السلطان غالب: وصلت المكلا عام 1967 وأحمل في جيبي موافقة الجامعة العربية على الاستقلال في حال فشل المفاوضات مع بريطانيا
السلطان غالب: انجرامس هو من أصر على ممثل الحكومة البريطانية في أن تستمر حضرموت كجزءٍ من محميات عدن رغم رغبتهم وقتها في جعلها محمية مستقلة
السلطان غالب: غالب الأول هو أول من قام بإجراء مسح جيولوجي على أسس علمية للبحث عن النفط في شبه الجزيرة العربية
(الحلقة الثانية) – حاوره: ناصر بامندود
في الجزء الثاني من حواري مع آخر سلاطين السلطنة القعيطية الحضرمية السلطان غالب الثاني بن عوض القعيطي، تلك الدولة التي كانت ثالث أكبر دول شبه الجزيرة العربية بعد المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان حتى العام 1967م.
نستعرض في هذا الجزء الأجوبة على الكثير من التساؤلات التي تتطرح حول حقيقة تلك المرحلة الزمنية والتي غيرت مسار حضرموت كليًا
ونتعرف على اجابات الأسئلة العالقة مثل هل كان هناك وعد بريطاني باستقلال حضرموت؟ ولماذا لم يتم اكتشاف النفط في عهد حضرموت الدولة؟ وما هي حقيقة رسالة تنازل السلطان عن عرش السلطنة؟ وغيرها من الأسئلة نتعرف على اجابتها بشهادة ولسان آخر سلاطين السلطنة القعيطية الحضرمية والذي حكم البلاد منذ إلقائه لخطاب العرش في أكتوبر 1966م إلى تاريخ 17 سبتمبر 1967م حين سيطر من ينتمون إلى الجبهة القومية على مدينة المكلا عاصمة البلاد.
هل كان هناك وعد بريطاني لحضرموت بالاستقلال في تاريخ 9 يناير 1968م؟
نعم، 9 يناير 1968م هو التاريخ الرسمي من قبل الحكومة البريطانية لمنح المناطق التي تحت حكمها المباشر أو الحماية في جنوب شبه الجزيرة العربية الاستقلال والإعفاء من جميع الالتزامات المنصوصة وفقًا لكل المعاهدات والاتفاقيات السارية المفعولية. وكان تم إشعار جميع الأطراف المعنية المتعاهدة معها بذلك عبر خطابات رسميّة من قبل المندوب السامي البريطاني( الوالي سابقًا) وهو ” السير ريتشارد تيرنبل “. وفي حالي الخطاب الموجه إليّ كان في تاريخ 28 ديسمبر 1966م.
لماذا برأيكم تنصلت بريطانيا عن إعطاء الاستقلال لحضرموت وضمتها لبقية محمياتها الموجودة في جنوب الجزيرة العربية؟
دعني أشرك القراء للاستفادة من إجابتي على هذا السؤال لمعلومة هامة لا أعتقد أن يعرفها أحدًا، ومصدرها أول معتمد ومستشار مقيم بريطاني للسلطنة المستر ( انجرامس) الذي لقب ” صديق حضرموت ” فيما بعد، وكانت لي علاقة شخصية جيدة وودية به بعد تقاعده بسنين، وهي- أي المعلومة – تعكس على مفهوم إدخال حضرموت في التصور السياسي البريطاني لجنوب شبه الجزيرة العربية منذ اواخر ثلاثينات القرن الماضي، أنه عندما دخلت السلطنة القعيطية في علاقة استشارية مع بريطانيا، فتقديرًا لما لاحظ من اختلافات واضحة في شتى المجالات بين الحضارم وشعوب المناطق حوالي عدن، كان عرض على انجرامس والي عدن آنذاك ” السر برنارد رايلي ” الموقع على هذه الاتفاقية المشار إليها من طرف الحكومة البريطانية أن يجعل من حضرموت محمية مستقلة بحالها أي ” محمية حضرموت ” إلا أن انجرامس كان أصر أمامه أن تستمر حضرموت كجزء من محمية عدن مبررًا له بأن لو انفصلت حضرموت بمساحتها وسكانها وامكانياتها، دع عنك شهرتها وتاريخها، فهذا سوف يقلل بكثير من أهمية بقية المناطق الأخرى في الجنوب التي تحت السيادة البريطانية. فلم يسع للوالي المذكور إلا قبول هذا الرأي المنطقي المتماشي مع مصالح سياسة بريطانيا في المنطقة حينها. والعجيب في الأمر أنه عندما كشف لي انجرامس هذا السر، كان نادمًا على فعلته! وعلى كل حال، وإن ضم حضرموت مع دولة اتحاد الجنوب العربي لتأسيس جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية حسب تصوري كان نتيحة للصفقة التي عقدتها بريطانيا مع الجبهة القومية على أن تسلم جميع المناطق التي كانت لها علاقة رسميّة بها للجبهة قبل الانسحاب مقابل استلام الجبهة لها من بريطانيا دون قيد أو شرط وإلغاء جميع الالتزامات المتعلّقة بمساعدات مالية لدولة الاتحاد بعد الاستقلال.
