ماذا يُخفي رياض سلامة في جعبته؟
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

الثائر نيوز –

عندما تستمع إلى حاكم المصرف المركزي رياض سلامة ، تشعر فوراً بأمرين؛ الأول: أن سلامة يُخفي شيئاً ما.

والثاني: أنه لا يُجيد الدفاع عن نفسه، فهو دائما يبدو شخصية غامضة، وباستثناء القضايا المالية التقنية فإن أجوبته ركيكة وغير مُقنعة، خاصة في السياسة، وكثيراً ما يُناقض نفسه والسبب طبعاً محاولته إخفاء الحقيقة.

يصل سلامة عادة إلى مركز عمله متأخراً، أي بين الساعة التاسعة والعاشرة صباحاً، يدخل إلى مكتبه، يرتشف قهوته، ثم تدخل سكرتيرته الجميلة لتخبره بجدول المواعيد. يُلقي نظرة سريعة، ولا ينسى الإطراء على أناقة رفيقته، وقد يمتدح عطرها الباريسي، يوقّع بعض أوراق البريدالعاجلة، يُشعل سيجاره الفاخر ، ثم يبدأ باستقبال زواره.

هل تعلمون من هم الزوار؟؟؟

الوزراء والنواب والمدراء العامون والمسؤولون في الدولة اللبنانية، وأصحاب المصارف وكبار التجار وأصحاب الشركات، جميع هؤلاء زاروا سلامة في مكتبه، ولقد قدّم الحاكم لهم جميعاً خدمات لا تُحصى، فهو وظّف في مصرفه قريباً لكل شخص من هؤلاء، هذا عدا عن الخدمات المصرفية الأُخرى، والاستشارات المالية، ونصائحه لهم قُبيل انفجار الأزمة عام ٢٠١٩ بضرورة سحب بعض الدولارات وتخزينها في البيوت، ونقل وتهريب قسم آخر إلى خارج لبنان، وتسهيله لتلك التحويلات بالاتفاق مع المصارف.

التوظيف في المصرف المركزي لا يحتاج إلى شهادات أو خبرة وكفاءة أو مباراة عبر مجلس الخدمة المدنية، يكفي أن تكون قريباً لأحد النافذين لتدخل جنة سلامة، فيُنعم عليك براتب ومخصصات مالية لم تكن لتحلم بمثلها لو جهدت طوال عمرك في أي شركة أو عمل حر، وستتحول إلى مالك لشقة في أرقى شوارع بيروت، أو فيّلا في الجبل، وربما إذا كنت من الحاشية القريبة للحاكم، فقد تحصل على شقة فارهة في الشانزليزة في باريس.

لا تنتهي لقاءات الحاكم بانتهاء الدوام الرسمي، فطالِبو المواعيد والخدمات التي لا تنتهي كُثر وكُثر جداً، وهُم يؤمّنون لسلامة غطاءً سياسياً وقضائياً وأمنياً وإعلامياً، يجعله يبتسم عندما يسأله أحد الصحافيين عن كلام جبران باسيل «أن حاكم مصرف لبنان لا يمكن أن يبقى» . فهو يعلم جيداً أن أحد أهم أسباب بقائه، هي رغبة غالبية السياسيين باحتفاظه بمنصبه، على الأقل حتى انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، بغية عدم كشفه لِألاعيبهم من جهة وعدم السماح لباسيل باختيار حاكم جديد لمصرف لبنان، من جهة ثانية. أمّا باسيل فيرغب بضرب عصفورين بحجر واحد، فهو أولاً يريد استبعاد سلامة نهائياً عن قائمة المرشحين لرئاسة الجمهورية، وثانياً ضمان تعيين حاكم للمركزي يكون من خاصة أوليائه المُطيعين، قبل مغادرة الرئيس عون لقصر بعبدا.

لا تستغربوا أن يقضي حاكم المصرف المركزي معظم يومه في استقبال وتوديع الزوار، فهذا هو حال معظم المسؤولين في لبنان، من وزراء ونواب وكبار الموظفين في الدولة. ويكفي أن تذهبوا يوماً إلى أي وزارة أو دائرة لتروا عن كثب، كيف يعمل هؤلاء، وأحاديثهم المطوّلة عن؛ الوضع في أمريكا، وأزمة الغاز في أوروبا، والملف النووي الإيراني، ومستقبل الصين، والاستراتيجيات الدولية، وتقنيات ال 5G، والأمن السيبراني، وربما عن مآسي أفريقيا والهند وأفغانستان، وكل شيء باستثناء أمر واحد “هموم ومعيشة المواطن اللبناني” فهذا لا يخطر ببال معظم هؤلاء العباقرة المفكّرين من أمثال رياض سلامة.

أما في موضوع من سيُعيد حقوق الناس، فيقول سلامة: أنه أصدر تعاميم مثل الرقم ١٥١ و ١٥٤ لتسهيل المهمة، وهو يعلم جيداً أنها تعاميم ظالمة، وتُخفي سرقة موصوفة لودائع الناس، وتصبُّ في مصلحة المصارف. ثم يُضيف «كل من يعتبر أن حقه مسلوب يمكن أن يلجأ إلى القضاء» وهو يعلم جيداً، أن مجلس شورى الدولة أبطل تعميمه الرقم ١٥١ لمخالفته الأنظمة والقوانين، لكن سلامة هدد بالاقتصاص من المودعين، ودفع ودائعهم الدولارية على سعر الصرف الرسمي ١٥٠٠ ليرة (بدل ٣٩٠٠)، الذي يتمسك به كفزاعة لاستمرار تطبيق تعاميمه الجائرة.

