كويت الأربعينيات والخمسينيات.. كتاب جديد لحمد الحمد بشهادات من عاشوا زمن التحوُّل

النشرة الدولية

القبس –

لعله أحد الكتب التاريخية الوثائقية المهمة، الجهد الكبير الذي قام به حمد عبدالمحسن احمد بإصداره كتاب «الكويت في زمن الأربعينيات والخمسينيات» متضمناً شهادات لشخصيات كويتية عاشت في فترتي الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين في كل المناطق وفئات المجتمع، تلك الفترة كانت فترة تاريخية حاسمة ومهمة عاشها المجتمعان الكويتي والخليجي، حيث كان عصر الاعتماد على الغوص والسفر التجاري قد شارف على الانتهاء، فقد تم اكتشاف اللؤلؤ الصناعي الذي هدد رزق أهل الخليج، وحدث استقلال الهند عام 1947 عن بريطانيا، مما حدّ بشكل كبير من تجارة أهل الكويت مع الهند التي فرضت حكومتها بعد الاستقلال ضرائب عالية على أصحاب السفن والمكاتب التجارية الكويتية، وهذا كله كان له أثر كبير وسلبي على وضع الكويت الاقتصادي.

وما إن توقفت الحرب العالمية الثانية حتى بدأ تصدير النفظ، وانتعشت الكويت وغيرها من دول خليجية، وحدث ازدهار اقتصادي وتغيّر اجتماعي وثقافي كبير، لهذا فإن مواليد تلك الفترة وقبلها هم شهود على مجتمع متغير، وهم ينقلون لنا بمصداقية عبر شهاداتهم أحوال مجتمعهم من الفريج والبيت القديم، والكتاتيب وبداية التعليم النظامي، وتقاليد اجتماعية اختفت وأسواق شعبية والفرضة ومظاهر شهر رمضان والأعياد وهكذا.

كانت الأحاديث عفوية وباللهجة المحلية، لهذا في مضمون الشهادات نجد مادة طبيعية، حيث تعمد الكاتب عدم إضافة كلمات معجمية حتى لا يخرج عن أقوال المتكلم، وأن تكون هناك أمانة بالنقل من قبله من دون تغيير، لهذا نجد مضمون الشهادات خليطاً بين الفصحى والعامية، هذا مع التأكيد أن الشهادات لا تقتصر في الحديث على فترة الأربعينيات والخمسينيات، إنما تشمل ملامح وروايات عن فترات ما قبلها وما بعدها.

أبناء البحر

ومما جاء في شهادة عبدالله بشارة «أهلنا عائلة بحرية والآباء والأجداد كلهم نواخذة، لكن انتقلنا عام 1940م، إلى حي شرق حتى نكون مقابل البحر، لأننا أهل بحر.. وأخي عيسى بن يعقوب بن بشارة نوخذة له شهرته، وهو تاريخ وعبر المحيط 26 مرة من الهند إلى أفريقيا، وأتقن عدة لغات منها السواحيلي والهندي والفارسي، وأثناء الحرب العالمية الثانية السفن الإنكليزية انشغلت بالحرب، وأخي عيسى استغل الوضع، وراح ينقل الخيول للهند، وأتذكر حكايات عن أخي النوخذة عيسى بشارة، ففي عام 1943م وهو في السفينة بعرض البحر ضربتهم عاصفة بالليل، وراح يريد أن يساعد البحارة، واختل توازنه وسقط في البحر وكان في المحيط، وراح يسبح ثماني ساعات، واكتشف البحارة أن النوخذة غير موجود، وكان في السفينة دائماً «ماشوه» وهي قارب صغير، وكذلك «الكيك» وهو قارب صغير، لهذا راح البحارة، ومنهم المجدمي محمد المسباح الذي قاد الماشوه مرة ثانية يبحثون عن النوخذة، وعثروا على عيسى حياً بعد ثماني ساعات يسبح في البحر الهائج، وكانت معجزة إلهية، لأن السفينة لا تستطيع الإبحار إلا بوجود النوخذة، وكان البحارة يبكون عند الحدث وعند فقدهم له، ووالدي يعقوب لم يكن في الكويت حينها، ولم يعلم عن غرق أخي، وعندما وصل عيسى لبُمبي، أرسل لنا رسالة أنا قرأتها لأمي تقول: «أنا وقعت من السفينة ووزعوا عيش»، وبعدها رجع شرح للناس تفاصيل الحادثة.

