هل تجسّر «نقابة المحررين» اللبنانية الهوة مع الصحافيين الشباب؟
النشرة الدولية –
الشرق الاوسط- فيفيان حداد
في خضم عملية الانتخابات التي شهدتها نقابة محرري الصحافة في لبنان يوم الأربعاء الفائت، وقف أحد الصحافيين الشباب متأملاً عدداً كبيراً من زملائه الذين لا يعرفهم، وسأل مستغرباً: «مَن هؤلاء؟».
برأيه أن هوة كبيرة تفصل بين الصحافيين من الجيل الجديد والمخضرمين. ويتابع الصحافي الشاب لـ«الشرق الأوسط» معلقاً: «شعرت وكثير من زملائي بالغربة في تلك اللحظة، لا سيما أن هناك فارقاً كبيراً في العمر بيننا. قد نكون نحن الجيل الشاب على معرفة بعضنا ببعض من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، لكننا لا نعرف الذين يكبروننا سناً، وهم يشكلون الأكثرية في نقابة المحررين، على عكس نقابات أخرى تعتز بالدم الشبابي».
وحقاً، يرى الجيل الشاب أن معايير الانتساب إلى النقابة تحد من دخولهم إليها، فثمة نحو ألف صحافي اليوم غير منضوين تحت لوائها، وهو ما يوجب إعادة النظر بجدول الانتساب الذي يعيق التوازن بين الجيلين. وهذه واحدة من الانتقادات التي وُجهت إلى لائحة «الوحدة النقابية» الفائزة في الانتخابات الأخيرة لنقابة المحررين.
المعركة الانتخابية
في أجواء لم تخلُ من سخونة، أجريت انتخابات مجلس نقابة محرري الصحافة في لبنان، وتنافست فيها 3 لوائح: «الوحدة النقابية»، و«صحافيون لنقابة حرة»، و«صحافيون طامحون للتغيير»، إضافة إلى منفردين، من بينهم أليسار قبيسي من «تجمع نقابة الصحافة البديلة»، وقاسم متيرك وريميال نعمة وحبيب الشلوق. ولكن في النهاية فازت اللائحة المكتملة «الوحدة النقابية» التي يرأسها النقيب الحالي جوزف القصيفي، ومعه 11 عضواً يؤلفون مجلس النقابة، بينهم: يمنى الشكر، وصلاح تقي الدين، ونافذ قواص، وجورج شاهين، ووليد عبود، وغسان ريفي.
وإثر إعلان النتيجة، حصلت مشادات كلامية بين النقيب القصيفي وآخرين من لوائح لم يحالفها الحظ، وعلت أصوات تندد بفوز لائحة السلطة في هذه الانتخابات، وكانت أليسار قبيسي (من تجمع نقابة الصحافة البديلة) في مقدم المحتجين.
أليسار أوضحت في حديث لـ«الشرق الأوسط» موقفها بالقول: «سميتها معركة الانتساب، لأنه من حق كل صحافي أن ينتسب إلى النقابة؛ لا يمكن للقيمين عليها اليوم أن يتخذوا قراراتهم في هذا الموضوع بشكل عشوائي، بل يجب أن تحصل إصلاحات. كما أن العملية الانتخابية هي مجرد تحرك بسيط شاركنا فيه ليس أكثر، أردناه ضد أزلام السلطة التي اجتمعت في اللائحة الفائزة. وعندما قلت (لتسقط لائحة السلطة)، كان ذلك من أجل الإشارة إلى التمادي الكبير الذي تمارسه السلطة على اللبنانيين عامة، وعلينا نحن الصحافيين. المطلوب إصلاحات سريعة، وتغيير قانون الإعلام ليصبح عادلاً».
هذا الرأس نقلناه إلى النقيب الفائز القصيفي الذي رد في حديث لـ«الشرق الأوسط»، فقال: «للمعارك الانتخابية عدتها وأدواتها، ولبنان بلد متنوع فيه تيارات سياسية مختلفة؛ لا أحد في لبنان من دون صبغة سياسية، أو لنقل مستقلاً مائة في المائة. نحن في لائحة (الوحدة النقابية) نمثل لبنان المتنوع، فقد اجتمع فيها نخبة من الزملاء المعروفين في مجال الصحافة، ولهم مكانتهم وحضورهم. وما يردده بعضهم غير منطقي. ونعرف تماماً أن بعض تلك الأصوات المنددة لديها هي نفسها ارتباطات عمل مع أجهزة السلطة».
