هل تستعد إيران لما هو أصعب؟
بقلم: حسن فحص
النشرة الدولية –
على فرض أن المفاوضات النووية تسير بالاتجاه المطلوب، وأنها ستنتهي إلى نتائج تُعيد إحياء اتفاق عام 2015، والتوصل إلى تفاهم بين الإدارة الأميركية والنظام الإيراني، يُنهي العقوبات الاقتصادية، إلا أن الأمور في إيران تتوزع بين اتجاهين قد يكونان متناقضين، أو يلغي أحدهما الآخر. الأول، الخروج من العقوبات، وعودة الأموال المجمدة في الخارج، والتي تقدرها بعض الدوائر الغربية بنحو 200 مليار دولار، والثاني عودة إيران إلى دورة الاقتصاد العالمي وأسواق النفط، ما يحمل معه وعوداً مرحلية بانتعاش اقتصادي ستكون الأسواق الداخلية قادرة على امتصاصه، نظراً إلى الحاجة المزمنة والمتراكمة، شعبياً ومؤسساتياً، بخاصة في المشاريع المتلكّئة والمتوقفة، التي كانت تفتقر إلى التمويل، ما قد يعيد تفجير الأزمة الاقتصادية بشكل أكثر حدّة، وقد تضع إيران والنظام أمام تهديد انهيار اقتصادي واسع، وأكثر جدية، وقد ينتهي إلى الانفجاز.
وقد لا يكون مستغرباً ما جاء على لسان رئيس مجمع تحديد (تشخيص) مصلحة النظام صادق آملي لاريجاني في جلسة المجمع، حين تحدث عن أن “التضخم في البلاد والضغط الذي تتعرض له الطبقات الاجتماعية الفقيرة، حقيقة تثير القلق، بسبب الغلاء الفاحش. فكثير من المواد الغذائية لعامة الناس غابت عن مائدة طعامهم، وهناك بعض الذين لا يستطيعون شراء اللحم، وحتى الفاكهة، وغيرها من المواد، وهذا مؤلم كثيراً، ويجب أن نقوم بعمل سريع”.
هذه المخاوف، والحديث عن تفاقم الأزمة الاقتصادية، وازدياد تعقيداتها، وعجز مؤسسات النظام والدولة المتضامنة والمتكافلة عن إيجاد الحلول الناجعة، وبخاصة أن المنحنى التصاعدي للأزمة استنفد، واستغرق كل الأموال التي دخلت إلى إيران في الأسابيع الأخيرة في إطار تخفيف القبضة الأميركية في العقوبات المالية، وقد أضيفت عليها صعوبات حقيقية في تأمين رواتب موظفي القطاع العام، وتضخم الكتلة النقدية بالعملة المحلية من دون غطاء بالعملة الصعبة أو المعادن، لن يكون من السهل تجاوزها حتى في حال استعادة جميع الأموال المجمدة، وتدفق الاستثمارات الخارجية، ما لم يوجد فريق عمل قادر على إدارة هذه المرحلة بالكثير من الدقة والاحترافية، للحد من الخسائر والآثار السلبية، وليس من أجل الحيلولة دون وقوعها.
ما يمكن أن تحمله مرحلة ما بعد الاتفاق، وما بعد العقوبات، وإمكانية حدوث انفجار شعبي وحالات شغب على كل الأراضي الإيرانية، وأن تخرج الأمور عن السيطرة، لم تكن غائبة عن اهتمامات قيادة النظام العليا، وفي المؤسسة العسكرية، وتحديداً دوائر الحرس الثوري، الذراع العسكرية للنظام والمرشد، وبخاصة أن تشكيل الحكومة سبقه بأيام انفجار أزمة المياه في محافظة الأهواز، والتي تعامل معها الحرس الثوري تعاملاً أمنياً بالدرجة الأولى، ومن ثم السعي لتفكيك حركة الاعتراضات التي تجاوزت مسألة المياه لتشمل المطالب المزمنة لعود من الحرمان والإقصاء والتهميش.
لذلك، جاء تعيين مستشار المرشد الأعلى، جنرال الحرس الثوري أحمد وحيدي في منصب وزير الداخلية، ليكشف عن توجه النظام وحكومة إبراهيم رئيسي للتعامل مع أي حراك شعبي محتمل أو متوقع كتهديد للأمن القومي واستقرار النظام، وهو ما حدث لاحقاً، قبل أسابيع في التعامل مع أزمة المياة وحراك الفلاحين والمزارعين في محافظة أصفهان والتعامل الأمني والاعتقالات الواسعة التي جرت، قبل البحث في سبل المعالجة.
