المصارف وشركات التأمين اللبنانية معاً: الإطاحة بمدخرات أطفالنا وتقاعدنا

النشرة الدولية –

المدن –  عزة الحاج حسن –

عندما تفجرت الأزمة المالية والاقتصادية مع نهاية العام 2019، اهتز عرش المصارف اللبنانية ساحبة معها كافة القطاعات من إنتاجية وخدماتية. فلم تكتف المصارف بالحجر على أموال المودعين والمؤسسات بل تعدّتها إلى وضع يدها على برامج الإدخار عبر شركات التأمين، الخاصة بالطلاب والمتقاعدين وسواهم.

تتماهى شركات التأمين بممارساتها مع المصارف، فتفسخ عقوداً وتحول أخرى إلى الليرة اللبنانية، وتقتطع من مدخرات عملائها بذرائع كثيرة، أكثرها رواجاً عجز الشركات عن تحويل الأموال إلى معيدي التأمين في الخارج، واحتجاز أموالها لدى المصارف، وغير ذلك من الأسباب التي تطلقها لتغطية ممارساتها. متجاهلة أن غالبية شركات التأمين، لاسيما الكبيرة منها مملوكة من مصارف. ما يُسقط ذرائعها التي تتخذ منها غطاء لتبرير مصادرة مدخرات الموظفين في برامج أطفالهم وتقاعدهم.

فسخ عقود

تسدد غالبية شركات التأمين اليوم الأموال المستحقة للزبائن، والناتجة عن برامج التقاعد والإدخار بموجب الشيك المصرفي، أي بالدولار المصرفي المحدد سعره حالياً بـ8000 ليرة للدولار الواحد، برامج التقاعد والإدخار تلك، يتم إبرام عقودها مع شركة التأمين عبر المصرف وبالدولار الأميركي حصراً. بمعنى أن صاحب برنامج التقاعد أو أحد برامج التعليم تمتد مدة ادخاره على مدى يتراوح بين 7 سنوات بالحد الأدنى و15 عاماً أو حتى 20 عاماً أو أكثر، وتتم بالدولار فقط. ويستهدف الزبائن من هذه البرامج إدخار الأموال لمرحلة ما بعد التقاعد أو لتأمين الأقساط الجامعية للأولاد في مراحل دراستهم المتقدمة. أما اليوم فيتقاضى هؤلاء مدخراتهم على مدى سنوات وجنى أعمارهم بالليرة اللبنانية، وفق سعر الصرف المعتمد حديثاً عند 8000 ليرة للدولار، أي بخسارة بلغت أكثر من 70 في المئة  من قيمة الدولار الحقيقية.

 

ونتيجة الواقع التأميني المستجد، كشف مصدر لـ”المدن” أن موجة غير مسبوقة من فسخ عقود برامج الإدخار تشهدها المصارف، تعود لعدة أسباب، أولها فقدان الثقة بالمصارف وبشركات التأمين، لاسيما بعد حجرها على أموال مودعيها وإخضاعها لاقتطاعات مقنعة (haircut). والثاني مخاوف المدخرين من عدم تمكن شركات التأمين لاحقاً من سداد الأموال المدخرة على مدى سنوات، إضافة إلى سبب جوهري بدأ يأخذ حيزاً كبيراً من فسخ عقود برامج التأمين، هو عجز الزبائن عن الاستمرار بسداد الأقساط الشهرية إن بالدولار أو بالليرة.

أما فسخ العقود، فيرتب على الزبائن خسائر كبيرة تُضاف إلى تلك التي تفرضها المصارف جراء صرفها الشيكات الدولارية الصادرة عن شركات التأمين بالليرة اللبنانية. فالشركات نفسها تقتطع نسبة من الأموال المدخرة على مدار سنوات، في حال لجأ الزبون إلى فسخ العقد قبل انتهاء مدته، ناهيك عن تحرير الشيك باللولار. ما يعرض أصحاب البرامج إلى خسائر مزدوجة.

