لماذا يثير إعلان جدّة رعب الطبقة الحاكمة في لبنان؟
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

الثمرة الوحيدة التي قطفها لبنان من بستان التفاهم الفرنسي- السعودي الناجم عن لقاء جدّة بين الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، سرعان ما أصابها الاهتراء.

إنّ الليرة اللبنانية، وبمجرد شيوع نبأ الدخول الهاتفي لرئيس الحكومة اللبنانية على خط لقاء جدة، تحسّن سعر صرفها أمام الدولار الاميركي، وحافظت على مدى أربعة  أيّام على مكتسباتها، قبل أن تعود وتنهار الى دركات تاريخية جديدة، في ضوء إدراك تام لمخاوف الطبقة الحاكمة من هذا التفاهم الفرنسي السعودي، وفق ما تجسّد في “إعلان جدة” الذي “جدّد شباب” القرارات  الدولية  المتعلّقة بلبنان والمتمحورة حول نزع سلاح “حزب الله” ووقف التهريب والإتجار بالمخدرات وترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، ناهيك، بطبيعة الحال، عن الإصلاحات البنيوية ومكافحة الفساد.

لقد تبيّن أنّ الطبقة الحاكمة في لبنان، عندما توضع أمام مسؤولياتها لجهة تطبيق القرارات الدولية الخاصة بـ”حزب الله” تصاب بالإرباك الشديد الذي يصل إلى حد الترهيب.

لا غرابة في ذلك، فجميع العاملين في الحقل السياسي في لبنان، سواء اعترفوا أو نفوا، يعرفون أنّ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير 2005 يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمحاولة المجتمع الدولي تنفيذ القرار 1559، وأنّ القرار 1680 الذي يطالب بوقف حركة السلاح والمقاتلين على الحدود اللبنانية السورية ووجوب ترسيمها، ترافق مع اغتيال عدد آخر من قيادات “قوى 14 آذار”.

وعلى هذه الخلفية، فإنّ مضامين “إعلان جدّة” أصابت الطبقة الحاكمة في لبنان بالذعر، فهرب الجميع من نقاشها، من دون أن يعيروا لتداعيات هذا الاهمال أدنى اهتمام.

وقد سمح “السلوك المرعوب” بإحباط الآمال التي جرى تعليقها على “الوساطة الفرنسية”، إذ إنّ الطبقة الحاكمة كانت تعوّل على ضغط تمارسه باريس على الرياض، لتعود فتطبّع علاقاتها مع لبنان، من دون اشتراط “قيود سيادية”.

ولكنّ الرياض أخذت فرنسا التي اكتشفت، بتعطيل “حزب الله” الحكومة بعد أقلّ من شهر على تشكيلها، بتنازلات منها لمصلحة إيران “التأثير الخبيث لهذا الحزب في لبنان”، الى حيث لا يريد هذا الحزب ولا الخائفون منه.

وقد أظهر أوّل موقف سعودي، منذ مغادرة ماكرون السعودية، أطلقه وزير الخارجية فيصل بن فرحان أنّ النظرة الى لبنان لا تزال عالقة عندما يسمّيه “أزمة اللبنانيين مع حزب الله”، وأنّ بلاده لم تعد تعبر أيّ اعتبار للكلام، بل هي تنتظر أفعالاً.

ولهذا، فإنّ مفاعيل “إعلان جدّة” بدأت تتلاشى، وثمّة من يتخوّف من أن يكون هناك رد عنيف عليه، في حال ثبت لـ”حزب الله” أنّ نتائج التفاهم الفرنسي-السعودي ليست سوى مسار سياسي متجدّد ضدّ سلوكه في لبنان والإقليم، تؤيّده الولايات المتحدة الاميركية وسائر الدول التي تطمح بإقامة علاقات متينة مع المملكة العربية السعودية.

وعليه، فإنّ الحكومة اللبنانية قد تبقى معطّلة، والتحقيق في انفجار مرفأ بيروت سيستمر مأزوماً، وأحداث الطيونة التي أحيت شبح الحرب الأهلية، ستعود إلى الواجهة، والانتخابات النيابية إمّا تتعطّل وإمّا يتم سحب العوامل المساعدة على إحداث “بعض التغيير”، واستحقاق الانتخابات الرئاسية يذهب الى الفراغ، وترهيب اللبنانيين المناوئين لـ”حزب الله” يتم تعويمه، والانهيارات المالية والاقتصادية والاجتماعية تواصل هبوطها في حفرة بلا قعر.

وإذا كان المراقبون يستسهلون رسم السيناريو السيّء، لجهة ما يعتقدون أنّ “حزب الله” يمكن أن يقدم عليه، إلّا أنّ أحداً لا يعرف كيف ستكون المواجهة لتحقيق غايات القرارات الدولية، باستثناء الحديث عن عقوبات لا يمكن أن تؤثّر بـ”حزب الله”، لأنّ رفاهية الناس ليست جزءاً من همّه، فهو يكتفي بوعدهم برفاهية تنتظرهم في عالم ما بعد الموت.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى