعض الدول الخليجية نظرا للقرب الجغرافي، باستثناء قطر التي هي واحدة من مزودي العالم بالغاز”، بحسب الحازمي.
المرتبة الثانية.. السعودية تنافس قطر
وحول ما إذا كان الغاز سيكون مسار تنافس جديد بين السعودية وقطر وكذلك مصر، قال “نحن نتحدث عن أسواق حرة، لكن حتى لو كانت هناك منافسة، فإنها تخدم جميع الأطراف بما فيها المنتج والمستهلك في نفس الوقت”.
وأوضح أنه “بالنسبة للمستهلك، فإنه كلما زاد عدد المنتجين ستنخفض الأسعار، وفي الوقت نفسه سيستطيع المنتجون، ومن بينهم المملكة بالطبع، الوصول إلى أسواق عالمية لم يصلوا إليها من قبل”.
وأشار إلى أن الجافورة حقل الغاز الأكبر في المملكة حتى الآن، “وهناك اكتشافات أخرى حصلت في منتصف 2019، ولكن العمل عليها لا يزال جاريا حتى يكون هناك تأكيدات على أنها حقول صالحة تجاريا ،أو أن هناك جدوى لاستخراج الغاز منها، ولكن هناك تأكيدات كبيرة تصل إلى 90 في المئة أن هذه الاكتشافات صالحة للعمل التجاري والتنقيب فيها”.
وأضاف أن “المؤشرات الأولية تقول إن المملكة ستصبح ثالث منتج للغاز في العالم بعد روسيا وقطر، ولكن أنا أعتقد أن هناك استثمارات كبيرة على حقول أخرى، قد تجعل المملكة في المرتبة الثانية عالميا مستقبلا في إنتاج الغاز، بعد روسيا.
الغاز وتغير المناخ
إعلان السعودية، الاستثمار في حقل غاز الجافورة، الذي سينتج أحد أنواع الوقود الإحفوري، يثير تساؤلات بشأن نية المملكة الوفاء بتعهداتها بشأن مكافحة تغير المناخ، وتقليل الانبعاثات الضارة والاعتماد على الطاقة النظيفة.
وقالت المملكة في أكتوبر الماضي، قبل ايام من انعقاد مؤتمر الأطراف (كوب 26) في غلاسكو لمكافحة تغير المناخ، إنها تستهدف الوصول بانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى مستوى الصفر بحلول عام 2060.
يقول الحازمي إن “العالم الآن بالفعل يتحدث عن طاقة متجددة، ولكن ثق تماما بأن الطاقة المتجددة التي يتحدثون عنها هي على مستويات 2050 إلى 2060 أو بعد ذلك، أي أمامنا من 30 إلى 35 عاما على الأقل للوصول إلى درجة تقدم في الطاقة المتجددة، لذلك أنا أرى أن العالم يحتاج إلى مزيد من هذه الاكتشافات”.
وأَضاف “أنا أؤكد لك بأن هناك سوقا كبيرا يستوعب كل هذه المنتجات المكتشفة”، مشيرا إلى أوروبا “التي تعتمد بشكل كبير على الغاز، وسعيها في تنفيذ خط نورد ستريم 2 من روسيا، الذي تحاول الولايات المتحدة جاهدة إيقافه، بسبب الضغط الروسي على أوكرانيا واحتلال شبه جزيرة القرم، لذا فإن العالم لا يزال بحاجة كبيرة لاكتشافات الغاز”.
الخبير الاقتصادي السعودي، فهد الثنيان، يرى أن توقيت إعلان الاستثمار في حقل الجافورة “مناسب لأن المملكة لديها احتياطيات ومستهدفات من ناحية استراتيجة منتجات الطاقة، والذي يستهدف طاقة أكثر انخفاضا في الانبعاثات”.
وقد اعتبر أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو، الاثنين، إن “الغاز هو حجر الزاوية في التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة”.