ما هي حقيقة رسالة التنازل عن عرش السلطنة؟
لم تكن هناك توقيع أي وثيقة بالتنازل عن الحكم من قبلي قط. وكل ما قد أشيع عن هذا الأمر خلافًا لما أذكره هنا كذب وافتراء. مع الإفادة بأنني كنت موافقًا على قبول ذلك إذا طلبه مني الشعب عبر استفتاء نزيه تحت إشراف هيئة الأمم وفقًا لموافقتي على مقررات هيئة الأمم المتعلقة باستقلال المنطقة والذي يتم تنفيذه. وأود أن أضيف هنا في نفس الحين بأنه كنت وصلت إلى المكلا في 17 سبتمبر 1967م وكانت في يدي الموافقة الشفهية من الجامعة العربية وعلى رأسها الحكومة المصرية أنه في حالة فشل هيئة الأمم مع بريطانيا عن إجراء هذا الاستفتاء المنشود مهما قد تكون أسبابها، فسيكون لنا الحق في اتخاذ كل الإجراءات التي قد نراها ضروريةً لتأمين مستقبلنا السياسي. كما أنه كان وعدني وزير الخارجية المصري المرحوم محمود رياض بفتح موضوع التمثيل الخارجي لنا في تلك الحالة مع الكويت، وبمساعدتنا من قبل حكومته في مجالات التعليم، والعناية الطبية والزراعة وأمور تقنية وفنية أخرى التي في مقدورها، وذلك في وقت كان وعدني الملك فيصل – طيب اللّه ثراه – بتقديم دعم مالي سخي يعد كافيًا بأضعاف لتغطية أي عجز وارد في الميزانية بسبب تبني العبء المالي لجيش البادية الحضرمي أيضًا لدى مغادرة بريطانيا واستلامنا زمام أمور هذه القوة منها بعد الاستقلال.وبينما كانت الميزانية السنوية للدولة القعيطية مليون وأربعمائة ألف دينار بالتقريب والدولة الكثيرية عشر هذا المبلغ، وكنت طلبت من الملك فيصل خمسة مليون جنيه إسترليني، هذا المبلغ ضخم جدًا خلال تلك الفترة.
ولتكن للقارئ فكرة عن حجم هذا المبلغ فإنه كان يوازي بالتقريب العشر من دخل مصر المحروسة السنوي من مصدرها الأساسي، الذي هو قناة السويس، قبل الاستيلاء عليها من قبل الكيان الصهيوني في يونيو 1967م وكانت مصر آنذاك أكبر دولة عربية سكانًا وأعظمها من عدة نواحي. وكان ذلك مع مساعدات أخرى مالية ومعدات عسكريّة لتغطية احتياجات القوات المسلحة أيضًا، ولقد كان الملك فيصل يرحمه اللّه وافق في لطفه على كل الطلبات. وأود أن أنشط ذاكرة القراء هنا في أمر رغبة توجه وزير الخارجية المصرية محمود رياض للكويت في مسألة تمثيلنا الخارجي أنه لم تكن آنذاك في جوارنا في الجزيرة العربية بكاملها سوى دولتين مستقلتين في الوجود وهم المملكة العربية السعودية التي لم تكن لمصر علاقة جيده بها بسبب حرب اليمن ومسائل أخرى، والكويت التي كانت نالت استقلالها حديثًا ومنحت عضوية الجامعة العربية بتأييد مصري قوي، حيث أن كانت لمصر نفوذًا قويًا على هذا الكيان بسبب أهمية مصر في صفوفه، وكان مقره أيضًا في القاهرة، وبالاختصار فكانت تستخدم الجامعة العربية خلال تلك الفترة من قبل مصر كامتداد لوزارة الخارجية. أما فيما يخص قبول عضوية دولة الكويت في هيئة الأمم المتحدة فكان لبريطانيا دورًا هامًا في قبول عضويتها في ذلك الكيان بسبب نفوذها كأحد الدول الخمس العظمى، كما كان لها دورًا أيضًا فيما بعد في تأمين عضوية جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية فيها، كما أعتقد أنه هذا كان ضمن الإغراءات التي قدمتها بريطانيا للجبهة القومية للإسراع في قبول شروطها حول تسليم الحكم في مفاوضاتها