سوريا تجري قراءة نقدية لحلفائها في لبنان
بقلم: غادة حلاوي
النشرة الدولية –
نداء الوطن –
تدريجياً تعود سوريا الى الحياة السياسية الخارجية. علاقتها مع الدول العربية عادت بنسبة كبيرة، والخليج لم يعد بعيداً عنها، اما عودتها الى الجامعة العربية أو”عودة الجامعة العربية اليها”، وفق ما يحلو للسوريين القول، فليست بعيدة. سوريا تعود الى الحضن العربي، فيما لا يزال لبنان يخشى إعادة العلاقات معها او فتح حوار مباشر حول الاتفاقيات الموقعة ومصيرها والتي انبثقت من معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين البلدين.
خلال فترة الازمة باعدت المسافات السياسية بين سوريا وحلفائها حتى الأقربين منهم. بعضهم ظن ان النظام ساقط حتماً فابتعد، والبعض الآخر ابقى الباب موارباً. أما رسمياً فلم تشكل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي استثناءً عن الحكومة السابقة بحيث لم توضع العلاقة مع سوريا على سكة البحث بعد. ربما هو الوقت لم يسعفها، وقد باغتتها الازمات وعطلت جلساتها. لكنها كانت قد فوضت وزير الاشغال علي حمية البحث في مسائل النقل والترانزيت. وبين الحين والآخر يبدي وزراء استعدادهم لزيارة سوريا وبحث شؤون وزاراتهم والاتفاقات الثنائية الموقعة مع نظرائهم في سوريا. يسمع هؤلاء نصائح بأن الزيارة لن تغدو اكثر من زيارة عادية ولا يتم التعاطي معها بشكل رسمي. فكل ما له طابع رسمي يجب ان يسبقه تفويض رسمي وتكليف من مجلس الوزراء.
هذا على مستوى التعاون الوزاري اما على المستوى السياسي فزائر سوريا يلمس ان سوريا تستعد للعب دورها الاقليمي مجدداً، وهناك اهتمام مباشر لاعادة قراءة مختلفة للمرحلة الراهنة في لبنان وهو ما ستشهد الايام المقبلة على ترجمته العملية.
وينقل المتابعون أن سوريا شرعت في دراسة متأنية للوضع الانتخابي على الساحة اللبنانية وتقييم وضع الحلفاء، او بالحري من لم يزل ينطبق عليهم توصيف حلفاء حقيقيين او حلفاء تماهوا مع الازمة حتى خفت صوتهم، وما حجم الحلف على الارض وعلى الساحة المسيحية على وجه التحديد. أوكلت المراجعة النقدية تلك الى مجموعة من الشخصيات العليمة بالشأن اللبناني والعلاقات الثنائية. يعمل هؤلاء على مراجعة وضعية كل حليف على حدة، واقعه وحجمه على الارض وموقفه السياسي قبل الازمة وبعدها. واللافت في الامر وفق المتابعين ان دخول سوريا الى الملف اللبناني ليس بعيداً عن الرعاية العربية والخليجية على وجه العموم. وعلى الجانب اللبناني لم تعد تحصى زيارات المسؤولين الى سوريا، بالموازاة وبسبب الظروف الاقتصادية بدأت تشهد المناطق البقاعية اعادة وصل ما انقطع مع سوريا.
ويلاحظ تحوّل في المزاح السني خصوصاً في القرى العكارية للعودة الى سوريا والتي كانت امتدادهم الجغرافي الطبيعي قبل احد عشر عاماً، وينقل المتابعون ان وفداً من عكار كان يعتزم زيارة سوريا لم يبقَ رئيس بلدية والا وأبدى استعداده ليكون في عداده، لكن الزيارة لا تزال قيد التنظيم. تحوّلٌ أثار استياء بعض السياسيين وعبّر عنه سابقاً النائب السابق خالد الضاهر بحديثه عن عودة بقايا البعث الى الحضور السياسي، في وقت عملت جهات سياسية لبنانية على معالجة القطيعة وتأمين العودة التدريجية بين البقاعيين ومحيطهم السوري.
وتمثل الاهتمام السوري بلبنان بمحاولات سوريا الجدية التي تمثلت بإعادة تفعيل حزب البعث وتوحيد صفوفه، لكن مثل هذه الجهود اصطدمت بالفشل على مستوى توحيد الصفوف داخل الحزب “لقومي الاجتماعي”. فالانقسام الذي بات يهدد الحزب “القومي” ويصيبه في مقتل تسبب في انقسام الحزب الى اربعة اقسام متخاصمة. ومثل هذه الخلافات ستلقي بثقلها حكماً على التمثيل الحزبي في الانتخابات النيابية ومرشحيه، وهو الحزب الذي يحظى بحضور ملموس في الوسط المسيحي انتخابياً.
وتتهم قوى معنية بملف الحزب “القومي” أياديَ داخلية وأخرى خارجية تعمل على توسيع الشرخ داخل القومي وتحول دون بلورة لانتخابات جديدة ومؤتمر موحّد يعيد الامور الى نصابها. والغريب ان مساعي الرئيس السوري بشار الاسد فشلت في توحيد الحزب وجمع الفرقاء بعدما انسحب فريق منهم في اللحظات الاخيرة واعتذر عن الحضور بحجة الانشغال في بيروت. ويؤخذ على “حزب الله” فتحه خيوط تواصل مع الكل حتى المعارضين ما يعد اعترافاً بشرعيتهم ويشجعهم على الخروج عن التوافق. ولا تعفي الاتهامات رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي قد يصب الانقسام في مصلحته الانتخابية لا سيما في الجنوب والكورة وعكار ايضاً. كثر لهم مصلحة بالخلاف داخل الحزب “القومي” لأغراض انتخابية فيما الخاسر الوحيد هو الحزب “القومي” الذي بات يعاني غياب العقلاء وتغليب الانفعال على لغة العقل وطغيان الذهن الالغائي.
كيف ستكون عودة سوريا وكيف سيكون تعاطيها الجديد؟ يقول المعنيون انها عودة مختلفة تماماً عن الماضي، فالقراءة النقدية للحلفاء هدفها تحديد الهدف وآلية التعاطي ووضعية الحلفاء خصوصاً وان غالبيتهم قاطعت سوريا طوال فترة أزمتها، فهل لا يزال ينطبق عليهم توصيف حلفاء؟ يسأل المتابعون.