الإنتفاضة هزمت الصهاينة وانهزمت أمام العملاء
بقلم: صالح الراشد
ستبقى خالدة في التاريخ وسيدرسها طلبة الجامعات والمدارس في شتى بقاع الأرض، وسيقف عندها الفلاسفة والمحللون السياسيون متسائلين متعجبين، فهل يُعقل أن ثورة الحجارة وانتفاضة الشعب الفلسطيني قادرة على تغيير وجه التاريخ؟، وهل هناك إنتفاضة سلمية تلغي قوة المدافع وتهزم أزيز الطائرات؟، وهل تستطيع السواعيد الابية والقلوب القوية أن تغير وجه الحاضر والمستقبل؟، وهل يمكن للصدور العارية أن تهزم البندقية وان يسقط الكف نظرية المخرز؟، هذه أمور كانت في النظرة السياسية مجرد أوهام وأحلام لا يمكن أن تتحقق بعد ثورة الملح التي قام بها غاندي وحرر الهند، فقبلها وبعدها جاءت شلالات الدماء التي لا تتوقف في البحث عن حرية الجزائر وعشرات الدول الأخرى، ومنها فلسطين التي دفعت عشرات الآلاف من الشهداء بحثاً عن الإستقلال.
وجاءت الإنتفاضة في مثل هذا اليوم قبل اربع وثلاثون عاماً لتحمل في ثناياها الأمل والحلم والتحدي، حين خرج أبناء فلسطين للدفاع عن أرواحهم ومواجهة آخر معاقل الإستعمار في العالم، خرجوا مجتمعين بلا عناوين فصائلية، خرجوا لأنهم أبناء فلسطين يحملون ذات الهوية والدم والهدف، خرجوا بلا قيادات وهمية على الأرض ولا ولاءات خارجية ولا وصاية قومية، خرجوا لأن الإحتلال أرهقهم والموت تزايد فيهم، فكان رد الفعل المناسب للبحث عن الحياة في أروقة الموت المنتشر في شتى المدن والشوارع، خرجوا ليتجاوز صوتهم الحدود ولتصبح صورتهم في جميع المدن والعواصم، فأصبحوا قبلة الأحرار والأخيار، فمن هنا خرجت شعلة النار وثورة الابطال والأطيار.
تطوروت الإنتفاضة ولم تبقى تحارب بالحجر وتتلقى الرصاص بالصدر، فأصبحت ترد الصاع صاعين بعمليات ممنهجة أرعبت الصهاينة وزادت من هيبة الفلسطيني وجعلت صورته لا تُقهر، فتحررت الحركات الفلسطينية في المهجر وولدت حماس من رحم الأمة وعاد عرب الداخل ليرتدوا الثوب والفعل الفلسطيني الأصيل، فأدرك الصهاينة أن الأمر جلل وخطير، ففلسطين عادت القضية الأولى في الوجود بفعل أطفال وشباب ونساء لا بقوة العرب والجيوش، وأدركوا ان الوقت قد حان للبحث عن السلام بعد أن تجاوزت الخسائر الصهيونية الحدود المسموح بها في دولة تعد رجالها عدا، لتكون مخرجات السلام وعودة الحركات الفلسطينية لتمارس عملها على أرض فلسطين دون سلاح وترتدي ثوب السياسيين.
لقد حاول الكثيرون القفز على الإنتفاضة وإلحاقها بنسبهم وشخصهم ، ففشلوا جميعا كونها إنتفاضة الأحرار تلتها إنتفاضة الأقصى، فهنا يعلوا الوطن على الفرد وتجعل الشعب الأنا المرضية عند البعض تتراجع، لتفتح الإنتفاضة الأبواب لبناء الدولة التي انشغل أبنائها ببناء الذات متناسين بناء ال”نحن” الفلسطينية الكبرى، فمات الشهيد وأهله وترافق السجين بعشيرته وكثر الجرحى حتى أصبح لون الأرض أحمر قاني، فالأموال ذهبت للمسؤولين وأهالي الشهداء صانعوا الدولة أصبحوا من ذكريات الزمان، والسجناء لهم وزارة بلا هدف والجرحى ألم دون توقف، هي إنتفاضة هزمت الصيهوني ومن وقف معهم لكنها فشلت في هزيمة ابناء الشعب الذين تسيدوا المشهد بعد الصهاينة وفتكوا بأهل الإنتفاضة صناع الحرية.