«التافهون».. «ونظام التفاهة»!!
بقلم: رجا طلب

النشرة الدولية –

هذا ليس عنوانا لفيلم كوميدي رغم انه يصلح لذلك، «نظام التفاهة» هو عنوان كتاب للفيلسوف الكندي الشاب «آلان دونو» الذي يشخص فيه واقع العالم الجديد بعد هزيمة المعسكر الشيوعي والانتصار الساحق للعالم الراسمالي «المتوحش» وكيف تحول الانسان الى اداة رخيصة في يد «السلطة» وهنا يتحدث عن اشكال السلطة كافة لكنه«يتوحش في شيطنة سلطة المال» التي يصفها بانها لا تستطيع التناغم او التفاهم او «هضم «من يملكون» الرؤية» او «الفكر»، في الوقت الذي تنتج فيه هذه السلطة نوعية معينة من البشر الا وهم » التافهون » وهم الشريحة الاوسع في العالم ممن يقبلون ان يكونوا ادوات، مجرد ادوات ولكن بشعور وهمي «بانهم سادة وقادة»، فيما الواقع ليس كذلك، ومن هنا تم تاسيس عالم للتفاهة على مستوى العالم وبات هذا العالم موجودا في كل دولة او في اي نظام سياسي او اقتصادي.

 

على الرغم من ان الكتاب قد انجز ونشر باللغة الفرنسية عام 2015 الا ان صيته ذاع وانتشر في عالمنا العربي بعد ان ترجمته الدكتورة مشاعل عبدالعزيز الهاجري أستاذة القانون الخاص في كلية الحقوق بجامعة الكويت الى اللغة العربية في 2020 و صدرت طبعته الأولى بالعربية عن دار «سؤال» في بيروت، وباعتقادي انه وبالاضافة لعامل اللغة فان هناك اسبابا موضوعية اخرى وراء انتشار صيته ومنها ما اسميه «بزمن التفاهة» الذي ساد في ذات الفترة والذي مثله الرئيس الاميركي دونالد ترامب، ويمثله الان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وغيرهم من نماذج اخرى في العالم وفي عالمنا العربي، حيث بدا المنحنى العام في عالمنا العربي يتجه بدرجة كبيرة للانحدار على المستويات كافة وتحديدا على مستوى النخب التى ساهمت جائحة كورونا في فضح «خوائها» وفقرها في الادارة والفكر والثقافة، وكشفت لنا الجائحة ان من يتصدرون المشهد من مشاهير او رسميين في اغلبهم اما صناعة الصدفة او الانتهازية و صناعة التملق او الفساد، والكارثة ان هؤلاء هم من يعتقدون انهم » المنقذون لنا » وانهم » رموز التقدم والازدهار » فيما واقعهم ونتاج اداراتهم اسست لما يلي:

 

اولا: الفساد المالي والاداري الذي تغطيه علاقات ريعية مع عدد من المؤسسات الدولية والتى لا تعير اي اهتمام لتلك البرامج التى تطرحها على دول العالم الثالث حيث ان الهدف الاستراتيجي لتلك المؤسسات اختراق تلك الدول وتنفيذ اجندتها وجعل هذه الدول رهينة لها ولبرامجها.

 

ثانيا: الفساد الفكري والقيمي حيث تحول عالميا حتى من يستطيعون التفكير والكتابة والابداع الاصيل الى ابواق للسلطة وفقدوا ليس مصداقيتهم فحسب بل حتى قيمة اعمالهم الابداعية التى باتت في نظر النخبة المثقفة المعزولة «اعمالا حظيت بالجوائز والاهتمام بدعم من السلطة وليس لاسباب ابداعية محضة ومن اجل تبيض وجه تلك السلطة».

 

ثالثا: الفساد الاخطر الا وهو فساد التعليم وبخاصة الجامعات التى تحولت حسب «آلان دونو» الى تجارة رابحة افقدت العلم مضمونه وحولت الجامعات لعلامة تجارية لا يملك شهادتها الا من يملك المال وليس من يملك العلم والقادر على توظيفه للخدمة العامة وليس لشركات بعينها.

 

«نظام التفاهة» فرصة ليتحول الى فيلم سينمائي واعتقد انه سيكون ناجحا بدرجة كبيرة، فلكل بلد » في هذا العالم «تفهاؤه «الذين» اغتصبوه» وزرعوا فيه الجهل والفساد والانحطاط.

زر الذهاب إلى الأعلى