معها. وإن كان كتب لحضرموت القدر أن تصبح كيان مستقل ذو شأن فهي كانت لتكن الدولة الثالثة أو الرابعة المتمتعة بالاستقلال في هذا الرعيل. وهذا التسلسل طبعًا لا يشمل اليمن، فاليمن المتوكلي الإمامي كانت دولة مستقلة معترف بها بعد الحرب العالمية الأولى ببعض سنوات، وإنما كان متورط خلال هذه الفترة في حرب دامية بين الملكيين والجمهوريين وكل منهما يدعي بالشرعية له دون سواه، وإن كان الجمهوريون لهم السيطرة على العاصمة صنعاء بفضل دعم مصري قوي. ولقد حصل أيضًا أثناء وجودي في جدة بأنني كنت جمعت جميع شخصيات رؤوس الأموال من أصول حضرمية، والذين يشتهرون بنشاطهم في مجالات التجارة والصناعة والمالة، وذلك في منزل المرحوم الشيخ سالم أحمد بن محفوظ، وخاطبتهم بكل صراحة وذكرتهم عن ما حصلت من نكبات لرؤؤس أموال الحضارمة من قبل في مهاجرهم المتعددة مثل الهند وسنغافورة وجاوه بعد استقلالها، وبأهمية الاعتزاز بوطنهم بشكلٍ علمي عبر المساهمة في التنمية، وبالذات في مشاريع مجدية اقتصاديًا واستثماريًا، وبأن وطنهم الأم في أمس الحاجة لمساهتمهم في هذه المجالات، فكان حظي هذا الطلب مني أيضًا بالقبول، حيث أنهم وجدوا أنه لا مانع في ذلك من قبل حكومتهم بناءً على الترحيب الرسمي الذي كنا قد حظينا به خلال وجودنا في جدة، ولكن لسوء الحظ لم يتطور هذا الحلم إلى حقيقة بسبب التطورات التي تلت هذا اللقاء والأجواء السياسية والاقتصادية التي سادت في المنطقة. وما تشاؤون إلا أن يشاء اللّه، والجميع عندهم فكرة عن ما الذي حصل فيما بعد! ونتائجه التي لا زالت المنطقة تجني عواقبه إلى الآن، مع دعواتي أن يصلح اللّه الأحوال، وأن يمن على المنطقة بنعمة الأمن والاستقرار والرخاء آمين ثم آمين.
ما كانت توقعاتك الشخصية لمستقبل حضرموت قبل يوم 17 سبتمبر 1967م؟
كانت أمنيتي آنذاك أن أرى حضرموت دولة موحدة ومستقلة، ذات شأن وانفرادية ومتميزة وفقًا لرغبات غالبية أهاليها، وأن يخطط الشعب لمستقبله ونموه في إطار شوروي ديمقراطيّ في ظل تقاليدها وأعرافها التليدة. وكنت أعتبر نفسي مثل أسلافي منفذ لرغبات الشعب.
لماذا لم يتم اكتشاف النفط في حضرموت في عهد دولتها مثل دول الخليج؟
دعني يا ابني أن أرد على هذا السؤال لأهميته بشيء من التفصيل مع تزوديك ببعض المعلومات التاريخية لافتقار الكثير من الناس عن خلفية هذا الموضوع من نواح عدة. بالأول إن إجابة هذا السؤال لها علاقة عميقة من الجانب الاقتصادي بموضوع ” العرض والطلب ” للنفط في الأسواق العالمية، وبما أن الحقول المكتشفة في مواقع تتوفر فيها أكبر عدد من التسهيلات لعمليات الاكتشاف والانتاج والتصدير كانت قادرة على تغطية جميع حالات الطلب وبالزائد خلال العقود الخمسة الأولى من القرن العشرين. فكان لهذا العامل دور كبير في التردد من قبل الشركات لوضع أموال طائلة في عمليات الاستكشاف في مواقع نائية ووعرة يصعب توصيل المعدات المعنية الثقيلة والمكلفة إليها. وبالنسبة لحضرموت كانت تحاليل الدراسات الجيولوجيّة لتلك الفترة تشير إلى إمكانية آثار تواجد النفط في منطقة وعرة بعيدة عن الساحل وهي شبوة. وأقصد بها هنا المدينة التاريخية ومقر آل قطيان من الكرب التي كانت عاصمة حضرموت خلال عصور ما قبل الإسلام ومعروفة لدى اليونانيون