والأدهى من ذلك عندما يتحدث سلامة عن ضرورة إقرار الكابيتال كونترول، ألذي صاغه مع حزب المصارف ووزير ماليته، بشكل يمنع أي دعاوى قانونية ضد المصارف، ويجعل من سلامة حاكماً مُطلق الصلاحية في إصدار التعاميم، وتحديد من يستفيد منها وكيف، وسقوف السحوبات، كيفما يشاء.

أما ماذا يُخفي سلامة في جعبته، فهناك الكثير من الأسرار. فهو يُمسك سجلاً بكافة المساعدات والخدمات التي قدّمها لجميع الوزراء والنواب والمسؤولين، ويعلم أين وكيف فتحوا حساباتهم، ومتى وإلى أين نقلوا أموالهم، خاصة بعد ثورة ١٧ تشرين والتي بلغت بحسب ما أعلنته وكالة موديز ٩،٥ مليار دولار ، ومر الخبر مرور الكرام دون أن نسمع كلمة واحدة من مسؤول، ولهذا السبب لن يجرؤ أحد في الدولة اللبنانية على معاداة رياض سلامة، ولا على كشف ارتكاباته ومخالفاته للقانون، رغم كل دعاوى الفساد ومخالفة القوانين المقامة ضده في الداخل والخارج، لأن كل ذلك تم ويتم بعلم الجميع . أما اتهامات سلامة للإعلام الذي يكتب ضده ويكشف بعضاً من أعماله المشبوهة، بأنه إعلام مدفوع، فهي ليست سوى من قبيل ذَر الرماد في العيون، للتغطية على أكبر جريمة مالية ارتُكبت بحق لبنان واللبنانيين، بدءاً من قرار تثبيت سعر الصرف، إلى الهندسات المالية المشبوهة وإثراء المصارف على حساب الدولة، وصولاً إلى سياسات الدعم وهدر المليارات، وتوزيعه العطايا والهبات دون حسيب أو رقيب .

فهل يستطيع سلامة أن يكشف أوراقه للبنانيين؟؟ وهل يستطيع أن يخبرنا أين ذهبت الودائع العراقية المودعة قبل سقوط صدام حسين، والمقدّرة بأكثر من ٥٠ مليار دولار في البنوك اللبنانية؟؟ ومن استفاد من تلك الأموال؟؟؟ وإذا كانت الودائع في البنوك اللبنانية قد بلغت ١٧٤ مليار دولار عام ٢٠١٨، ودين البنوك لدى الدولة هو بحدود ٥٠ مليار دولار فقط، فأين هي باقي الودائع البالغة ١٢٤ مليار دولار؟؟ وماذا فعلت بها البنوك ؟؟ ومَن المسؤول عن إساءة إدارة هذه الأموال ؟؟؟ هل المودع هو المسؤول الذي يجب تحميله الخسائر؟؟ أم المصارف وأصحابها الذين اغتنوا وجمعوا المليارات، وهرّبوها إلى الخارج على حساب الشعب والمودعين؟؟؟

لا يخشى سلامة كشف حسابات موظفي المصرف، فهؤلاء بغالبيتهم لم ينالوا سوى بعض المساعدات ضمن حدود القانون، لكنه يخشى طبعاً كشف المصاريف الخاصة التي قدّمها هو، بقرارات منفردة منه، إلى أصدقائه من؛ نواب، ووزراء، وإعلاميين، وتجار، ومستشارين، وجمعيات صورية وهمية.

بعد انتخابات العام ١٩٦٤ اقترح أحد النواب اللبنانيين افتتاح جلسات البرلمان «باسم بنك انترا» بدلاً من «باسم الشعب اللبناني» للدلالة على حجم الأموال التي دفعها يومها البنك وصاحبه يوسف بيدس لدعم المرشحين والنواب الفائزين . ومما يحدث اليوم في المجلس النيابي من تفصيل صيغ قانون الكابيتال كونترول، المزركش ببريق خرز المصلحة العامة، والمُبطّن بانتهاك الحقوق والقوانين والدستور، عبر محاولات إعطاء حاكم المركزي صلاحيات لم تُجزها له الأنظمة والقوانين، إلى الالتفاف على القضاء ومحاولات كف يده في الدعاوى المالية، في موضوع الودائع والتحويلات المشبوهة، كل ذلك يُعيد مشهد اليوم إلى مرحلة الستينات واستبدال بيدس برياض سلامة، مع فارق جوهري، هو أن بيدس وزّع يومها من أموال المودعين فقط، وأفلس مصرفه وليس الدولة، أما سلامة فقد وزّع العطايا من أموال المودعين والمال العام، وسيتسبب بأفلاس المصرف المركزي والدولة معاً.

لن ينجوا الفاسدون بفعلتهم، فلا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر وستُجزى كُل نفس بما كسبت مهما طال الزمن، وعسى أن يتّعظ من بقي لديه ذرة من العقل والقليل من الضمير والوطنية.

 

** رئبس التحرير

زر الذهاب إلى الأعلى