وأردف القصيفي: «الانتخابات ديمقراطية، والإعلام كان منحازاً مع هؤلاء، وخصص لهم مساحات واسعة، وعلى الرغم من ذلك فشلوا. بينهم مَن ينتسب إلى النقابة، وغيرهم لا نعرفهم، ونجهل طبيعة أعمالهم. فالحري بالجميع أن ينضووا تحت سقف نقابة المحررين التي تفتح أبوابها أمام الجميع».
النقيب شكا من أن أحداً من المعترضين لا يلبي الدعوة، أو يشارك عندما تعقد جمعيات عمومية دورية، ليطالب بإصلاح من داخل النقابة. وأضاف: «يقولون إن هناك بعض الثغرات في النظام الداخلي لنقابة المحررين، ولقد تعهدنا بتصحيحها. ومشروع تعديل قانون الإعلام الذي يشمل الجميع سلك طريقه إلى مجلس النواب كذلك بالنسبة لمشروع الضمان الاجتماعي الذي نضع كل جهودنا لإقراره». وحول تهمة «التجاوزات»، تساءل النقيب: «عن أي تجاوزات يتحدثون، وقد وجد مراقبون للعملية بعد تعاوننا مع جمعية (لاد) إثر بروتوكول وقعناه معها. فإذا كان هناك من ثغرات في النظام الداخلي للنقابة، فهذا لا يعني أنه حصلت تجاوزات».
أيضاً دافع النقيب عن تلكؤ النقابة في لم شمل المحررين الصحافيين، قائلاً: «كل شخص يمارس مهنة حرة يجب أن ينتسب إلى نقابته. لم نقفل أبوابنا أمام أحد، بل جددنا في الجدول النقابي، وجمعنا تحت راية الانتساب إعلاميين يعملون في المرئي والمسموع والمكتوب والمواقع الإلكترونية؛ كل ذلك كان معلقاً في الماضي. مارسنا سياسة الانفتاح، وتحركنا في حالات كثيرة: أوقات الجائحة، وانفجار بيروت. ونعمل على قانون الضمان الاجتماعي للصحافي غير المضمون. إن نقابتنا هي الأكثر فقراً بين باقي النقابات، ومع ذلك نبذل الجهد دائماً لمساعدة أهل الإعلام من دون تفرقة». وأضاف: «هذا الأمر ترجمناه خلال أزمة الوقود، عندما سهلنا الحصول عليه. وفي فترة حظر التجول، استثنينا منه الإعلاميين. وبرأيي، ليس هناك من معارضة حقيقية؛ يوجد فقط نوع من المنافسة. ومَن يرغب في التغيير وإجراء الإصلاحات من المنتسبين إلى النقابة، باستطاعتهم أن يناضلوا من داخلها».
كثافة اقتراع
انتخابات الأربعاء الفائت سجلت كثافة ملحوظة بنسبة المقترعين تجاوزت 72 في المائة من مجمل الأعضاء المسددين لاشتراكاتهم (900 من أصل 1400 صحافي). أما الانقسام الذي شهدته اللوائح المنافسة لـ«الوحدة النقابية»، فجاء نتيجة تباين بين مرشحيها. ولكن ما الذي يدفع ببعض الصحافيين الشباب إلى الانتساب لنقابة المحررين، على الرغم من معارضتهم لنظامها وكيفية إدارتها؟ يرد الصحافي خضر حسان: «النقابات تلعب دوراً مهماً في الدفاع عن العاملين في نطاق مهنتها؛ ما دفعني للتفكير في الانتساب هو هذا الدم الجديد الذي دخل المهنة، فـ(تجمع الصحافة البديلة) زودني ببادرة أمل، ودفعني لممارسة حقي في الانتخاب. إن هدفنا نحن الصحافيين الشباب لا ينحصر فقط في الحصول على حقوقنا، بل أيضاً تطوير العمل النقابي. وإذا ما انتسبت إلى النقابة، سأسهم من دون شك، ومن داخلها، في إجراء التغيير».
