الدساتير العربية تتغير حسب الأهواء.. والمطلوب صيانتها
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
رفض رئيس جنوب افريقيا نلسون مانديلا ترشيح نفسه لولاية ثالثة رغم إصرار الشعب على تجديد الولاية، وقال “أريد من القادة الأفارقة ان يروا أنه من الجيد أن يحيل الرئيس نفسه للتقاعد”، وهذا أمر ليس بجديد في عالم السياسة فقد سبقه بهذا القرار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج واشنطن الذي رفض ان يكون ملكاً، ولحق به الرئيس السوداني المُشير سوار الذهب الذي تنازل عن الحكم بعد سنة كما وقعد بعد إنقلاب قام به مع الجيش وتسلم منصب رئيس المجلس الإنتقالي، وتنازل عن السلطة بعد انتخابات ديمقراطية لأحمد الميرغني .
هؤلاء مجموعة من القادة لا زالت شعوب بلادهم تخلد ذكراهم على أنهم ملتزمون بالدستور، نعم الدستور الذي قام العديد من القادة العرب بتعديله وإدخال بنود جديدة عليه لضمان بقائهم في السلطة، مستغلين ضعف المجالس النيابية والتشريعية ليعززوا من بقائهم في السلطة لسنوات طوال حتى تحولت الجمهوريات العربية إلى ممالك بصبغة دكتاتورية مطلقة، لذا لم نجد رئيس عربي يتنازل عن مقاليد الحكم إلا بإنقلاب شعبي أو عسكري كما حصل في ليبيا واليمن ومصر والعراق والجزائر وتونس.
الدستور هو العقد الإجتماعي الذي تقوم على أساسه الدول، لذا نجد الأوروبيين يحترمون هذه الدساتير ولا يقتربون منها، كون العلاقة بين الرئيس أو رئيس الوزراء مع الشعوب واضحة جلية لا يمكن المساس بها، كما ان الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والشعوب في تلك الدول قوية لتحمي نظامها من العبث والتغيير، وتمنع أي نظام مهما كانت قوته وهيبه يحاول سلب حريتها وقرارها، كون الهيبة للدولة قبل الشخص، بل إن دولة كنيجريا رفض مجلس الشيوخ فيها اقتراح الرئيس أوباسانجو بالترشح لفترة ثالثة، و طالبوه بالتنحي وهذا ما كان.
وقد يقول البعض بأن الدستور ليس كتاب مقدس وأنه من وضع البشر، ويحتاج للتغيير والتطوير كما تتطور أحوال المجتمع والعلاقات الدولية، لكن هذا الأمر لا يجب أن يحصل من خلال شخص أو مجموعة، بل يكون التغيير من خلال استفتاء شعبي يحدد صيغة العقد الإجتماعي الجديد، لا سيما أن الحكام يغلب عليهم شهوة السيطرة كما قال الفيلسوف العربي ابن خلدون، لذا يجب أن يتم تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم بعقد إجتماعي يقوم على المصالح المشتركة للجميع لحماية الفرد والدولة بالعدل والإنصاف.
ان احترام الدستور من قبل الحاكم والشعب يبين مدى الترابط بينهما ومعرفة كل منهم حقوقه وواجباته، ويساهم في تحسين علاقة المجتمع كما يوفر الفرصة للجميع ليكون لهم موقع في حال تطورهم وانصهارهم في المجتمع بصورة قانونية، كما يجعل الإنسان مطمئناً على مستقبله كونه يدرك أنه ليس تابع بل صاحب قرار وله حقوق تمكنه من الحياة بطريقة مناسبة، لذا على الجميع احترام الدستور والتعامل معه بحرص شديد حتى يبقى الأمن والأمان سيد الموقف في الدول.