البابا فرنسيس “يتجنّب” جهنم اللبنانية حتى لا تستقوي شياطينه
بقلم: فارس خشّان
النشرة الدولية –
وصل البابا فرنسيس إلى قبرص التي لا تبعد سوى “مرمى حجر” عن لبنان، من دون أن يزوره، على الرغم من أنّه كان قد وعد، في وقت سابق، بأنّه سوف يفعل، بعد تشكيل الحكومة.
لماذا أحجم البابا عن ضم بلاد الأرز إلى جولته التي تشمل كلّاً من قبرص واليونان، مع أنّ كلّ المعطيات الموضوعية يمكنها أن تشجّعه على ذلك، بدءاً بوضعية لبنان الكارثية، وصولاً إلى ملف المهاجرين الذي يتعاطى معه الفاتيكان، بطريقة تتناقض كلّياً مع نهج اليمين الأوروبي الذي يزعم بأنّه في ذلك يدافع عن القيم المسيحية؟
لا يعود السبب، بطبيعة الحال، إلى عدم اكتراث “عاصمة الكثلكة” بلبنان، فكل الأدلّة تُثبت أنّ هذا البلد يقع في أولوية اهتمامها، وقد سبق للبابا، قبل أسبوع، أن كرّس حيّزاً أساسياً من وقته للملف اللبناني الذي بحث في شجونه، تباعاً، مع كل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعدما كان قد أثاره، في وقت سابق، مع الرئيس الأميركي جو بايدن.
العارفون بخصوصيات “الكرسي الرسولي” يلفتون الانتباه إلى أنّ البابا، عندما يعد بزيارة، يحاول، بكل ما أوتي من قوة، أن يفي بوعده، ولكن، قبل أن يفعل، عليه أن يتأكّد من أنّ الأرضية مهيّأة للإنتاجية التي يتوخّاها.
وهذا يعني أنّ الوعد قائم، ولكن الظروف لم تكتمل بعد، على الرغم من أنّ الشرط الذي كان مطلوباً قد توافر، بتشكيل حكومة نجيب ميقاتي.
أين تكمن المشكلة، إذن؟
قد يكون البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي شارك في قبرص، على رأس وفد كبير، باستقبال البابا في ممثلية الكنيسة المارونية فيها، يعرف هذه الأسباب.
ويعرف البابا، من دون شك، طبيعة المشكلة اللبنانية الأم، وهي لا تتزحزح عن مواقف الراعي السياسية، إذ لا يمل من الدعوة إلى “تحييد لبنان” عن حروب المنطقة وصراعات المحاور فيها، ولكنّ ذلك يقابل بتهرّب رئيس الجمهورية ميشال عون وبهجوم يتولّاه المحسوبون على “حزب الله”.
إنّ زيارة لبنان، في هذا التوقيت وبعدما تبيّن أنّ تشكيل الحكومة جاء بمثابة “خطوة وهمية”، إذ جرى تعليق جلساتها، بعد ثلاثة أسابيع من نيلها الثقة النيابية، تعني منح منبر كبير ومشهود لعون الذي يتحالف مع “حزب الله” ويرضخ لشروطه الاستراتيجية التي ورّطت لبنان وتورّطه، وكانت من الأسباب الأساسية للكارثة التي ألمّت به.
صحيح أنّ بكركي تحاول أن تبقى على وئام مع بعبدا، ولكنّ الصحيح أكثر أنّ توجهات المرجعيتين الروحية والسياسية متناقضتان، كليّاً، ففي حين لا يتوقف “سيّد بكركي” عن تحميل “حزب الله” تبعة ما يصيب البلاد من ويلات، يقف رئيس الجمهورية لذلك بالمرصاد، من خلال دفاعه المستمر عن هذا الحزب.
ولا يغيب عن بال الفاتيكان إمكان أن يستغل عون وفريقه الزيارة البابوية، في حال لم تتم تهيئتها بدقة لا متناهية، إذ إنّ صهر رئيس الجمهورية و”ولي عهده” جبران باسيل، لم يجد الدعم سوى لدى أعتى حزب يميني متطرّف في المجر معاد لتوجّهات البابا، ليحميه من عقوبات كان يزمع الاتحاد الأوروبي إنزالها به، على خلفية تدخّلاته التي أخّرت لأشهر طويلة تشكيل حكومة لبنانية تتوافق وصفات المبادرة الفرنسية قبل إفشالها وإسقاطها.
إنّ معرفة الفاتيكان بتفاصيل الكارثة اللبنانية تمنعه، في الوقت الراهن، من الإقدام على أيّ خطوة من شأنها أن تمنح أوراق قوة لصانعي هذه المشكلة.
وعليه، ثمة من يعتقد بأنّ البابا فرنسيس أبعد زيارته للبنان عن جولته الحالية لأنّه لا يتجنّب جهنّم، بل شياطينها.