اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني: رسالة إلى إسرائيل
بقلم: د. سنية الحسيني
النشرة الدولية –
2021-12-02 كان يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني قبل أيام إستثنائياً، امتزجت فيه مشاعر التضامن والدعم، واتحدت جميعها، بكل الألوان والأطياف واللغات، لتؤكد على تصاعد الدعم والتأييد العالمي للقضية الفلسطينية، وتعلنها عالية أن القضية الفلسطينية حية لن تموت. التصريحات الرسمية لمعظم دول العالم على كثرتها، وقفت خجولة أمام الدعم والتضامن الجماهيري الذي اجتاح العالم، بمختلف ملاته وممثليه، ممثلاً بمواقف نقابيين وأكاديميين وأدباء وشعراء وصحفيين وفنانين ونشطاء سياسيين وطلاب، ليرسم أبهى صورة من صور التضامن مع الفلسطينيين، يمكن أن تراها عين أو تسمعها أذن. واكتملت أبعاد الصورة، وأصبحت أكثر جلاءً وجمالاً، بحضور شباب وشابات فلسطين، من طلاب أو مقيمين في بلاد الشتات، في ذلك اليوم، وهم ينطلقون وينتشرون في كل زاوية من بلاد العالم، ممثلين لفلسطين بقلوب تحمل إيماناً بحقهم وبعيون تشع اصراراً على نيله، ذلك الحضور الذي عمل جنب إلى جنب مع إحياء الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لفعاليات ذلك اليوم بوعي وتنظيم لافت. إنها رسالة إلى دولة الاحتلال، فلا ظالم يبقى ولا احتلال يدوم، والشعب الفلسطيني باقٍ وصامد، ولن يترك أرض آبائه وأجداده لعابرين.
اعتبر أنطونيوغوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، في تغريده له بمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، أن الوضع في الأرض الفلسطينية المحتلة لا يزال يمثل تحدياً للسلام والأمن الدوليين. اليوم إسرائيل لم تعد تشكل فقط قوة إحتلال عادية، فناهيك عن أنها قوة احتلال يأبى الرحيل، عجزت نصوص القانون عن توصيفه لطول فترة بقائه الزمنية، وتكشفت حقيقته بأنه بات يجمع ما بين احتلال عسكري جاء وحافظ على بقائه بالقوة، واستعماري صادر الأرض واستوطنها، واحلالي طرد سكانها واستحل أرضهم ومارس الفصل العنصري بحقهم، فانه احتلال لا ينفي حق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم فقط بل حقهم في الوجود أيضاً. بالإضافة إلى عشرات قرارات مجلس الأمن ومئات قرارت الجمعية العامة، التي تشير إلى واقع الاحتلال الإسرائيلي، باتت التقارير الدولية تؤكد إلى أنها أيضاً قوة احتلال تمارس الفصل العنصري، كما ورد ذلك جلياً في التقرير الذي صدر مؤخراً عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية، ومنظمة “بيتسيلم” الإسرائيلية من قبله، والتقارير الصادرة أيضاً عن لجنة الأمم المتحدة لغرب آسيا “الاسكوا”.
يعكس التصويت في الجمعية العامة لصالح القضية الفلسطينية، مساندة غالبية دول العالم الحر للحق الفلسطيني، والذي تجسد بصدور الكثير من قراراتها لصالح القضية الفلسطينية بالأغلبية. ولعل من بين تلك القرارات، القرار رقم ( ٤٠/٣٢ ب) الصادر عام ١٩٧٧، والذي ينص على إطلاق يوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ويتزامن مع تاريخ صدور قرار التقسيم ١٨١ لعام ١٩٤٧، للتذكير به. جاء قرار الجمعية العامة بالتضامن مع الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة بعد أن أقرت الجمعية من قبله، منذ مطلع العقد السابع من القرن الماضي، عدداً من القرارات، التي شكلت تحولاً في موقف الجمعية العامة تجاه القضية الفلسطينية، والتي كانت تعتبرها قبل ذلك الوقت مجرد قضية لاجئين. وشكل قيام منظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني، والاعتراف بها من قبل عدد من المنظمات الاقليمية، المحفز الرئيس لهذا التحول، في ظل توجه عام برز في الأمم المتحدة في حينه، بالاعتراف بحق تقرير المصير للشعوب الخاضعة تحت سيطرة الاستعمار، والإقرار بحركات التحرر الوطني، التي كانت منظمة التحرير واحدة منها. ومنذ ذلك اليوم بتنا نشهد تطور لتمثيل منظمة التحرير في المنظمة الدولية، إلى أن وصلنا إلى القرار رقم (١٩/٦٧) لعام ٢٠١٢، الذي اعتبر فلسطين دولة، غير عضو في الأمم المتحدة، والذي يعتبر مدخلاً قانونياً مهماً للفلسطينيين على المستوى الدولي.
