قروب للبيع
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
لم تغيّر وسيلة انتقال حياة الناس كالسيارة، ولم تغيّر وسيلة تواصل إلكترونية، منذ اختراع الهاتف، حياة الناس في العصر الحديث كما فعل الواتس أب.
فبالرغم من أن الهاتف النقال جعل البشر أكثر انطوائية وتباعداً، فإن الواتس أب سهّل من التواصل بينهم، بين القريب والصديق والحبيب، سواء عن طريق النص المكتوب أو الصوت أو الصوت والصورة. كما ساعدت مجانية الخدمة النسبية، التي لا تتطلب غير امتلاك هاتف ذكي وخط إنترنت، في جعل الاتصال بأي شخص، أياً كان موقعه في العالم والتحدث معه ومشاهدته وما حوله، في اللحظة ذاتها، أمراً ميسوراً ومتاحاً للجميع!
ولو كنت عالم اجتماع، ولديّ الوقت لقمت بدراسة معمقة لهذه الظاهرة الغريبة، التي قلبت أفكار ومشاعر الناس رأساً على عقب، وبيّنت «حقيقة» نفسيات الكثيرين منهم، ومعرفة طباعهم من طريقة تعاملهم مع الواتس أب، سواء من خلال ما يقومون بإرساله، أو ردود أفعالهم على ما يتلقونه من رسائل، خصوصاً في القروبات. كما تبيّن مدى انطوائية البعض أو انفتاح غيرهم، أو حذرهم مقارنة بتهور البعض الآخر، وعدم اكتراثهم بتبعات ما يرسلون.
كما أن عدم المشاركة في إرسال أية مادة أو التعليق على أي أمر مؤشر على طبيعة الشخص نفسه، ومدى حبه للاحتفاظ بآرائه، أو خوفه من إساءة تفسيرها، أو خوفه من اطلاع جهات ما عليها… إلخ.
***
يصر البعض، بالرغم من عدم معرفتك بهم، على إرسال الرسائل لك بالواتس، ربما لاعتقادهم أنهم يؤدون خدمة لمن يرسلونها لهم، والعكس صحيح، فتصرفهم نوع من فرض النفس على الآخر، من دون إذن منه.
ويعتقد بعض هؤلاء أن استمرار إرسال الأدعية والرسائل الدينية البحتة، حتى للذين يخالفونهم في المعتقد، يأتي لهم بالأجر، وقد هذه الرسائل تهدي البعض، حتى المختلفين معهم في الدين، غير مدركين أن من تغيّره رسالة واتس أب، ستعيده رسالة أخرى إلى ما كان عليه.
***
وردتني على الواتس الرسالة التالية، وهذا نصها بعد التصرف:
«قروب» للبيع، يتضمن مواضيع هزلية، وصوراً خلاعية وأدعية، وجاهز للبيع بكامل أعضائه ومحتوياته لعدم التفرغ!
يحتوي القروب على 400 صورة وأغنية «هلا بالخميس»، التي تم استبدالها مؤخراً، بسبب ظروف الكورونا، إلى «ميل يا غزيل.. يا غزيل ميل»!
كما يتضمن 860 صورة جمعة مباركة، و1230 رسالة صباح الخير مصحوبة بصورة وردة وطفل، أو فنجان قهوة، وأغنية لفيروز.
كما في القروب عدد مماثل من صور مساء الخير، وشمس الغروب وهي تختفي خلف الجبال أو وراء البحار.
عدد أعضاء القروب 50، ينقسمون للفئات التالية:
سبعة أعضاء متفاعلون بصورة يومية. ولهم في كل عرس قرص وكل خبر رأي وكل بئر دلو!
وهناك ثلاثة أعضاء من أصحاب النفسيات «الخايسة»، الذين لا يعجبهم أي شيء، ويبادرون دائماً بالنقد.
كما في القروب خمسة أعضاء يتسمون بكثرة الزعل «الحردنة». فكل خبر أو فيديو لا يتفق وقناعاتهم يدفعهم إلى الانسحاب، ليعيدهم مدير القروب ثانية، بعد مراضاتهم، ليعودوا ثانية إلى نفس طبعهم، وهكذا كل شهر، كما كان يفعل الأخ «سيزيف» مع صخرته.
وفي القروب 3 أعضاء شكاكين، فما أن ترسل صورة أو خبراً حتى يبادرونك بالسؤال: ما مصدرك؟
وهناك 28 عضواً وجودهم من عدمه واحد، صم بكم، ولكن ما أن تشطب أياً منهم حتى يرن هاتف المدير لينقل احتجاجه على شطبه.
أما السذج أو أصحاب الذاكرة الخرطي، من «بتاع المكرر» وآسفين، فعددهم ثلاثة، ويمكن علاجهم بتوزيع أقراص تنشيط الذاكرة عليهم.