ولم يكن اختيار الجنرال وحيدي لوزارة الداخلية هو المحطة الأهم، بل في الخطوة التي تلت نيل الحكومة الثقة، عندما أعلن المرشد الأعلى تفويض صلاحياته في قيادة الشرطة والأمن الداخلي والأمن العام وشرطة المحافظات والبلديات لوزير الداخلية، وهي خطوة لم تحدث في أي من الحكومات السابقة، وبخاصة بعد تجربة الرئيس الأول للجمهورية، أبو الحسن بني صدر، الذي حصل على تفويض المؤسس السيد الخميني في قيادة القوات المسلحة خلال الحرب مع العراق، وهو تفويض كان يفترض أن يمر عبر رئيس الجمهورية الذي يقوم بدوره في تفويض هذه الصلاحية إلى الوزير المختص، إلا أن المرشد اختار نقل صلاحياته وتفويضها مباشرة للوزير، ما يعني أن الوزير بات على علاقة مباشرة في المسائل الأمنية والأمن القومي مع المرشد الأعلى، أو دائرة الأمن القومي في مكتبه من دون المرور برئاسة الجمهورية والحكومة.
وما بين حراك الأهواز وحراك أصفهان على خلفية أزمة المياه والجفاف وسوء إدارة الموارد المائية واتهام الحكومة المركزية باتباع سياسة المحاباة لمناطق على حساب مناطق في إدارة مصادر المياه، ظهرت مخاطر من نوع آخر، ذات بعد قومي أكثر وضوحاً، مما كانت عليه في الأهواز، أبناء القومية العربية، وهذه المرة في المحافظات التي تضم أبناء القومية الأذرية، على خلفية التوتر الأمني الذي حدث مع دولة أذربيجان نتيجة حربها مع أرمينيا في إقليم ناغورنو قره باغ، والتي فرضت على المرشد التدخل مباشرةً لتهدئتها، وخصوصاً أنها كانت تهديداً بإشعال الجبهة الداخلية في الوقت الذي كان النظام فيه منشغلاً في تطويق تداعيات حرب القوقز الجيوسياسية والجيواقتصادية وتأثيراتها على مصالحه الاستراتيجية والقومية والاقتصادية.
هذه التطورات، فضلاً عن الأجواء غير المستقرة والقابلة للاشتعال في محافظة سيستان بلوشستان الحدودية مع باكستان وأفغانستان، إضافة إلى التغيير الحاصل في أفغانستان وسيطرة حركة “طالبان” على السلطة في هذا البلد، رفعت من جحم التحديات وإمكانية مواجهة تحركات داخلية، من منطلقات اقتصادية ومعيشية وعرقية وقومية وسياسية واجتماعية، ما يجعل من مهمة وزير الداخلية والأجهزة التابعة له، والخاضغة لإمرته في حالة استنفار والتخطيط لمواجهة أي تطور مفاجئ، وقد تبلورت في الإجراء الذي لجأ إليه الوزير الجنرال في التخلي عن الطابع المدني في مواقع المحافظات وتعيين جنرالات متقاعدين وحاليين كمحافظين في غالبية محافظات إيران الحادية والثلاثين، وإعطائهم صلاحية اتخاذ القرارات المناسبة والتعامل مع المستجدات من دون الرجوع إلى المركز، ما يعني ويؤكد التوجه لدى النظام في التعامل مع أي تحرك شعبي من زاوية أمنية، وكتهديد للأمن القومي ومؤامرة تعمل لإطاحة النظام على حساب المطالب المعيشية نتيجة تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها سياسات الإدارة الخاطئة للحكومات المتعاقبة.
هذه الإجراءات من زاوية وزارة الداخلية والسباقة في تفويض صلاحيات المرشد للوزير، تحمل على الاعتقاد أن النظام يتخوف من تطورات داخلية صعية ومعقدة، قد يواجهها في حال فشلت المفاوضات النووية، أو في حال نجاحها، فهل بدأ في تطبيق خطة متدرجة للمواجهة بانتظار يوم الانفجار، بدلاً من أن يلجأ إلى وضع الخطط والتصورات المطلوبة لإدارة المرحلة المقبلة؟