والرومان بعظمتها وازدهارها، وليس المحافظة التي أطلق عليها هذا الاسم التاريخي حديثًا. وقبل هذا كان هناك أمل قوي حول إمكانية وجود النفط في حجر، والذي كان جعل السلطان عوض بن عمر القعيطي يوافق على مشروع امتلاكه عبر الشراء من القبائل الساكنة فيه بمائتين ألف ” فرانصة ” على يد نجله الأكبر ونائبه أثناء فترات غيابه من حضرموت الأمير غالب بن عوض الأول، كما كان كلف حفيده- الملم بالعلوم الحديثة بما فيها الجيولوجيا مع عدة لغات أجنبيّة- وهو الأمير صالح بن غالب بالتفاوض مع مجموعة ” إيسترن سنديكيت” ( Eastern Sydicate) من أجل منح امتياز لها للقيام بعمليات الاستكشاف، وذهب الأمير صالح بن غالب إلى لندن عام 1907م برفقته مستشار قانوني مشهور من حيدر آباد من خريجي بريطانيا اسمه ” ذو القدر جنك ” لتوقيع الاتفاقية بذلك، والذي تم إلا أن الحكومة البريطانية بصفتها صاحبة السيادة في المنطقة والراعية لشؤون السلطنة الخارجية لم تصادق عليها إلا بمشقة في سنة 1917م! وطبعًا كان هذا التصرف من قبلها رعاية لمصالحها الاستراتيجية والاقتصادية في هذه المنطقة، وخوفًا من منافسيها من الدول الاستعمارية الأخرى، حيث أن الأخبار عن إمكانية تواجد النفط في حضرموت كان سيلفت دون شك أنظار تلك الدول الطامعة إليها. إنما الجدير بالذكر هنا أن كل ذلك لم يؤثر على عزم السلطان غالب الأول الذي قام بإجراء أول مسح جيولوجي على أسس علمية حديثة في الجزيرة العربية، وذلك للمناطق الساحلية في سنة ٢٠-١٩١٩م على يد خبراء غربيين برئاسة المستر ” لتل” من الحكومة المصرية، ثم نشر نتائجه على شكل كتاب، مع مسح زراعي مماثل تحت رعاية المستر ” هيلد “. كان السلاطين القعطة يولون أهمية استثنائية لحجر بسبب إمكانيتها الزراعية حيث أن النهر الوحيد في الجزيرة العربية الذي يجري إلى البحر على مدار السنة وإن كان عمقه عدة بوصات في كثير من الأحيان هو في حجر كما يكثر فيه السماد في شكل ذرق الطائر الذي يستخدم كسماد للزراعة.
هذا وعلى سبيل المثال لما علم الإمام أحمد عن خبر هذه الاتفاقية المشار إليها، وعن إمكانية وجود النفط في شبوة، فلم يتردد في احتلالها مدعيًا بأنها من أملاكه إلى أن تم نفيه من قبل القوات القعيطية بدعم من سلاح الجو الملكي البريطاني. وكانت هذه الاتفاقيات مع ” إيسترن سنديكيت” من أوائل الاتفاقيات المبرمة في العالم العربي للبحث عن النفط، علمًا بأن هذه الشركة كانت وقعت اتفاقية مماثلة مع المملكة العربية السعودية أيضًا. إنما بعد عقدين من توقيع عقدها المشار إليها مع السلطنة القعيطية، وأما عن نتيجة هذه الاتفاقية مع المملكة العربية السعودية فكان مصيرها مثل الاتفاقية مع السلطنة القعيطية الحضرمية، وأخرى تليها أيضًا الذي كان أبرمها السلطان صالح بن غالب في عهد حكمه مع الشركة بريطانية أخرى اسمها ( امتيازات البترول المحدودة)، وهي:
( Petroleum Concessions Limited) ” PCL” وخلاصة هذه النتيجة أنهما أي” إيسترن سنديكيت ” و ” بتروليم كونسيشنز ليمتيد ” لم يتقدما بالتنقيب بل قاما بالاكتفاء على الاحتفاظ بالامتياز ودفع الرسوم السنوية الاسمية مقابله إلى أن تحين الحاجة في الأسواق العالمية للبحث عن المزيد من الحقول واستغلالها لتغطية الطلب الإضافي.