بداية المسيرة
أسست نقابة محرري الصحافة عام 1944، وترأس أول مجلس لها المونسينيور لويس خليل. وبعده تسلمها روبير أبيلا، وتوالت مجالسها حتى عقد الستينات من القرن الماضي حين انتخب الصحافي الراحل ملحم كرم نقيباً لها. وتُعد حقبة كرم الأطول في المشوار النقابي لهذا المجلس، إذ استمر في مركزه نقيباً من الستينات حتى عام 2011، تاريخ رحيله. وعلى الأثر، عُين سعيد ناصر الدين نقيباً بالوكالة.
وفي عام 2012، أُجريت انتخابات جديدة، وفاز إلياس عون بمنصب النقيب. وجرى التجديد لعون بعد انتخابات حادة، واجه خلالها المرشح المنفرد أنطوان الشدياق. وعام 2018، ترشحت لائحتان لمجلس نقابة المحررين، كان على رأسها كل من جوزف القصيفي من ناحية، وأندريه قصاص وإلياس عون من ناحية ثانية، وفاز يومها القصيفي الذي أعيد انتخابه قبل أيام.
ممثل اتحاد الصحافيين العرب في الاتحاد الدولي للصحافيين، علي يوسف، الذي هو أحد الأعضاء الفائزين في الانتخابات الجديدة تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن مدى رضا الاتحاد عن أداء نقابة المحررين، وقال: «أخذت النقابة هذا الموقع نتيجة التقدير للطريقة التي تعمل بها في المرحلة الحالية. سابقاً، لم يكن هذا الزخم والاجتهاد حاضرين في النقابة، حتى أن الإعلام بشكل عام كان يسير بطريقة كلاسيكية عادية، ولكن مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية دخل في عالم مختلف. اليوم، توجد يقظة جديدة إزاء دور الإعلام في العالم أجمع، وهو ما نحاول مواكبته في مجلس نقابة المحررين».
ويشير يوسف إلى أن الإعلام الجديد الذي تصبو إليه النقابة «يرتكز على صيغ جديدة تعنى بالالتزام بالشأن العام بطريقة مستقلة حرفية مهنية معاً. وهذا الأمر يأتي رداً على الانحراف الذي أصاب الإعلام ومؤسساته في العالم أجمع».
ويضيف: «انتقل الإعلام اليوم من صانع للرأي إلى صانع للحدث. كل شيء أصبح مبرراً اليوم في العمل الإعلامي لتحقيق الهدف المنشود». ويتابع يوسف: «أضحك عندما أسمع أصواتاً تطالب بأمور غير أساسية في إعلام اليوم. نحن ندخل على الرؤية المستقبلية للإعلام الذي هو سلاح فتاك يمكن أن يعمر أو يهدم بلداً».
ويؤكد يوسف أنه يجب فصل المهنة عن وسائل التواصل الاجتماعي «فليس كل من دون عبارة أصبح صحافياً، أو صور بتلفونه المحمول حادثة صار مصوراً صحافياً. هناك نقاشات جدية نخوضها، وليت هؤلاء المعترضين على فوزنا يتشاركون معنا الآراء. عقدنا جمعيات عمومية، ودعونا إليها أكثر من مرة، ولم يلبِّ أحد منهم الدعوة. أما بالنسبة للانتساب إلى النقابة، فأنا أتحدى صحافياً واحداً رُفض طلبه، وكان مستوفياً للشروط».
ويختتم: «نحن في مرحلة إعادة بناء بعد انهيار مؤسسات إعلامية كثيرة. عندما تقدمنا بمشروع قانون للإعلام نُوقش مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وكذلك مع الأمم المتحدة، تلقينا الثناء على مشروعنا، وعُد أحد المشاريع الإعلامية المتطورة في العالم العربي. الإعلام صناعة، ونحن نرغب في تحويله إلى صناعة صعبة تدخل في الدورة الاقتصادية للبلاد».