ويكشف مصدر مصرفي في حديث إلى “المدن”، أن بعض شركات التأمين تقوم بسداد قيمة الأموال المدخرة لمستحقيها بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي أي 1515 ليرة للدولار وليس بموجب شيك مصرفي بالدولار. ما يعني أن بعض الشركات تقوم باقتطاع أكثر من 90 في المئة من قيمة المدخرات عبر برامج التأمين.

مخالفة شركات التأمين

هذا النوع من الخدمات التي كانت تتم عادة إما عبر شركات تأمين مباشرة أو عبر برامج مصرفية متخصصة، تختلف بطبيعتها عن عقد التأمين الصحي أو التأمين على حوادث السير، حيث تلجأ الشركة عادة إلى تسديد نفقات الخدمة ليس إلى المؤمن ذاته ولكن إلى طرف ثالث مقابل الخدمة الصحية أو الميكانيكية المنفذة. توضح أستاذة القانون المتخصّصة بالشأن المصرفي سابين الكيك في حديث إلى “المدن”، أن برامج التأمين الاجتماعي أقرب إلى حسابات الادخار التي تحصل عن طريق دفعات شهرية من المؤمن، تترافق مع نسب عوائد محددة سلفاً، ولا فرق اذا ما خصصت للمؤمن نفسه أو لمستفيد كطرف ثالث. وغالباً ما يتضمن العقد إمكانية فسخه بعد فترة محددة وسحب المبلغ. وهذا ما لا نجده مثلا في عقد التأمين الصحي، وذلك وفقاً لجدول احتساب العوائد. من هنا، إن عملة حساب التأمين الاجتماعي تبقى ملزمة حسبما اتفق عليها في العقد، لأن الشركة المؤمن لديها استوفتها أصلا بهذه العملة، ولا يمكن أن تسددها بعملة أخرى بمحض ارادتها المنفردة، وهذا العقد بطبيعته يخضع لقانون حماية المستهلك، الذي يعتبر باطلاً كل تعديل على الخدمة من شأنه أن يقلص من حقوق الطرف الأضعف مالياً لمصلحة المحترف أو الممتهن.

ترتكب شركات التأمين جريمة بحق المدخرين لديها عبر المصارف، بتعريض أموالهم للاقتطاع عبر سدادها بالليرة، على الرغم من إبرام العقود بالدولار وتحديد عملة الاقساط بالدولار حصراً، ما يعزز فرضية تواطؤ المصارف مع شركات التأمين للإطاحة ببرامج الاطفال التعليمية والتقاعد الوظيفي.

عقود جديدة

ووفق معلومات “المدن” فإن أكثر من مصرف يلجأ اليوم إلى إبرام عقود جديدة مع المدخرين، يحيلهم بموجبها إلى شركات التأمين المتعاقد معها. ومصارف أخرى تبرم عقوداً مماثلة للعقود السابقة لكن بالليرة اللبنانية. أما غالبيتها فلا تزال برامج الإدخار لديها مستمرة وفق العقود نفسها مع اعتماد صرفها بالدولار وفق سعر الصرف المعتمد في المصارف (8000 ليرة حالياً).

باختصار، تقوم شركات التأمين بالحجر على أموال التأمينات الاجتماعية (“ولدي” و”تقاعد”) وتحويل شيك إلى الزبون، والأخير يلجأ إلى المصرف الذي بدوره يمنع السحوبات إلا بالليرة وفق 8000 ليرة. من هنا، يشرح المحامي المتخصص بالشأن المالي والضرائب كريم ضاهر في حديث إلى “المدن”، بأن شركات التأمين تعتبر أن الالتزام تجاهها بالدولار في السوق اللبنانية وليس بالدولار الخارجي. أما إذا حصلت حادثة معينة وقررت الشركة سداد تعويض للزبون بالليرة (8000 ليرة) أي باللولار، حينها يمكن تقديم شكوى بحقها. إذ أنها تقاضت من معيد التأمين بالدولار الفريش، ويمكن حينها اتهام الشركة بالإثراء غير المشروع، أي انها تقاضت بالدولار ودفعت للزبون بالليرة، شرط أن يتم التأكد من أن شركة التأمين تقاضت من معيد التأمين بالدولار الفريش.

زر الذهاب إلى الأعلى