وما يجب عليّ أن أكرر هنا أن هاتين الشركتين كانتا بريطانية ولم تكن تابعة لدولة عظمى منافسة لها. وقد حصل أيضًا أنه كان قد قام منقبون أمريكيون من شركة ” أرامكو ” التابعة لشركات أمريكية والحكومة السعودية على أسس الشراكة في عام 1953م، وذلك في عهد حكم السلطان صالح بعمليات استكشافية في الربع الخالي شمال شرق خشم الجبل على مقربة من شروره، وأيضًا في رمال وادي خضراء شرقها، وهي آنذاك تعد مناطق قعيطية، وعندما اكتشف ذلك الأمر كان تم نفيهم منهما من قبل جيش البادية الحضرمي بتعلميات بريطانية بصفتها المسؤولة عن تلك القوة كما عن حماية حدود السلطنة وفقًا لشروط اتفاقيّة الحماية بينها وبين السلطنة والعائدة إلى العام 1888م. ثم لما دخلت السلطنة مع شقيقتها الكثيرية في الستينات الميلادية في اتفاق مع شركة ” بان أميريك ان ” التابعة لمجموعة ” إستاندرد أويل كاليفورنيا ” الأمريكية، وقامت بالتنقيب في ثمود متشجعة بالنتائج الأولية لنشاط أرامكو المشار إليها في المناطق المجاورة لهذين الموقعين، أعمالها أيضًا لم تحظى لسوء الحظ في اكتشاف مدخرات نفطية بكميات تجارية في مواقع اهتمامها، إلا أنها كانت مهتمة في تواصل علمياتها في حالة تزويدها من قبل ملاكها بملبغ مليون جنيه إسترليني، وبينما هي في انتظار قرار ملاكها، حصل ما لم يكن في الحسبان! حيث قتل أحد موظفيها العرب على يدي عامل بدوي بسبب خلاف مالي، كما أفادت السلطات البريطانية إدارتها العليا خلال تلك الفترة بأنها منسحبة من المنطقة مع منح الاستقلال لها، وسوف لن تكون مسؤولة عن الأمن فيها من الوجه السياسي الدولي، فأصيبت إدارة الشركة بالخوف وقررت الانسحاب. أما عن قصة مجموعة ” أجيب ” ( AGIP) الإيطالية التي لها صلة مباشرة بعصر حكمي، فلم تصل المفاوضات معها والتي كان خالد أبو بكر بارحيم ممثل ” المنظمة الوطنية ” دورًا بارزًا في شروعاتها، فإنها أيضًا لم تصل لسوء الحظ إلى نهايتها بسبب الأحداث السياسية التي سبقت الاستقلال. هذه خلاصة قصة التنقيب عن النفط في حضرموت خلال عصر الدولة القعيطية. كما يجب عليّ أن أضيف معلومة هنا أن الحكام في مناطق حكومة ” اتحاد الجنوب العربي ” كانوا على يقين خلال الستينات أن الحضارم لا يرغبون الانضمام إلى اتحادهم لأنهم لا يريدون أحدًا أن يشاركهم في خيرات نفطهم، وهم مخطئون تمامًا في ذلك، فالأسباب الحقيقية وراء هذا القرار من قبل الحضارم كانت مختلفة تمامًا.
بحكم أبحاثك ومؤلفاتك التاريخية هل تنتمي حضرموت تاريخيًا إلى اليمن؟
أما عن استفسارك عن انتماء حضرموت تاريخيًا إلى اليمن، علمًا بأنها أكبر منها مساحةً! وإن لم تكن سكانًا بسبب طبيعتها الجغرافية، فقد كتبت عن هذا الموضوع مرارًا كما تناوله غيري. وباختصار
إن اليمنيين ” أهل اليمن السعيد ” أخوتنا، وهم من أهم أجزاء النسيج الاجتماعي لشبه الجزيرة العربية من جميع النواحي ماضيًا وحاضرًا، كما هو شأن حضرموت وعمان ونجد والحجاز وغيرها من المناطق. إنما لكلٍ منها ولسكانها صفات متميزة لأسباب طبيعية وجغرافية. ويكفي لنا هنا أن نروي أنه او تناولنا على سبيل المثال الكتب السماوية بحالها مثل ” العهد القديم ” العائدة إلى 1200 سنة ق. م، إلى 165 سنة ق. م نجد أن اسم ” حضرموت ” موجود دون سواه في سفره الأول ” التكوين ” ومكرر أيضًا في سفر ” الصحاح ” كما أنه مشار إليها- أي حضرموت اسمًا- فيما بعد في القرآن الكريم باسم ” الأحقاف “. ثم أنه لما اتحدت مملكة حضرموت مع ممالك أخرى مجاورة بما فيها اليمن خلال حقبة تاريخيّة من الزمن قبل الإسلام، فتلك الدولة الاتحادية كانت تسمى” مملكة حضرموت ويمنات والتهائم “. هذا، ولو إنه صحيح أيضًا أن حضرموت كانت دخلت في طاعة الإمام المتوكل على اللّه إسماعيل نتيجة لغزوها بقيادة حفيد الإمام المؤيد باللّه أحمد بن الحسن الملقب ” الصفي “، وذلك في عام ١٠٧٠ ه (١٦٦٠م) إنما لم يدم هذا الاحتلال طويلًا حيث كان تم تلخيصها مع بقية المناطق الشافعية الواقعة في غربها من هذا النفوذ على يدي قبائل يافع الثائرة ضدها في سنة ١١١٨ه (١٧٠٦م)، والذي كان نتيجة لدعوة من مجموعة من أعيان وزعماء حضرموت مرؤوسين بمناصب عينات من السادة آل الشيخ أبو بكر بن سالم الذين كانوا يتمتعون بنفوذٍ روحي على هذه القبائل بأسباب يمكن تلخيصها بالدعوة والوعظ والتوعية من تأثير الفكر والطقوس الدينية. وأعتقد أنه هذا يكفي كإجابةٍ على السؤال بإذن اللّه.
