المال سيّد الموقف في «مطلوب مهرّجين»
النشرة الدولية –
“سندس حاتم ” طالبة في الفرقة الرابعة قسم النقد والأدب المسرحي
بين الجشع والاستغلال، وسيطرة المال على البشر، تدور أحداث مسرحية «مطلوب مهرجين» للكاتبة تغريد الداود والمخرج عيسى الحمر، وذلك من خلال فرقة مسرحية تطرد من عملها من قبل مالك المسرح لأنهم غير قادرين على دفع الإيجار، ويصبح الشارع هو مصيرهم.
في هذه الأثناء يظهر لهم مدير سيرك يعرض عليهم خدماته وأنه مستعد لانتشالهم من الحضيض ويعينهم معه في السيرك براتب مجزٍ، فيسعد أعضاء الفرقة لذلك ويقبلون عرضه ما عدا واحدا هو مؤلف الفرقة الذي يرفض عرضه، لأنه يرى أن الفن الذي يقدمونه لا يقدر بثمن، وهذا الفن لا يليق بأن يقدم في سيرك للمهرجين، وبعد ضغط من الفرقة يوافق المؤلف بصعوبة ويوقعون جميعا العقد، ولايزال مؤلف الفرقة يشعر بأن مدير السيرك ليس رجلا خيرا يريد المساعدة مثلما يظنون، وبالفعل تصدق شكوك المؤلف نحوه اذ إن هذا المدير أهان كرامتهم في السيرك وألغى قيمتهم الإنسانية كبشر ووظفهم في دور الدمى والحمير والقرود، وعندما شعروا بأن المؤلف كان على حق ثاروا جميعا على هذا المدير، ولكنهم لم يضعوا في الحسبان ان العقد يتضمن شرطا جزائيا فإن لم يدفعوه فسوف يسجنون، أو انهم يبقوا جميعا خاضعين لذله وإهانته. وعندما اتحدوا جميعا وأصبحوا يدا واحدة ضد الشر تمكنوا من النجاة منه وإخضاعه لمطالبهم.
مستويات الحياة على الخشبة
لا شك أن ديكور هذه المسرحية كان مختلفا ومبتكرا، فاستخدم المخرج مستويين للخشبة، المستوى الاول هو خشبة المسرح التي يقف عليها الممثلون، والمستوى الثاني هو مستوى مرتفع عبارة عن حلقة دائرية يستطيع الممثل الوقوف عليها وهي بمنزلة منصة ذات اضواء دائرية ليقف مقدم عروض السيرك عليها ويقوم بتقديم الشخصيات، والمخرج بذلك قدم محاكاة كاملة لشكل السيرك الحقيقي على خشبة المسرح.
جماليات الأزياء
في البداية، كانت الأزياء واقعية عبارة عن بنطال وقميص بسيط لا يحتوي على بهرجة أو زخارف ولكنه متواضع للدلالة على حالتهم المادية البسيطة، أما أزياء الممثلين في المشاهد الاخرى فكانت تشبه الى حد كبير أزياء الممثلين في السيرك مثل المهرج ذي الانف الحمراء والشعر الملون، الدمية التي ترتدي حذاء ذا كعب عال جدا، والرجل الذي يتقمص دور الغوريلا او القرد ويقوم بحركاتها مصاحبا لصوت الطبل، ومدير السيرك الذي ارتدى زي الساحر ذي القبعة الطويلة والمعطف الطويل، والمسطرة اللونية الغالبة على مشاهد السيرك هي اللون الاحمر سواء كان ذلك في الديكور او لون الاضاءة، وذلك لان السيرك اللون الغالب عليه هو اللون الاحمر، فأراد المخرج ان ينقل لنا السيرك على خشبة المسرح وكأنه سيرك حقيقي بالفعل.
المؤثرات الصوتية وأداء الممثل
اعتمد المخرج على المؤثرات الصوتية المضحكة المصاحبة لأداء الممثل والتي أضفت نوعا من الفكاهة والكوميديا، وهذا بدوره يخدم الفكرة الاساسية، فالمؤثر المصاحب للأداء يشبه مؤثرات السيرك المصاحبة لقيام المهرج بأي خطوة. كما يمكننا ان نلاحظ ان هناك تناغما وتناسقا بين اداء الممثلين مع بعضهم البعض، فكل منهم يكمل الآخر كونهم يعملون معا منذ زمن طويل.
استطاع الممثل تقمص شخصية القرد بشكل كوميدي ما أعطى حسا فكاهيا للمسرحية، كما أن حركات الفتاة التي كانت تشبه حركات الباليه بخفتها ورشاقتها أضفت نوعا من الجمال الحركي.
ملامح بريختية ملحمية
استخدم المخرج بعضا من ملامح مسرح بريخت منها استخدام الراوي الذي يفسر للمشاهد الاحداث ويعطي تلميحات وإسقاطات على الواقع الحالي من شأنها ان تجعل المشاهد واعيا ومدركا، أيضا استخدام اللافتات التي تعبر عن المكان. كما ان كل شخصية كانت تحمل خطابا مجتمعيا، فالمؤلف هنا يلعب على إثارة عقل المتفرج ووعيه وليس انفعالاته الحسية، فلا يريده الدخول في حالة الاندماج والتماهي يريده يقظا يحلل ويفكر في الثيمة التي تحملها المسرحية.
القضايا الفكرية
تضمنت هذه المسرحية الكثير من الافكار السائدة في المجتمع، وناقشت قضية عزوف ثقافة المسرح وعدم الاهتمام بنوع الفن المقدم، فأصبح المجتمع والرأسماليون يصبون اهتمامهم على بناء المطاعم والاماكن الترفيهية بدلا من التركيز على الفنون بأنواعها بما فيها المسرح، والانصياع وراء المال حتى لو كان قيمة الانسان هي المقابل، أصبح الإنسان مستعدا على التحول لحيوان مقابل المال، مستعدا على ان يكون دمية لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم بل فقط دمية يسيرها مديرها كيفما شاء مقابل أجر مجز من المال، مستعدا لأن يكون مهرجا..فالمطلوب في هذه الايام هم المهرجون وليس المثقفين المدركين، فقد عرضت لنا المسرحية كوميديا سوداء تعكس واقعنا الحالي.
من الجدير بالذكر أن العرض قدم على خشبة مسرح الدسمة ضمن فعاليات مهرجان الكويت المسرحي، وقام بأداء الأدوار ناصر الدوب، عبدالله البصيري، عيسى الحمر، خالد الثويني، مصطفى محمود، سعاد الحسيني وعلي بولند.