أردوغان يتدارك رافعته الاقتصادية
بقلم: حافظ البرغوثي

النشرة الدولية –

تحركت دولة الإمارات إقليميًا، لحلحلة العلاقات الباردة وتصفير الخلافات التي أوجعت العلاقات البينية لسنوات، فبادرت في خطوة مهمة نحو تركيا، وأعقبتها تلبية دعوة لزيارة إيران من قبل الشيخ، طحنون بن زايد.

تصفير الخلافات هو -أيضًا- كما يبدو، سعت إليه المملكة العربية السعودية، في حوارها مع إيران في بغداد.

وبالنسبة لتركيا، لم تتخذ أي دولة خليجية أي إجراءات عدائية منذ البدء، ولعل المبادرة الإماراتية تجاه تركيا، ومن ثم إيران، تأتي في نطاق تذويب الخلافات السياسية بماء التعاون الاقتصادي.

لقد أعجب الكثيرون بالسيد رجب طيب أردوغان، عندما كان يزحف صاعدًا لإزاحة العسكر عن سدة الحكم وتطبيع العلاقة بين الشعب التركي ودينه الحنيف، وتمتينها مع العالم العربي، وصعَد معه الاقتصاد التركي. وخلال سنوات منذ 2002، حتى 2012، تبوأت تركيا مرتبة اقتصادية متقدمة بين الدول الكبرى، ما زاد الإعجاب بالتجربة الاقتصادية التركية.

وقبل عقد من الزمن، حضرت ندوة للسيد أحمد داود أوغلو، الرجل الثاني بعد أردوغان، أثناء زيارة لتركيا، وكان يتحدث العربية بسبب دراسته الجامعية في الأردن، وفي مداخلته قال، إن بلاده تسير نحو سياسة “ تصفير الخلافات“، وهو مبدأ سياسي يرمي إلى تحسين العلاقات مع كل الدول، وإنهاء أي خلافات، لكن بعد اندلاع ”التخريف العربي القاحل“ دفعت تركيا، أو اندفعت لالتقاط حصة من فتات الكعكة العربية، بخلق مناطق نفوذ خارج أراضيها، معتمدة على طابورها الخامس من العرب، أي جماعة الإخوان المسلمين، ولعبت دورًا كجسر عبور نحو سوريا والعراق، لمن تجندهم المخابرات الغربية، لإسقاط أنظمة عربية ضمن مؤامرة كبرى، كانت ترمي إلى تدمير الدول العربية وتفتيتها، وليس إسقاط أنظمة فقط.

لهذا بدأنا ننتقد السياسة التركية؛ ليس دفاعًا عن الأنظمة العربية، بل عن الشعوب والأرض العربية أيضًا، فالتحالف التركي مع تيارات الإخوان المسلمين، يبقى نقطة ضعف، وليس نقطة قوة لتركيا؛ لأن تاريخ حركة الإخوان، هو تاريخ هدم وليس بناء، ولم يقدموا أي إنجاز للشعوب العربية، سواء كانوا في الحكم أو المعارضة، بينما انتعش الترك بإنجازات حزبهم اقتصاديًا، فقدرة أردوغان على اللعب الدبلوماسي بين القوى العظمى تستحق الإشادة، فهو متحالف مع روسيا، ولا يتورّع عن معارضتها، ويتسلح بأحدث صواريخها ويصطدم بقواتها في سوريا، ويغضب واشنطن، لكنه ما زال يعتبر حليفًا في حلف الناتو ولواشنطن، ويعتزم بيع طائرات مسيرة لأوكرانيا خصم روسيا، ويحاول التوسط في التوتر الحالي بين الطرفين، ويرسل أسلحة ومستشارين عسكريين إلى أذربيجان في حربها مع أرمينيا التي يساندها الغرب وإيران، لكنه متحالف مع إيران في سوريا، ويستورد منها النفط، رغم الحظر الأمريكي.

كيف يلعب وسط هذه الأزمات، ويحافظ على توازن معقد بين هذه الدول؟! الجواب لدى أردوغان.. فهو ما زال قادرًا على المناورة، ولكن المناورة لها حدود بعد انهيار الليرة التركية، وتدهور الاقتصاد، وارتفاع نسبة التضخم، وتراجع شعبية حزبه.

وهنا يبدو أن أردوغان عاد لتجربة تصفير الخلافات التي تجاهلها من رفيقه السابق، أحمد أوغلو، فبدأ يعتدل ويريد صفحة جديدة مع الدول العربية، بحثًا عن تعاون اقتصادي ينعش بلاده، بعد أن ضاق الفضاء الأوروبي أمامه، فهو صعَد إلى الحكم برافعة اقتصادية، وحاليًا تنخفض شعبيته للسبب ذاته، مع تراجع اقتصادي سريع، وبدأ يحسن علاقاته مع مصر، ثم دولة الإمارات ودول الخليج، ونأمل أن يتخذ موقفًا معتدلًا في الأزمة الليبية، لإخراج ذلك البلد من أزماته.

تصفير الخلافات؛ يعني احترام سيادة الدول الأخرى، والتعامل معها من موقع الصديق والتبادل المنفعي لصالح الجميع، وهذا من شأنه أن يعيد تركيا واقتصادها إلى الاستقرار، ويساهم في تبريد الصراعات في المنطقة، فالعلاقات الوثيقة بين تركيا والبلاد العربية، مكسب للجميع، وكانت الإمارات أول من بادر بالمصالحة لمصلحة المنطقة ككل.

زر الذهاب إلى الأعلى