تعليم البنات

كما تحدث محمد ناصر محمد السنعوسي عن ذكرياته قائلاً: «كان سكن العائلة والأهل وأهل الوالدة في حي الصالحية، حيث ولدت في ذلك الحي، فالموقع في براحة نايف بين المقبرة وبين قصر نايف، ومن الجيران مقابل بيتنا أسرة عبدالعزيز الرشيد البداح المؤرخ، وهناك بيت الحاي ويليه بيت ياسين الغربللي والفارس وجيران آخرون.. وبيتنا في الصالحية كان فيه حوشان حوش للبقر والغنم وحوش لنا، وفيه كنجية، وكان بيتاً واسعاً ومريحاً وكان ملكا للوالد».

وعن دور المرأة الكويتية في ذلك الزمان، قال السنعوسي: «لو تتخيلها وهي تقوم بدورها بدون خادمة وهي التي تولد، وكل سنة مولود، وتربي وتطبخ، وبدون مقدمات يأمرها الزوج أن تستعد لإعداد الطعام لعشرة أشخاص بكرة على الغدا، وتغسل وتخبز وكل شي تعمله، المرأة الكويتية في الحقيقة في ذلك الزمان تستحق التقدير والشكر بصورة غير عادية، وأنا أتخيل والدتي ودورها، أما تعليم البنات النظامي في الكويت من البداية رحب به والدي وأغلب الأسر، ولم تكن هناك معارضة إلا من القلة، ولكن المعارضين عندما شاهدوا كل الكويت أدخلت بناتها، تبعوهم وأدخلوا بناتهم المدارس، وكلما فتحت مدرسة بنات، كان الإقبال عليها كبيراً، مثلاً والدي عندما فتحت مدرسة البنات التي في الحي الذي نسكن فيه أخذ أخواتي هو بنفسه للمدرسة، ولم يُعارض لأن الوعي بالنسبة للتعليم كان موجوداً.

المدارس والكتاتيب

وتحدث عبدالرحمن الغنيم عن التعليم في ذلك الزمن قائلاً: «كان تعليمنا لفترة أنا وأخي سليمان عند المطاوعة الكتاتيب ملا سليمان الخنيني حتى بلغ عمري ست سنوات، لأن والدتي ما كانت تقتنع بالتعليم النظامي وترفض أن نتعلم في المدارس النظامية، لأنها تعتبره تعليم كفار ما يدرِّسون الدين، هذا كان اعتقادهم في ذلك الزمان، لكن تغيرت الظروف والوالد قرر أن ينقلنا إلى مدرسة الروضة المستقلة، كان ناظرها عقاب الخطيب فالتحقنا عام 1946م أو 1947م، وعندما التحقنا وضعونا في الصف الثاني، لأننا متقدمون وحافظون قرآناً وباللغة متميزون، وكان عقاب الخطيب هو الناظر، وكنت قريباً جداً منه كابنه، وكان يأخذني معه بالتمثيل ومثلت معه على المسرح، وفي تلك الفترة إذا تميزت بالدراسة ينقلونك للفصل التالي، وبعدها انتقلنا مؤقتاً للمدرسة الأحمدية لأن مدرستنا كانت بها إصلاحات، وكان بالأحمدية عبدالملك الصالح، ومدرستنا الروضة المستقلة كانت بيتاً ملكاً للسيد خلف النقيب وكانت ملاصقة للمدرسة القبلية للبنات، وبعد ذلك عام 1948ـــ1949 انتقلنا إلى مدرسة المباركية مرحلة ابتدائية سنة أولى ابتدائي، وانتقلنا للمدرسة القبلية للبنين في الصالحية وأكملت ثانية وثالثة ورابعة.

السوق القديم

وتنقلنا ذاكرة الدكتور خليفة الوقيان إلى السوق القديم، قائلاً: «أتذكر السوق حيث بيتنا في المنطقة التي كنا نسكن فيها حالياً وهي تعادل الآن مجمع قصر العدل الحالي من جهة القبلة، وموقعه مجمع الدولية الذي فيه مكاتب السفريات، وبقربه المسجد، هذه منطقتنا حيث بيتنا، وهذه المنطقة ليست بعيدة عن السوق، والدي عنده دكان بالسوق، فكنت دائماً أذهب معه للمحل نمشي من البيت ونصل ويتركني بالمحل، حتى وأنا طفل يأخذني معه، ويروح الوالد يبيع ويشتري ويجلب أغراضا للدكان، وكنا نروح من البيت مشياً ونرجع مشياً، وكان محل الوالد في السكة التي خلف سكة عنزة، حالياً جهة مقر البنك الوطني القديم الشارع الجديد بجانبه، المحل في سكة فيها مبنى الوكالة ويطلق عليها الوكالة السعودية، وهي في الطابق الأول، وفيها النفيسي وهو بمنزلة سفير للمملكة، وفيها دكاكين، ودكان الوالد في الطابق الأرضي تحت الوكالة السعودية مباشرة، ومن السكة تعبر من الشارع الجديد إلى شارع يسمى شارع سعود بن عبدالعزيز، أول يسمى المباركية يبيعون ذهبا وغيره من منتجات، أول السكة فيها دكان الوالد، وخلف دكان الوالد فيه دكان لامرأة كويتية وهذه من المشاهد التي لا بد أن نذكرها.. أما الدكان الذي خلف المرأة مباشرة دكان حمد الفارس، الذي أصبح تاجر مجوهرات مشهوراً ومحترماً وأمينا، وكان معروفاً عند الكويتيين، وكان يؤجر ويبيع قواري «دراجات»، وشباب يأتون يشترون ويؤجرون دراجات، وإذا مشيت في هذه السكة تجد بيوت عوائل كثيرة منها، بيت الشيخ عبدالعزيز حمادة وبيت العون وبيوت المديرس، وكنت كذلك أمر سوق واجف، والوالد كان يشتري من سوق واجف أحياناً مواد دكان كامل، أو أغراض بيت كامل، وأذكر من جملة الأشياء التي كان يشتريها بالجملة، مرة اشترى «خياش» مملوءة كتب والكثير من الكتب مناهج عراقية، وهذا يدل على أن هذه المناهج كانت بالكويت مستعملة قديماً، وكذلك الأغراض مختلفة، منها كتب ومخطوطات وكتب قديمة، وصحف وقدح من الخشب مُطعم بمسامير صغيرة من الفضة يبدو قديماً جداً، لكن للأسف فُقدت كلها بعد ذلك عندما انتقلنا للشامية..

