النووي والنوايا
بقلم: سعد بن طفلة العجمي

استعجال الرئيس الأميركي جو بايدن يضعف موقف فريقه المفاوض ويقوي إيران

النشرة الدولية –

استؤنفت محادثات العودة للاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وهي الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا إضافة إلى ألمانيا، في العام 2015.

وراء استئناف المحادثات هوس الرئيس الأميركي جو بايدن بالعودة للاتفاق الذي هندسته إدارة رئيسه السابق باراك أوباما حين كان نائباً له.

الرئيس بايدن “ماسكه وياه” على ضرورة العودة للاتفاق مع إيران وبسرعة، وهو استعجال يضعف موقف فريقه المفاوض ويقوي موقف إيران، ويحاول الرئيس بايدن العودة للاتفاق نقضاً لسياسات سلفه اللدود دونالد ترمب، وبضغط من لوبي ديمقراطي يحثه على الاستعجال بالعودة للاتفاق كي يوقف النشاط النووي الإيراني الذي يتسارع نحو القنبلة النووية، أو هكذا يدعون.

الفرنسيون يسيل لعابهم لعقود طيران مع إيران لاستئناف العمل في مصانع “الإيرباص” التي توقفت بسبب وقف الطلبات وجائحة كورونا، والرئيس الفرنسي يأمل بصفقات تجارية تعزز فرص نجاحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والبريطانيون يأملون بعقود نفطية وصناعية أخرى مع إيران وإطلاق معتقلين بريطانيين، لعل ذلك يأتي بدعاية شعبوية لرئيس الوزراء بوريس جونسون.

ويرى الروس في إيران حليفاً لهم في قمع الثورة السورية ولمعاداتها اللفظية للغرب،

والصينيون يأملون بفك الحصار النفطي عن إيران لزيادة واردات بلدهم لإشباع شهية التنين الاقتصادي الصيني الهائل، أما الألمان فيدركون أنهم ليسوا صاحب قرار بالعودة للاتفاق أصلاً، وهم بذلك كالبقية يأملون بالعودة للاتفاق ورفع العقوبات طمعاً في صفقات تجارية في السوق الإيرانية الواسعة.

من جانبها، تثير إيران المخاوف وتبتز العالم، ارفعوا العقوبات وإلا سنزيد النشاطات، وتعلن أن وفدها لن يلتقي الوفد الأميركي في فيينا وجهاً لوجه، لكن وفدين آخرين للبلدين يلتقيان في مكان آخر.

القول شيء والفعل شيء آخر، وهنا مربط الفرس، فإيران تقول شيئاً للعامة وتفعل شيئاً آخر بعيداً من العيون، تقول شيئاً لجيرانها وتفعل العكس تماماً، تقول إنها مع حل سلمي سياسي للحرب في اليمن لكنها تمد الحوثيين بالمسيّرات والصواريخ الباليستية وتحثهم على استمرار وقودها، وتفاوض السعودية في بغداد لكنها تحاربها بالحوثي في صعدة.

مشكلة إيران ثابتة وهي أنها “إيرانان” لا إيران واحدة، فهناك إيران الدولة وهناك إيران الثورة، والدولة تقول شيئاً والثورة تفعل شيئاً آخر.

تقول إيران إنها غير مستعجلة على العودة للاتفاق، لكن أزمتها المالية الحادة نتيجة العقوبات المفروضة عليها تتفاقم وتبحث عن مخرج يوقف غليان البطالة والفقر وشح المياه والوقود والعملات الصعبة. طهران تريد رفع العقوبات بأسرع وقت ممكن وتعلن أنه شرط للتوصل إلى اتفاق، وهو شرط تعلنه لكنها تتراجع عنه مقابل عدم فتح ملف تدخلها في العراق مثلاً.

أما إسرائيل فهي تناور كي لا تحصل إيران أو أي من دول المنطقة على السلاح النووي، كي تكون هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك هذا السلاح المرعب، وتدرك أن إيران الحالية لا تشكل خطراً نووياً ولا غير نووي على أمنها الاستراتيجي، لكنها تعمل لمنع حصول أي دولة شرق أوسطية على السلاح النووي كجزء من استراتيجية أمنها القومي في حال تغير النظام في إيران يوماً ما.

الدول العربية وفي مقدمها دول الخليج لا يهمها حصول إيران على السلاح النووي قدر همها تحجيم طموحاتها التوسعية التي هيمنت على العراق وسوريا ولبنان ومناطق سيطرة الحوثي في اليمن، ولا تنوي إيران الحصول على السلاح النووي في القريب العاجل، ولو تمكنت من الحصول عليه غداً فلن تعلن عن ذلك، لأن حصولها على القنبلة النووية سيحرمها من ورقة الابتزاز التي تمارسها لرفع العقوبات عنها وقبولها بالمجتمع الدولي وفرض إرادتها عليه بالتوسع في محيطها العربي.

المعلن لدى السياسي الإيراني غير ما ينوي ويضمر ويفعل، فالقول في السياسة عموماً والإيرانية خصوصاً يختلف عما تخفيه النوايا، وهي نوايا إيرانية تنعكس في سياسة التدخل بشعارات “نبيلة” تنطوي على نوايا غير ذلك.

 

زر الذهاب إلى الأعلى