مهمة الميليشيات الإيرانية حيازة السلاح والسلطة
بقلم: رفيق خوري

دروس التاريخ والحاضر أمامنا تشير إلى أن لا طائفة تستطيع فرض مشروعها على الطوائف الأخرى مهما كان مَن وراءها

النشرة الدولية –

مسلسل الخطف والاغتيالات في لبنان سبق نظيره في العراق على أيدي الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. وملالي طهران لا يسلحون ويمولون “ستة جيوش” داخل بلدان عربية لأن “السلاح زينة الرجال”، بل للعمل من أجل المشروع الإمبراطوري الإيراني.

وكما في العراق واليمن وسوريا كذلك في لبنان وغزة؛ وكلاء إيران يريدون السلاح والسلطة السياسية معاً. الحشد الشعبي الذي كان مبرر وجوده في العراق محاربة “داعش” بحسب فتوى “الجهاد الكفائي”، التي أصدرها المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني، وسَّع البيكار ليشمل السياسة والسلطة والمال. الحوثيون في اليمن قاموا بانقلاب ميليشياوي عسكري بالتحالف مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، قبل أن يقتلوه على التسوية السياسية التي كانوا شركاء فيها لكي ينفردوا بالسلطة.

الميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية التي جاء بها الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا للقتال إلى جانب النظام أقامت قواعد عسكرية وأماكن مغلقة عليها، وتغلغلت في النسيج الاجتماعي السوري كمقدمة لدور في السلطة السياسية. حركتا حماس والجهاد في غزة الممولتان والمسلحتان من طهران انقلبتا على السلطة الفلسطينية لإقامة سلطة بديلة في غزة، وتسلحتا بالصواريخ حتى الأسنان، وقامتا بعملية “سيف القدس” ضمن الطموح للسيطرة مستقبلاً على السلطة في الضفة الغربية. و”حزب الله” في لبنان صار عديده أكبر من عديد الجيش، وصواريخه أكثر مما تملكه دول كثيرة في العالم. وهو يتحكم بالسلطة عبر ممثليه في المجلس النيابي والحكومة، والعين على حكم لبنان بالتدرج، ولا يكتم القول إنه لن يسمح بتغيير الأكثرية النيابية التي يملكها حالياً في الانتخابات المقبلة.

لكن الحدث المعبر كان خسارة الفصائل الموالية لإيران في الحشد الشعبي الانتخابات النيابية في العراق. فلا هي تقبلت الخسارة واستعدت لظروف أفضل في انتخابات آتية كما هي عادة الخاسرين في أوروبا وأميركا، بل تعلمت درس الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترمب، الذي رفض تحمل الخسارة وأصر على الادعاء بوجود تزوير لم يستطع محاموه إثباته أمام المحاكم. ولا هي احتجت سلمياً بل حاولت اقتحام المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد، كما اقتحم الغوغاء من أنصار ترمب مقر الكونغرس لمنعه من إعلان فوز جو بايدن، بل أرسلت ثلاث مسيَّرات في محاولة لاغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عبر قصف منزله في المنطقة الخضراء.

كانت الصورة واضحة أمام الجميع؛ خسارة الفصائل الانتخابات تعني خسارة الحاضنة الشعبية الشيعية لها، التي تأكدت خلال “ثورة تشرين” وقام بها بشكل أساس الجيل الشيعي الجديد في محافظات الجنوب بعدما ضاق باليد الإيرانية الثقيلة. وسطوة الميليشيات وتنامي الفساد، وأراد قيام دولة وطنية تضع مصالح العراق فوق مصالح أي دولة. وزاد في الخوف من الخسارة قبل وقوعها خوف الميليشيات من “الثوار” وقتل الآلاف منهم وخطف المئات من الناشطين من دون محاسبة ولا عقاب.

ومن السهل على الميليشيات الإيرانية في سوريا أن تحتفظ بالسلاح، لكن من الصعب أن تشارك في السلطة. وليس هناك استطلاعات محايدة حول مدى شعبية “حماس” و”الجهاد” في غزة المحاصرة والمحتاجة إلى كل أنواع المساعدات، حيث الأكثرية تحت خط الفقر، وكل أسرة تنتظر 100 دولار شهرياً من قطر. ولا من السهل أن تغلب الأقلية الزيدية الحوثية الأكثرية السنية الشافعية في اليمن. “حزب الله” يبدو ممسكاً بالطائفة الشيعية. ومن هنا صعوبة تخييره بين السلاح والسلطة في لبنان، ما دام يريد الأمرين معاً، ومن أجل العمل للمشروع الإيراني الذي اسمه المستعار “محور الممانعة والمقاومة”. لكن دروس التاريخ والحاضر أمامنا؛ لا طائفة تستطيع حكم الطوائف الأخرى؛ إذ فشل الموارنة في محاولة الغلبة، وفشل بعدهم السنة. ومحاولة الغلبة الشيعية محكومة بالفشل. ولا حزب أو طرف واحد يمكن فرض مشروعه على لبنان ولو كانت وراءه أميركا أو فرنسا أو سوريا أو إيران أو إسرائيل أو روسيا.

Back to top button