الميناء القديم

أما الدكتور سليمان الشطي فقد تحدث عن الفرضة التي كانت ميناء الكويت الأساسي، قائلاً: «وميزة بيتنا الذي ذكرته أننا قريبون من الفرضة، وموقعها حالياً جهة القبلة لمجلس الوزراء الحالي، ونشاهد منظر البحر والسفن و«التشاشيل» التي تأتي من إيران والعراق، ويفرشون البضاعة منها الخضرة والبصل وغيره وهناك بركة ماء، سفن الماء التي تصل من شط العرب وتفرغ في البركة، لهذا تشاهد الحمير التي تنقل الخضرة من الفرضة إلى السوق، وتشاهد الحمير التي تنقل الماء بالقرب من البيوت، وبالفرضة شركة كري ماكينزي وهو وكيل السفن والبواخر، لأن كل سبعة أيام في أوائل الخمسينيات تصل سفينة بضائع وركاب، وفيه سفن أخرى، ولا تدخل الجون حيث في ذلك الوقت يتعذر ذلك، ولاحقاً حفروا قناة بحرية صغيرة وأنا شاهدت الحفر، وبدأت السفن تدخل الشويخ، بالأول السفن تقف بعيداً وتقوم «التشاشيل» تنقل البضائع وتنزلها بالفرضة أو المخازن، وكانت تصل معظم الخضروات كلها، والجولان والعنب وفاكهة الموسم والرقي، وأنا بعت رقي وعمري 12 سنة، والوالد في الصيف قال لي: «روح بيع»، وسلمني فلوس تقريباً عشر روبيات، ونحاول نبيع، والعادة نبيع زلابية في رمضان، ورحت اشتريت رقي ونبيعه بالمفرق مع صديقي أحمد التورة، الحكاية أننا اشترينا «كود» رقي وبعد أسبوع عشرة أيام خسرنا، وأذكر حريق أبوام الحمد رغم أنني صغير، وأذكره تماماً لأن الأبوام الكويتية في الصيف ترسو في البحر ويتم إيقافها، وتُدهن «بالصل» ويتم تغطيتها حتى الموسم، وفي سنة من السنوات تقريباً عام 1951 أو 1952م كانت الماية جزر، والبومين كبار والأبوام كلها متقاربة، وكانت الأبوام مدهونة بالصل، ولو اشتعال بوم يشتعل الثاني، واشتعلت الأبوام وكان جمر الحريق يتطاير ويصل لسطوح بيتنا، وبيتنا ليس بعيداً، والناس لم يتمكنوا من إطفاء الحريق، لكن راحوا يرشون الماء بين بقية الأبوام حتى لا ينتقل الحريق.

مقتطفات من بعض الشهادات

«في زمننا، رغم عدم وجود رفاهية، كانت حياتنا فيها رضا».

أ. عبدالله بشارة

«تعمدت إعادة السنة بالمتوسطة، ليس حباً في الدراسة إنما في الوناسة والنشاط المدرسي».

أ. محمد السنعوسي

«ما زلت أذكر والدتي ورائحة ماء الورد ببخنقها وهي تَلُمني».

أ. محمد أبو الحسن

«عام 1958م، كنت أراسل تلميذاً من غزة، وكنا تلاميذ وما زلنا نتراسل ليومنا هذا».

د. رشيد الحمد

«لم أعش طفولتي.. وفي المدرسة القبلية لم نستوعب لبس الشورتات».

د. خليفة الوقيان

«رحلتنا بالباصات من الكويت إلى القاهرة للدراسة عام 1944 كانت رحلة عجيبة».

أ. عابدين الصايغ

«هربت من المنزل حتى لا يعرف والدي أنني من يُغني في الإذاعة «لي خليل حسين»».

أ. عبدالعزيز المفرج (شادي الخليج)

«الشيخ جابر العلي قال.. نادوا هالولد خلوه يقدم برامج».

أ. عبدالرحمن النجار

«بيتنا أول بيت مغبط بالديرة.. والشيخ صباح السالم طلب أن يشاهده».

أ. سعاد الرفاعي

«بعمر ست سنوات عملت تماثيل صغيرة، وكانت والدتي ترى أن هذا حرام».

أ. سامي محمد

«عندما شاركت بمظاهرة وعدت للمنزل قال والدي لي طق راسك بالطوفة شوف من يتعور».

أ. عبدالوهاب بوقريص

«ولدت في الصحراء بجنوب الكويت، وكافحت حتى أصبحت عضواً بمجلس الأمة».

أ. رجا الحجيلان المطيري

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى