الدولار يهدد اللبنانيين بمزيد من الغلاء
النشرة الدولية –
المدن – عزة الحاج حسن –
في آخر تحديث للمؤشرات الاقتصادية اللبنانية وفق معهد Trading Economics الدولي، احتل لبنان مركزاً متقدماً في سلّم الدول الأكثر تضخماً وغلاء بالاسعار في العالم. وقد ترافقت سوريا مع لبنان في تفاقم التضخم بعد فنزويلا والسودان. وكلها دول تعاني من ارتفاع التضخم وتزايد نسب الفقر والعجز… والفوضى.
وليس معهد Trading Economics وحده من أورد هذه المعطيات، فقد سبقته وكالة بلومبيرغ إلى النتيجة عينها في دراسة أجرتها في وقت سابق، وخلصت إلى تسجيل لبنان معدلات عالية جداً من التضخم بين دول العالم، متجاوزاً زيمبابوي.
هذه النتائج وإن لم تلمسها الدولة اللبنانية ولم تعترف بها، يجزم بصدقيتها خبراء الاقتصاد في لبنان ويعيشها المواطن اللبناني الذي لم يتمكن بعد من استيعاب نسب غلاء المواد الاستهلاكية كلها، والتي تجاوز عدد كبير منها نسبة غلائها 1000 في المئة.
بين الأرقام والواقع
وإذا كانت نسب تضخم الأسعار الإجمالية حسب مديرية الإحصاء المركزي، تعكس واقع الأسواق من وجهة نظر علمية، فإن واقع حال المواطن يعكس عجزاً وتراجعاً بقدرته الشرائية تفوق أضعاف الأرقام الرسمية. ويعود السبب إلى أن أرقام التضخم الرسمية تحتسب السلع والخدمات المتنوعة كافة ونسب ارتفاع أسعارها في غضون مدة زمنية محددة. أما الشريحة الأكبر من المواطنين فلا تعنيهم سلة السلع الاستهلاكية بغالبية أصنافها، إذ ينفقون مداخيلهم على عدد محدود من السلع الأساسية التي ارتفعت أسعارها أكثر من 10 أضعاف. وهذا يفوق قدرتهم الشرائية في ظل استقرار الرواتب منذ بداية الازمة المالية نهاية العام 2019 وحتى اللحظة، فلم تعدل الرواتب بما يتناسب وحجم التضخم.
وإذا أخذنا عيّنة من أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية التي لا يمكن للعائلات الاستغناء عنها، نلحظ ارتفاعاً هائلاً في أسعارها. فالخبز على سبيل المثال ارتفعت ربطته من 1000 ليرة عام 2019 إلى 9500 ليرة حالياً (مع انخفاض وزنها)، وقاربت نسبة ارتفاع سعرها نحو 950 في المئة. أما كيلو الأرز فقد ارتفع من 2000 ليرة عام 2019 إلى 40 ألف ليرة حالياً كمعدل وسطي، أي بنسبة 2000 في المئة. وارتفع سعر ليتر الزيت من نحو 1500 ليرة في عام 2019 إلى 45000 ليرة حالياً، بزيادة بلغت 3000 في المئة. كذلك كيلو السكر ارتفع سعره من 1000 ليرة إلى نحو 45 ألف ليرة خلال عامين، أي بنسبة بلغت 4500 في المئة. وهذه نسب هائلة لا يمكن لمحدودي المدخول بالعملة المحلية أن يتعايشوا معها من دون أن انزلاقهم إلى مستوى الفقر.
ويُضاف إلى كل هذا ارتفاع كلفة السكن والنقل والطبابة والتعليم وكافة الخدمات الاساسية، بنسب عالية جداً خلال مدة زمنية قصيرة نسبياً، جعلت اللبناني عاجزاً عن استيعابها نفسياً ومادياً، وهذا يهدد الاستقرار الاجتماعي.
هاجس الدولار
لم يترك الدولار سلعة إلا وحكم عليها بالغلاء. فالبلد الذي يستورد أكثر من 80 في المئة من حاجاته الاستهلاكية وتدخل المواد الأولية المستوردة في كافة صناعاته المحلية، لا يمكنه إلا أن يرضخ لحكم الدولار. ولعامل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة جانب أساسي من الجوانب المؤثرة مباشرة أو على نحو غير مباشر في هذا الوضع. فالمواد الاستهلاكية الجاهزة المستوردة تسعر بالدولار، كالأرز وبعض أنواع المعلبات والأدوات الكهربائية وغيرها، ما ضاعف أسعارها بشكل مواز لارتفاع سعر الصرف، الذي تجاوز 27000 ليرة للدولار. في المقابل ترتبط عملية التسعير بأسعار المحروقات، لاسيما البنزين والمازوت، وهي مشتقات تضاعفت أسعارها كثيراً منذ عامين، فارتفع سعر صفيحة البنزين من نحو 17000 ليرة إلى أكثر من 323 ألف ليرة، أي بنسبة فاقت 1900 في المئة، ومثله المازوت ارتفع سعر الصفيحة منه من نحو 10 آلاف ليرة قبل عامين إلى أكثر من 357000 ليرة أي بأكثر من 3500 في المئة.
ولا تكمن خطورة ارتفاع أسعار المحروقات في عجز المواطن عن تلبية احتياجاته من البنزين للنقل والمازوت للتدفئة فحسب، بل تكمن في ارتباط أسعار المحروقات بتصنيع السلع اللبنانية وبتكلفة المواصلات ونقل البضائع وغيرها من العوامل الداخلة في عملية تسعير السلع الاستهلاكية. من هنا تتعرض كافة المنتجات إلى عدة عوامل تدفعها لارتفاع الأسعار.
ولا تقتصر مسألة ارتفاع الأسعار على ارتفاع سعر صرف الدولار وأسعار المحروقات وغيرها، فهناك فوضى الأسواق وعشوائية التسعير. والتجار باشروا رفع أسعار المستوردات بما لا يقل عن 10 في المئة، حسبما يؤكد أكثر من تاجر، وذلك بعد جدية الحديث عن توجه الحكومة إلى اتخاذ قرار رفع سعر الدولار الجمركي بنسبة تحاكي أسعار صرف الدولار بين منصة صيرفة وسعر السوق السوداء.