هل بدأت خطة تقليص وتخفيض مخصّصات السفراء والديبلوماسيين؟
بقلم: غادة حلاوي

النشرة الدولية –

نداء الوطن –

خلال اجتماعه أمس الاول قرر المجلس المركزي لمصرف لبنان عدم تحويل أي مبلغ بالعملات الأجنبية الى الخارج، إلا على أساس سعر منصة صيرفة، لعدم قدرته على تحويل العملات الى الخارج بالسعر الرسمي للدولار وهو 1500 ليرة لبنانية.

ووفق معلومات “نداء الوطن” فإن هذا القرار يشمل البعثات الدبلوماسية بما فيها رواتب الدبلوماسيين والايجارات التشغيلية وغيرها، وكذلك التزامات الدولة للمنظمات والهيئات الدولية، والتي بات على الدولة اللبنانية أن تشتري الدولار بسعر منصة صيرفة الذي يتراوح هذه الأيام بين 18 و19 ألف ليرة، لتحويل الدولار الى الخارج، ما يعني عملياً خفض مخصصات البعثات الخارجية وتخفيض رواتب السفراء ما يحتم إصدار المزيد من العملة الوطنية لتسديد الاحتياجات الخارجية. فهل بدأت خطة تقليص عدد البعثات الديبلوماسية مع وجود عدد منها غير مجدٍ، وتخفيض مخصصات السفراء والديبلوماسيين في الخارج؟

قبل تشكيل الحكومة كانت وزيرة الخارجية بالوكالة زينة عكر ارسلت سلسلة كتب رسمية الى السفراء المعتمدين في الخارج تطالبهم بخفض نفقات بدل الايجارات واستبدال السفارات او المكاتب القنصلية التي تكلف الدولة مبالغ باهظة بأخرى اقل كلفة. وجاءت الخطوة بناء لطلب وزارة المالية وحاكم مصرف لبنان تقليص نفقات البعثات الديبلوماسية. لكن تشكيل حكومة جديدة حال دون استكمال الخطوات.

مصدر ديبلوماسي مقيم خارج لبنان اعتبر الخطوة محاولة لـ”محاصرة الديبلوماسية” قائلاً: “ان الاوضاع ما كان يجب ان تصل الى ما وصلت اليه، وكان يجب على الحكومة اتخاذ اجراءات مسبقاً لان الجميع يعلم ان الازمة المالية لم تعد تحتمل استمرار الوضع على ما هو عليه ولا بد من تخفيض عدد البعثات الديبلوماسية كي يتمكن المهم والاساسي من بينها من الاستمرار”.

وتابع: “القرار كان مفاجئاً ومن غير المعروف كيف ستكون آلية تنفيذه فكيف ستتم تغطية رواتب الديبلوماسيين من قبل وزارة المالية التي كانت تحول الاعتمادات بالليرة من وزارة المالية، فيحولها مصرف لبنان الى دولار على سعر 1500، لتتم تغطية رواتب الموظفين والايجارات، فكيف ستكون الحال في حال تمّ صرفه على سعر المنصة اي ما يزيد على 19 ألف ليرة، خصوصاً وان مثل هذا الاجراء سيخفض المبالغ المطلوب تأمينها. واذا كانت هناك بعثات لديها امكانية تغطية نفقاتها لفترة محدودة فان بعثات اخرى عاجزة عن تغطية نفقاتها”.

ويضاعف الازمة عجز وزارة المالية عن تسديد مستحقات البعثات الدولية عن شهر تشرين في موعده بعدما كان يصرف سلفاً، فيما رواتب كانون الاول لم يتم صرفها بعد. يضيف المصدر: “من غير الواضح بعد سبل المعالجة لا سيما وان هناك مستحقات للمنظمات الدولية في فيينا والامم المتحدة وجامعة الدول العربية وجنيف والاونيسكو، واشتراكات يفترض تسديدها بالدولار، فضلاً عن بدل ايجار السفارات ورواتب الموظفين”. لا يخفي الديبلوماسي الحاجة الى تنظيم عمل الديبلوماسيين في الخارج مع وجود بعض البعثات التي تزيد كلفة تشغيلها على فائدتها، وامكانية جمع عدد من البعثات ضمن بعثة واحدة.