ذكر استطلاع مجلة العربي عن المكلا عاصمة السلطنة القعيطية في عددها ال ” 79 ” عام 1965م قبل توليكم الحكم بسنة، والذي كتبه الصحافي سليم زبال: بأنه صدم حين رأى المكلا من الداخل لا يوجد فيها شارع واحد معبد! وهذه النقطة يأخذها البعض ممّن يحملون على السلطنة القعيطية الحضرمية، فما هي أسباب عدم أنشأ السلطنة القعيطية لبعض الطرق المعبدة؟
سامحني أن أقول لك بأن هذا السؤال غريب شيئا ما!
أولًا، بالرغم من تواضع حركة النقل بين الساحل والداخل، والتي كانت في الغالب على جمال، وذلك حتى بعد ظهور سيارات النقل في زمن مؤخر، من الذي شق الطريقين “الشرقي” و “القبلي” عبر الجبال الوعرة والوديان، وعمرها وعبدها وأمنها دع عنك الطرق الاخرى في جميع انحاء مساحات حضرموت الشاسعة، ثم صيانتها المستمرة على مدار العام، وكل ذلك رغما عن دخل الدولة المتواضع. وعلى الذي يثير سؤال مثل هذا أن يقارن وضع حضرموت من هذه الناحية ، بل من كل النواحي بجميع المناطق بل الدول المجاورة، وحتى تلك التي كان رزقها الله بالنفط في الآوان المتأخرة. وليكن معلومًا ان الدولة كانت تخصص مبالغ ضخمة لبند اعمار وصيانة الطرق والمواصلات في ميزانيتها السنوية. وعلى ما أعتقد أنه فيه هناك صورة لي اخذها ونشرها الصحفي الدانماركي “كارل إسكيلند” وأنا أشارك بكل جدية في أعمال صيانة الطريق بين المكلا والريان! ثم إذا كان توجه سؤالك إلى الطريق داخل سدة المكلا، فليكن معلوما ان التكلفة لتغطية المتر المربع من المساحة الارضية، اذا لم تخني الذاكرة، كانت دينارًا واحدًا. إذاً فتنفيذ هذا المشروع من ميزانية الدولة السنوية كان سيستهلك أكثر من ثلثيها. والحكومة كانت خططت لتمويله من ميزانية البلدية المنفصلة تماما عن ميزانية الدولة، علما بان المبلغ المطلوب للقيام بهذا المشروع كان قد اكتمل في عام 1967م، والمشروع كان قيد التنفيذ لولا الاحداث السياسية. وما تم القيام به بعد احداث سبتمبر 1967م لم يكن سوى تنفيذ خطة مدروسة ومرسومة مع توفير المال الضروري لها. وكل أمر مرهون بوقته وحكمة الرحمن، والحمد لله.
هل كانت لكم جهود من أجل إنشاء إذاعة أو تلفزيون في حضرموت؟
لقد كانت عرضت عليّ الحكومة البريطانية تسليم جهازًا مستخدمًا من قبل قواتها في عدن للإذاعة المحلية لدى انسحابها، وعليها كانت بدأت وضع خطة من قبل الدولة لاستلامها وكيفية تشغيلها والاستفادة منها. هذا وكان لعب شابًا من آل باغفار الذي نسيت اسمه مع مرور الزمن دورًا يثنى عليه في هذا الشأن، وهو الذي تم تنفيذه ولو بعد مغادرتي. وفيما يخص إنشاء محطة تلفزيونية في حضرموت، فلم تكن لدى الدولة الإمكانيّات المالية آنذاك لتخطط لأمور ترفيهيّة مكلفة مثل هذه حيث أولويتها كانت التركيز على مجالات حيوية أكثر أهميةً مثل الأمن، والصحة، والمعارف، والمواصلات، والزراعة، والأسماك، وحرف أخرى.
