الحكمة في ثقافة الصمت
بقلم: رلى السماعين

النشرة الدولية –

في فترات الازمات والضجيج، يُبدع من يصمت، لا من ينعزل.  الانعزال يبعث رسالة  توحي بالاستسلام والقبول بالوضع الراهن أو الانهزام أمام وضع معين. وأما من يصمت في وقت الثرثرة والبلبلة هو الحكيم، لان الصمت ينطوي على القليل من الكلام والكثير من الاصغاء  والتفكير والتأمل،  الامر الذي  يمهد لمرحلة إنتاج قرارات موزونة.

في خضم الاوقات المضطربة  التي نشهدها، وُلدت  ثقافة الثرثرة وعزز انتشارها المنصات الافتراضية التي فرضت ذاتها على حياتنا الطبيعية اليومية لدرجة كبيرة، بثت من خلالها  رسائل هدفها تضليل المجتمع عن استخدام الطاقة البشرية والعقل في التخطيط والعمل الذي فيه المصلحة الوطنية، وبالمقابل، وبالتأكيد، هناك من يستفيد  من هدر هذه الموارد  اللامحدودة الفكرية والفعلية. فبينما الغالبية ملتهين، هناك من يتقدم وهناك من يستفيد.

ومن هذا المنطلق رأيت بأنه قد فطنّا مؤخراً بأن ما يحدث من أحداث سياسية تتحرك بسرعة من حولنا، هي أكبر من توقعاتنا، وأبعد من خيالنا ومما تعلمناه في كتبنا الدراسية وتخزّن في عقولنا، وما نسمعه من تشويش كبير يحدث على المواقع الافتراضية يعزز اضطراب الافكار والقرارات هذه، وأحياناً كثيرة ننخدع بالكم الكبير من الاوهام والاباطيل المنتشرة، الامر الذي يمهد إلى طريق الفساد بين الناس ويعززه.

في عصرنا الحالي المعروف بالثورة التكنولوجية، دخل على البلدان الاستعمار عن طريق الهجوم الفكري والمعرفي. استخدمت كلمة  “هجوم” لانه فرض نفسه بسرعة وبقوة كي يصعب على الواعي تداركه،  وعلى المفكر تفنيده. فتعززت الكراهية، وسهل اغتيال الشخصيات، والتمادي بالكلام، وتردت المفاهيم العالية والقيم الذهبية، و بدأت المجتمعات بالانفصال عن الرسالة الانسانية السامية العالية والغنية بالقيم الروحية والاخلاقية.

أما إذا نظرنا إلى كل ما نمر به على أنه تجارب ليس إلا، فإنه سيسهل علينا كشف زيف من يريد أن يعبث ليخرب ويفسد، فهذا التفكير سيسهل علينا أن نواجه ونحبط كل تضليل،  ونقف بإرادة جديدة قوية للنهوض، مع الادراك بأن لا تقدم من دون وحدة صف مجتمعي، وتطبيق فعّال للقانون ضد كل من ينشر التخوف والتجزئة، والادراك بضرورة الابتعاد عن كوننا أفراداً  انفعاليين في دولة قوية متماسكة غير انفعالية، تأخذ قرارتها من دون توتر وبدافع الحرص على الوطن والمواطن.

نحن دولة نؤمن بالسلام، ذلك الذي يخدم البشر والعلاقات المجتمعية، وهو موضوع  مُلّح إذا أردنا التطور والاستقرار والازدهار مع الحفاظ على كرامة المواطن ومصالح الوطن.

ما نحتاجه هو ثقافة جديدة تعمل على استيقاظ الروح السليمة بيننا، بالتزامن مع الوقوف ضد العقلية المعاكسة، والاخلاق الفاسدة، والمصالح الشخصية الضيقة، والعبث بسمعة الاردن، والا لن نصمد! ما نحتاجه هو “اوفرهول” سياسي لان التيارات المعاكسة ضعيفة، مع أنها قوية في ظاهرها.  أما التسيب  على المواقع فبات سهل في غياب الرقابة الصارمة. نحتاج أن نخرج من مازق فكري، وحضاري وعقلي.

*صحافية وكاتبة مختصة في شؤون الحوارات والمصالحة المجتمعية

زر الذهاب إلى الأعلى