وفي تناقض واضح، لا تعترف أي من دول الاتحاد الاوروبي بفلسطين، باستثناء السويد، على الرغم من تأكيد هذه الدول على عدم شرعية الاحتلال الاسرائيلي في القدس وأراضي الضفة الغربية، ومعارضتها للاستيطان فيها، وتبنيها حل الدولتين. وبينما تكتفي تلك الدول بانتقاد انتهاكات إسرائيل القانونية والانسانية في فلسطين بخطاب وبيانات فضفاضة واحياناً بقرارات نظرية، لم يترجم ذلك يوماً بشكل عملي، إذ تعتبر تلك الدول إسرائيل شريكاً حميماً، وتدعي أن قيماً مشتركة تربطها بها، وتتعاون معها بشتى المجالات بدءاً بالاكاديمي منها وإنتهاءً بالعسكري. على سبيل المثال، في حين أصدرت محكمة العدل الأوروبية، أعلى هيئة قضائية في الاتحاد الأوروبي، قراراً عام ٢٠١٨، يلزم إسرائيل بوسم منتجات المستوطنات في الأراضي المحتلة، الا أن ذلك القرارات لا يلزم أي من دول الاتحاد بعدم شرائها، اذ يكتفي القرار بتصنيفها فقط. إن دول القارة الأوروبية تعتبر المسؤولة بشكل مباشر عن محنة الشعب الفلسطيني، حيث كانت شريكة باقرار الانتداب البريطاني على فلسطين، تحقيقاً لوعد بلفور، ثم بعد ذلك وقفت خلف إخراج قرار التقسيم، الذي تستخدمه إسرائيل منذ عام ١٩٤٧ لاثبات شرعيتها، رغم أنه قرار غير ملزم. وبدل أن تقف الدول الغربية اليوم لتحمل تبعات مواقفها وسياستها الماضية، تبقى أسيرة لميولها وتوجهاتها الاستعمارية، بحمايتها وتعاطفها مع دولة الاحتلال.
إن تآمر الدول الاستعمارية الغربية على الشعب الفلسطيني بدأ عندما أقرت الانتداب البريطاني على فلسطين عام ١٩٢٢، بعد أن أصدرت بريطانيا وعد بلفور عام ١٩١٧، والذي تعهدت فيه بانشاء وطن لليهود في فلسطين، فجاء قرار الانتداب ليسمح لبريطانيا بوضع وعدها حيز التنفيذ. لقد اعتبرت روسيا إعلان بلفور حلاً مقبولاً للتخلص من عبء المهاجرين اليهود في القارة الأوروبية، وأيدته ألمانيا بشدة، خصوصاً بعد أن كانت قد تقدمت قبل ذلك بطلب إلى الحكومة التركية لتمكين اليهود في فلسطين، كما دعمت فرنسا وإيطاليا الاعلان بمجرد صدوره، ووافقت الولايات المتحدة عليه قبل الإعلان عنه. استكملت الدول الغربية الاستعمارية مهمتها بالتآمر على الشعب الفلسطيني وذلك باصدار قرار التقسيم ١٨١ لعام ١٩٤٧. بدأت فصول تلك المؤامرة عندما قامت تلك الدول الاستعمارية بتحويل البت بقضية انهاء بريطانيا انتدابها على فلسطين، في إطار الجمعية العامة، بدل الذهاب إلى المؤسسات القانونية والقضائية والتحكيم، المكلفة بالنظر بمثل هذه القضايا، والتي أنتجت في النهاية صدور قرار التقسيم، الذي عكس أهواء الدول الاستعمارية التي سيطرت على مجريات التصويت في ذلك الوقت، حيث لم يتجاوز عدد أعضاء الجمعية العامة في حينه ال ٥٧ دولة، شكل معظمها الدول الاستعمارية الغربية والدول المستعمرة التابعة لها.
اكتفت الدول الغربية، التي تسببت في نكبة الفلسطينيين بدعم حل القضية الفلسطينية شكلياً، عبر البيانات والقرارات التي لا تنفذ، دون أن تقدم على خطوة فعلية واحدة باتجاه المساهمة بالوصول إلى حل فعلي، ما يؤكد أنها لاتزال محكومة بعقليتها الاستعمارية. إن مساعدة الدول الغربية للفلسطينيين عبر تقديم المساعدات الاقتصادية فقط، يضمن بقاء الوضع القائم واستمرار الاحتلال. وإن عدم ردع إسرائيل، وعدم القيام بتدخل قوي من المجتمع الدولي، خصوصاً من قبل الدول الغربية، التي تتحمل مسؤولية نكبة الفلسطينيين، بفرض حل على إسرائيل يقوم على أساس الحقوق التاريخية، ومبادئ القانون والعدل الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، وليس على أساس المبادرات السياسية التي تحكمها موازين القوى، والتي أثبتت فشلها، لن ينتهي الاحتلال ويتحقق السلام الذي تتحدث عنه الدول الغربية. ولن يتوقف دعم شعوب العالم الحر للقضية الفلسطينية، ذلك الدعم والمساندة التي باتت تكبر يوماً بعد يوم، والتي ستصل يوماً حد الضغط واجبار العالم في النهاية على تحقيق العدالة للفلسطينيين، الذين أثبتوا عبر كل هذه السنوات العجاف أنهم شعب صامد، لا يعرف اليأس.