كيف كانت المنح الدراسية للطلاب الحضارم الراغبين في الابتعاث إلى الخارج للدراسة في عهد الدولة القعيطية؟
كانت هناك ثلاثة أنواع من المنح على ما أتذكر للابتعاث إلى الخارج لإكمال مرحلتي الثانوية والجامعية، وأولها من السلطنة نفسها، وهي أساسًا إلى السودان بسبب روابط حضرموت الثقافية المتينة معه منذ المراحل البدائيّة لتنظيم المعارف ومناهج التعليم والتدريس في حضرموت، وكذلك أيضًا منح إلى بريطانيا. وكان هناك وكيلًا رسميًا للسلطنة في السودان -وهو التاجر الكبير أحمد صالح باعبود صاحب العلاقات واسعة النطاق في جميع المجالات- لرعاية شؤون الطلبة المبتعثين وتمثيل مصالح السلطنة الثقافية فيه. وكان لي الحظ أن أكمل مرحلة من دراستي الثانوية في السودان قبل انتقالي إلى بريطانيا، وأود أن أقدم لك صورة شخصية خاصة تتعلق بفترة إقامتي في السودان لعل وعسى تحب مشاركتها مع القراء لو رغبت في ذلك. ومن عجائب القدر أن الذي كان مديرًا لمدرستي في السودان وهو الأستاذ عبد القادر إبراهيم، الذي كان مديرًا مثاليًا تعين فيما بعد مديرًا أيضًا لأول مدرسة ثانوية في حضرموت خلال فترة حكمي، وهي في المكلا. هذا من ناحية، ثم كانت هناك منح من الحكومة البريطانية، وأيضًا ولو بنسبة أقل من بعض الدول العربية إضافة إلى السودان مثل مصر وسوريا والأردن والعراق والسعودية والكويت، إنما هذه في السنوات الأخيرة قبل الاستقلال، وهذه المنح كانت تقدم مباشرة للسلطنة التي كانت تقوم بمنحها للطلبة وفقًا لتقديرها لمؤهلاتهم ورغباتهم الفردية مع الأخذ في الاعتبار حاجتها أيضًا لخدماتهم.
ماذا عن انطباع القبائل الحضرمية بعد أول مؤتمر عام لهم والذي أقيم في 1967م برعاية ومشاركة حضرتكم؟
إن فكرة انعقاد هذا المؤتمر الذي كان زرع بذرته في رأسي لدى توليي زمام الأمور في البلاد هو وزيري السيد أحمد العطاس، الذي لم يحضره كما حصل بسبب مغادرته إلى مصر من دون إشعاري عن عدم رغبته في العودة، مسببًا بذلك تأجيل موعد انعقاده لأشهر وأنا في انتظار عودته من سفره. والدعوة لهذا المؤتمر كانت أساسًا لإشعار القبائل الذين كنت اشعر باهتمام خاص تجاههم وشؤونهم، كما كنت ذكرته في خطاب العرش، بأنهم جزء هام من المجتمع، وأصحاب رأي ودور مصيري متعلق بجميع الأمور الحيوية الخاصة بالبلاد. فكان من أهداف هذا المؤتمر إضافة إلى التعبير عن وحدة الكلمة والصف العرض عليهم وأخذ رأيهم، بل قرارهم، حول تصورهم عن مستقبل بلادهم بعد الاستقلال بالمفهوم أن هل هم يحبذون الانضمام إلى اتحاد الجنوب العربي كما كان مطلوب مني بشدة من قبل الحكومة البريطانية أو البقاء والحفاظ على ما هم عليه الذي يعني بعيدين عن أية انتماءات غير حضرمية. فكان قرارهم الشامل دون أدنى نسبة من الخلاف في صالح وحق الخيار التالي رغمًا عن ممارسات الأحزاب السياسية المتواجدة آنذاك وبالتحديد الحزب الاشتراكي التأثير عليهم بأسلوب سلبي والجدير بالذكر فيما يتعلق بهذا المؤتمر أيضًا بأنه كان وصل إلى المكلا فجأة المرحوم الشيخ عبد اللّه سعيد بقشان، وذلك كما يبدو ليكن متواجدًا لمن يريد الاستفادة من ارائه من مقادمة القبائل ولو أنه لم يشارك في الجلسات نظرًا لأصداء المؤتمر الواسعة وأهميته، والتي حضيت بترحيب من قبل أبناء القبائل بما فيهم الجيش البدوي، والذي استمر لمدة ثلاثة أيام متتالية. ولما كنت عرضت على بريطانيا نتيجة هذه الممارسة الديمقراطية من قبلي، فالبرغم من أنها دولة مبنية وممنهجة منذ القدم ومدارة وفقًا لأصولها للفلسفة السياسية، كان العجب أنها لم ترتاح لنتائج هذه المساعي السياسية الديمقراطية من قبلي، وقررت تهميشها بالرغم من أنها كانت تعبر بأسلوب شفاف رغبة غالبية سكان حضرموت في هذا الأمر بكل وضوح وهو الرفض التام للانتماء إلى أي كيان سياسي والاستمرار في ما هم عليه منذ القدم. واستمر ممارسة هذه الضغوط عليّ بالتزايد اليومي بشتى الأشكال من قبلها، مع صمودي أمامها مدعومًا في ذلك برغبة الشعب في تصديي لمعاناتي هذه على يد بريطانيا إلى أن حصل في الأخير ما حصل.
