المناخ والبيئة والمؤامرة
بقلم: سعد بن طفلة العجمي
المنطقة ملوثة برياح الطائفية والعنصرية والقبلية والفئوية البغيضة
قمة المناخ، تضم ميم المناخ أو تفتح، كلاهما جائز ويعطيان المعنى نفسه. البعض – وأنا منهم – توهم أن الفتحة للطقس والضمة لمناخ الإبل. ومناخ الإبل هو مبركها، أي المكان الذي تبرك فيه. والسؤال عن مناخهم، هو سؤال عن المكان الذي أناخوا به إبلهم، أي مكثوا فيه. وكم غنى ناظم الغزالي وصباح فخري بقصيدة لأبي الحسن المصري:
“لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم
وحمّلوها وسارت في الدجى الإبل”
وسوق المناخ في الكويت هو سوق الأسهم أي البورصة. وقد سمي بذلك لكونه بني في منطقة كانت في الماضي مناخاً للإبل والقوافل. ومسرحية “سوق المناخ” من أجمل ما قدمه المسرح الكويتي عن لعبة القمار في سوق المناخ في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي. ومختصر ذلك أن قلة من القوم تلاعبت بأسهم شركات وهمية بالملايين، تداولتها بشيكات بالملايين مؤجلة. وحين حل وقت صرفها تضاربت الشيكات واشتبك القوم، واختلط الحابل بالنابل، فكان قانون “المديونيات” الذي أقره برلمان الشعب على حساب الشعب بإنشاء صندوق مقاصةٍ لتسوية ديون المتلاعبين بقيمة ستة مليارات دينار (حوالى عشرين مليار دولار أميركي).
والكريم من تنوخ عنده الإبل، فالقول “لا جيت عند فلان نوّخ ذلولك” هو قول كناية عن كرم فلان هذا.
ومن المناخ امتد المعنى بما يسمى باتساع المعنى في علم المعاني ليشمل الأجواء والطقس. والطقس أصلها من اليونانية وتعني التراتب بالصلوات في الكنيسة، ولا أدري كيف امتدت هذه الكلمة من مجال معاني الدين إلى مجال معاني المناخ، ففي المناخ الإسلامي، نقول الشعائر ولا نقول الطقوس الإسلامية.
نعود إلى قمة المناخ، فالقمة تناقض المناخ، المناخ نزول وهبوط وبُروك. والقمة عالية، بل هي أعلى الشيء، فقمة الجبل رأسه، وقمة الرأس أعلاه، وقمم المناخ تعقد للمحافظة على البيئة، والبيئة باللهجة المصرية الشعبية تعتبر شتيمة، فقول “فلان بيئة” يعني أنه منحط اجتماعياً، وربما خلقياً وسلوكياً.
تراشقت السويدية الناشطة في مجال البيئة، غريتا ثونبيرغ، مع رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابق دونالد ترمب بشأن البيئة، وذلك بعد إعلانه الانسحاب من قمة باريس للبيئة. التراشق عكس بيئتهما وخلفيتهما، فالبيئة ترتبط بالخلفية التربوية، فيقال “فلان مترب ببيئة طيبة”.
المناخ السياسي العام في الكويت هذه الأيام متعفن وخانق، انتخابات طلابية في الجامعات والمعاهد الكويتية ملوثة بأهازيج وطروحات قبلية عنصرية تعكس الأزمة التي لا تعيشها الكويت وحدها بل المنطقة كلها، فالمناخ السياسي في المنطقة ملوث برياح الطائفية والعنصرية والقبلية والفئوية البغيضة، وهذا التلوث البيئي يعكس فشلنا جميعاً، من دون استثناء، في خلق دول مدنية تعزز المواطنة التي تقوم على آدمية الإنسان بغض النظر عن أصله وفصله ودينه وطائفته وقبيلته وعرقه. لقد فشل تعليمنا ومنابرنا الإعلامية والتربوية والتوجيهية في بناء المواطن المنتمي إلى الوطن أولاً قبل أي انتماء آخر.
نحن من أكثر الأمم إيماناً بالمؤامرة، وأشهر المؤامرات التي نؤمن بها أن “أعداءنا” يخططون لنحرق أنفسنا بأنفسنا بإشعال الحروب الطائفية والقبلية والعنصرية والدينية، ولنتحول إلى دويلات طوائف مشتتة متحاربة وفاشلة. لكننا ننفذ هذا “المخطط” بأنفسنا، وعن سابق إصرار وتصميم، فأحزابنا طائفية وقبلية وفئوية، وطلابنا منذ نعومة أظفارهم يتربون في مناخ بغيض، وبيئة رائحتها تزكم الأنوف، ثم نقول إن العالم يتآمر علينا! ولا نسأل أنفسنا: من الذي ينفذ هذه المؤامرات؟ ألسنا من ينفذها بتحزبنا الطائفي والقبلي والفئوي البغيض؟
البيئة تشكل وعي الإنسان. والمناخ الذي يعيش فيه الإنسان طقساً يخلق منه إنساناً ملوثاً أو صحياً نافعاً. ولا شأن للمؤامرة والمتآمرين بذلك. فالناس ينتظرون نشرة الأحوال الجوية، وحالة الطقس والمناخ فحسب، وفي ضوء ذلك يخططون ويتآمرون.