وطبقاً لكل المرافق الحيوية والادارات فللبعثات الديبلوماسية خصوصيتها، ما يفرض توافر قرار سياسي يستبق اي امكانية لتقليص عدد البعثات والديبلوماسيين المعتمدين في السفارات والتي تُجمع الآراء على وجود فائض ينهك الدولة بينما غالبية التوظيفات سياسية. وقد سبق وأثير هذا الموضوع منذ العام 2019 لكن غياب التوافق السياسي بشأنه حال دون تطبيقه.

وتعد ميزانية البعثات الديبلوماسية بما فيها رواتب السفراء والقائمين بالاعمال مرتفعة جداً في بلد على وشك اعلان افلاسه كلبنان، وهل يجوز ان يبلغ راتب سفير بحدود 25 ألف دولار بينما هو يقيم في دولة تفصلها عن لبنان مسافة ساعتين لا اكثر، او ان يتنعم سفير بإقامة خمس نجوم في بلد لا يبلغ عدد الجالية اللبنانية فيه المئة لبناني؟

تبلغ موازنة السفراء الاجمالية ما يقارب 30 مليون دولار سنوياً، وتختلف رواتب السفراء بين دولة واخرى، فالادنى للديبلوماسيين المعتمدين في أفريقيا فيما الاعلى للمعتمدين في اوروبا والدول العربية، ويبلغ عدد البعثات الديبلوماسية 89 بعثة وما يقارب 15 قنصلية. فيما يقارب اجمالي بدل ايجار منازل الديبلوماسيين والسفارات 13 مليون دولار، بعض معدلات الايجار تصل الى ما يقارب 300 ألف دولار سنوياً حيث يشغل سفير وعائلته في احدى الدول شقة بمساحة 1500 متر، يضاف الى ذلك بدل ايجار مكاتب يتجاوز الحد المعقول خصوصاً في دول لا تحتل العلاقة معها اولوية، ففي احدى الدول يبلغ مجمل ما يتقاضاه 70 ألف دولار شهرياً. وتترواح رواتب السفراء ما بين 30 ألف دولار شهرياً كحد اقصى و12 ألف دولار كحد أدنى، فضلاً عن رواتب الموظفين في السفارات، وهناك اعداد كبيرة من الموظفين في السفارات ممن عينوا من قبل السياسيين على اختلافهم في لبنان، ويصعب على اي سفير او وزير استبعادهم لكونهم محميين سياسياً. ومن المصاريف ايضاً هناك بدل طهاة للسفراء وبدل حارس الحديقة احياناً.

في دول اخرى حيث لا سفير يتقاضى القائم بالاعمال مبلغاً يزيد على 15 الف دولار، وفي دول اخرى تم تعيين سفير لم يلتحق بمقر تعيينه لأسباب سياسية فبقي حيث هو، رغم وجود سفير ولم يستدعَ الى لبنان ويتقاضى المخصصات ذاتها والتي تقدر بنحو 24 ألف دولار شهرياً. على ان غالبية الاماكن المستأجرة للسكن عبارة عن منازل مستقلة.

ورغم الكلفة الباهظة للسفارات والبعثات الديبلوماسية لكن المسؤولين اللبنانين كانوا يصطحبون في سفراتهم وفوداً بالعشرات على نفقة خزينة الدولة من دون الاستعانة بفريق عمل السفارة.

أثار القرار بلبلة لدى البعثات الديبلوماسية وفي وزارة الخارجية التي دعا وزيرها عبدالله بو حبيب الى عقد خلية ازمة لمناقشة الموضوع مع مصرف لبنان ووزارة المالية، ووضع تصور وتقديمه قبل اتخاذ اي خطوات تلحق الضرر بالبعثات الدبلوماسية والموظفين في السفارات، خاصة وان عدداً من العقود يجب تجديدها على ابواب العام الجديد. كما وتوجد بعثات يمكن جمعها كتلك المعتمدة في شرق اوروبا واقفال بعض القنصليات.

تفتح الازمة على السؤال الاساسي المتعلق بالعاملين في الادارة العامة ومستقبلهم. فاذا كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وعد بصرف مبلغ مليون ونصف مليون ليرة على سبيل مساعدة للموظفين، وعجزت المالية عن صرفه الشهر الماضي لعدم توافر الاعتمادات اللازمة، فكيف ستكون الحال مع مخصصات ورواتب السفراء والبعثات الدبلوماسية، ومن يمكن ان يضع خطة تؤمن تمثيل لبنان وحضوره بين دول العالم وتؤمن احتياجات السفراء وتغطيها ولا ترهق الدولة؟

 

زر الذهاب إلى الأعلى