وعليّ الإضافة هنا أمانةً للتاريخ أن الشعب الحضري من الحضارم لم يكونوا مرتاحين قط ممّا رأوه من اهتمام استثنائي بشؤون القبائل وانعقاد هذا المؤتمر ومصدره التنافس التقليدي التليد في المجتمع الحضرمي بين الحضر والقبائل. ولأرسم هنا صورة عن مدى نسبة أحاسيس هذا التنافس آنذاك التي أشار إليها أيضًا أبو فلسفة التاريخ العلامة عبد الرحمن ابن خلدون الحضرمي الأصل في مقدمته لتاريخه قبل أكثر من ستة قرون، إن المصوراتي المكلف رسميًا بتغطية هذا المؤتمر خلال أيامه الثلاثة وهو عاشور فرج الخنبري كان أتى بصورة واحدة في مكرته دون سواها، ولم يقوم بأخذ أي صور أثناء الجلسات، ثم لما طلب منه أخذ صورة جماعية للمدعوين للحضور قبل الاستدعاء بهم، كشف الأمر بأنه لم يأتي إلا بإمكانية أخذ صورة واحدة فقط دون احضار أفلام إضافية معه، ثم لما قام بأخذ الصورة الأولى وظهري في وجه عدسة الكاميرا دون إنذار بينما كنت أرتب صف الحاضرين وطلبت منه أخذ صور أخرى كشف لي الأمر الذي وصفته بأنه هذه الصورة الوحيدة في الكاميرا وأنه لم يحضر معه أي أفلام إضافية، ويهمني أن أقدم لك هذه الصورة للمشاركة بها مع القراء. ويجب أن يذكر بعظيم الأسف انه كان تم اعتقال وتغييب واعدام للعدد كبير من هذه الشخصيات البارزة بتهم غريبة بعد مرحلة ما بعد السلطنة القعيطية الحضرمية.
كيف كان انطباعكم أنتم شخصيًا بعد المؤتمر العام للقبائل الحضرمية؟
بكل صراحة وأسف، لا توجد لدى المنطقة الإمكانات المالية المطلوبة، لا على المدى القصير أو الطويل كما يبدو واضحًا لإعادة بناء ما تلف وإدارة حكومة حديثة بشكلٍ منظم، لذا يحتم علينا الوضع أن نستعين بالمنطق والعقل بعيدًا عن الأنانية والأطماع الشخصية البحث الحثيث والعاجل لإيجاد حل مبني على حقائق الأمر الواقع لإنقاذ هذا الشعب المسكين والصبور على معاناته منذ عقود ممّا هو فيه، وتأمين ما يستحقه من أمن واستقرار، وهما أساس الخطى تجاه النمو والرخاء بالأول، إن منطقتنا مهما قد يتم تسميتها سياسيًا تعد جزء لا يتجزأ من نسيج شبه الجزيرة العربيةوأبناءها شركاء في مصيرها من جميع النواحي وبالذات في هذا العصر، عصر العولمة. فعلينا كما يتطلب الوضع بإلحاج شديد تجنب الممارسات السياسية، وبذل كل جهد لإيجاد حلول لمعاناة الشعب بصفة فورية. وماذا أضيف إلى ما ذكرت إلا أن أدلك إلى الرؤية التي كنت قد أصدرتها قبل أكثر من عقد ونصف للإطلاع على المزيد من التفاصيل الفكرية والاقتراحات المتواجدة فيها.
ما هي رؤيتك لحل الأزمة التي تعيشها البلاد؟
اجابتي على هذه السؤال بالطلب من المهتمين مراجعة رؤيتي ” حول حل الأزمة في البلاد” ، والصادرة قبل بضعة سنين من اندلاع “عاصفة الحزم”، والأمر الذي استغرب أنه لم يطلع عليه كثيرون إلى الآن.
وختامًا أسأل الله أن يحفظك ويوفقك ويزيد بلادنا من أمثالك، آمين، فأنتم مستقبلها، وشكرًا.