“يا محلا قرداحي قدّام عون”
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
لم يصدر أيّ تعليق رسمي أسترالي على تلميح رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون إلى أنّ كانبيرا، عندما أدرجت “حزب الله”، من دون أيّ تمييز بين جناح سياسي وآخر عسكري، في قائمة المنظمات الارهابية، كانت مسلوبة الإرادة.
وكان عون قد تساءل في مقابلة معه، على هامش مشاركته في افتتاح “كأس العرب” في قطر: “هل قامت أستراليا بهذه الخطوة بقرار ذاتي؟”.
عدم التعليق الأسترالي على تلميح عون يعود، وفق مصادر دبلوماسية، الى معرفة سلطاتها بموقع عون في المعادلة اللبنانية، إذ إنّه بالمحصلة “ساقط تحت هيمنة حزب الله”، ولذلك هو اعتاد أن يفتّش عن الحجج التي تعينه على الدفاع عن هذا الحزب، من دون أن يُمعِن التفكير في أبعاد كلماته.
وما لم تقله المصادر الدبلوماسية أكمله أستراليون من أصل لبناني: “من المعيب أن يُشكّك الرئيس عون بسيادة القرار الأسترالي، وهو الذي أخسر لبنان آخر ما كان قد تبقى له من سيادة، برضوخه شبه التام لحزب الله. في الواقع، هو آخر من يحق له الكلام عن مواضيع كهذه. لقد كان عليه أن يسأل، قبل أن ينطق، عن طريقة اتخاذ القرارات في السلطات التشريعية والتنفيذية في أستراليا، ليردع نفسه عن التلفّظ بكلام مهين، لا يليق بشخص كان هو السبب، في آخر ثمانينات القرن الماضي، كما في السنتين الأخيرتين، في دفع عدد كبير من اللبنانيين الى الهرب نحو المهاجر المتوافرة، ومن بينها أستراليا التي باتت تحتضن مئات الآلاف منهم”.
وتابع هؤلاء: “لو استندت السلطتان التشريعية والتنفيذية في أستراليا الى مواقف عون نفسه من حزب الله، حين كان في فرنسا، لكان لديها ما يكفي من أدلة تسمح بإدراج هذا الحزب في لوائح الإرهاب”.
موقف عون الذي أثار استياء غالبية الأستراليين من أصل لبناني، ربّما يلاقي هوى عند القيادة الفرنسية التي دخلت، قبل أشهر، في أزمة دبلوماسية مع كانبيرا، على خلفية إلغاء صفقة الغواصات معها لمصلحة صفقة بديلة مع كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
وقد اتّهمت القيادة الفرنسية، في حمأة الأزمة، نظيرتها الأسترالية بالخضوع، في هذا المضمار، للإرادة الأميركية.
ولكن المصادر الدبلوماسية تلفت الانتباه الى فرق شاسع بين اتخاذ القرار بإدراج “حزب الله” في قائمة الإرهاب وفسخ الاتفاق الفرنسي – الأسترالي، إذ إنّه، في وقت اتخذت فيه السلطة التنفيذية دون التشريعية قرار الفسخ، وتصاعدت أصوات سياسية معارضة ضده، صدر القرار الخاص المتعلق بـ”حزب الله” عن السلطة التشريعية قبل أن تعتمده السلطة التنفيذية، ولم تخرج ضدّه أصوات لها قيمتها في السياسة الأسترالية.
وتشير الى أنّ قرار السلطات الأسترالية ضد “حزب الله” ينبع من رؤية دولية آخذة في التوسّع في المجتمع الدولي، وبدل أن يستلهم منها المسؤولون اللبنانيون خلاصات من شأنها إنقاذ بلادهم، يذهبون الى إطلاق مواقف، لو جرى أخذها على محمل الجد، لكانت قد ضاعفت ورطة لبنان.
ولم يأت القرار الأسترالي من عدم، فهو طالما كان على جدول الأعمال، ولكنّ تطورات السنتين الأخيرتين في لبنان جعلت سلطاتها التشريعية والتنفيذية تعتمده، إذ إنّ منهج “حزب الله” خرج عن “المسار الذي يمكن تحمّله”، فهو الذي يحول دون تنفيذ لبنان تعهّداته الدولية بالنأي بالنفس عن حروب المنطقة وصراعات محاورها، وهو الذي ينتهج سلوكية “إرهابية” تجاه أصدقاء أستراليا وحلفائها في الشرق الأوسط، ومن بينها دول الخليج العربي، وهو الذي مارس الترهيب ضد اللبنانيين الذين ثاروا في 17 أكتوبر 2019، وهو الذي يحول دون استكمال التحقيقات في ملف انفجار مرفأ بيروت، حيث سقط شهيداً مواطن أسترالي وجُرح آخرون وتضرر مبنى السفارة في بيروت، وهو الذي يرفض تسليم المحكوم عليه من المحكمة الخاصة بلبنان باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ولكن من أين للرئيس ميشال عون أن يأخذ هذه المعطيات بالاعتبار، فهو في المقابلة نفسها كان قد أبدى، بطريقة المواربة، رغبته بالبقاء في القصر الجمهوري تمديداً، مستعيناً بمثال شخصيتين طالما هاجمهما على “اعتبارهما ألعوبة بيد الاحتلال السوري”: الياس الهراوي وإميل لحود؟
واذا كان عون يفكّر في تمديد ولايته أو الإتيان برئيس مثله ليخلفه، معدّداً مواصفات يتوهّم أنّها تنطبق عليه وعلى صهره النائب جبران باسيل، فهو، في ذلك، لا يمكن أن يُراهن إلّا على “حزب الله” الذي من أجل الدفاع عنه نطق بما ينال من سيادتها.
وعلى هذه الخلفية، لفتت شخصية لبنانية ناشطة في التواصل الحكومي مع عواصم القرار، إلى أنّ انفراج الوضع اللبناني يستحيل أن يبدأ، قبل خروج عون من القصر الجمهوري، ليس لأنّ هناك من يستهدفه، بل لأنّه هو، وإرضاءً لـ”حزب الله” الذي “يمنحه الكرسي” مستعد أن يطيح التوازنات اللبنانية، من جهة، وبعلاقات لبنان العربية والدولية، من جهة أخرى.
مسكين وزير الإعلام جورج قرداحي، فلسانه المدافع عن النظام السوري و”حزب الله”، بالمقارنة مع “فصاحة عون”، لا يزال في طور التدريب.