فجوة الديمقراطية.. حِسْبة التكاليف
بقلم: مصطفى أبو لبدة

النشرة الدولية –

مع ختام ”القمة من أجل الديمقراطية“ التي طلبها وعقدها وأدارها الرئيس الأمريكي جو بايدن، يومي الخميس والجمعة الماضيين، وجدت منطقة الشرق الأوسط نفسها أمام أجندة إجبارية لعام 2022، مثقلة بمواجهات قسرية أقصى المتاح فيها هو تحدي تخفيض كلفتها.

في عامها الأول جعلت إدارة الحزب الديمقراطي للبيت الأبيض موضوع حقوق الإنسان ثالث أولوياتها بعد الأمن القومي والمصالح الاقتصادية. وكانت بذلك تُدرج الشرق الأوسط، بعد الصين وروسيا على قائمة المواجهة متعددة الأدوات. فبكين وموسكو موسومتان بالدكتاتورية، فيما الشرق الأوسط موصوف بأنه مختبر للإرهاب ونموذج لفجوات الديمقراطية.

أطرف ما اقترفته القمة الافتراضية للديمقراطية التي انعقدت بهدف مُعلن ”بناء شراكة الديمقراطية ”، هو تغييب الشريك الآخر المفترض في الشرق الأوسط. ضمت قرابة المئة دولة، وقائمة المدعوين استثنت كافة الدول العربية عدا العراق.

كانت أُحجية في اكتشاف التعريف الذي تعتمده واشنطن للديمقراطية، والذي على أساسه استثنت مصر مثلا من قائمة المدعوين وأدرجت الباكستان وباربادوس، علما أن أحدث القوائم الدورية لـ ”المعهد الدولي للديمقراطية والانتخابات“ أدرجت الولايات المتحدة ضمن الدول المتراجعة إلى جانب البرازيل والهند.

أُحجية التعريف الأمريكي للديمقراطية عمّقت القناعات بأن حقوق الإنسان كانت دوما ورقة سياسية بيد واشنطن تستخدمها للضغط على الخصوم والأعداء، ولابتزاز الأصدقاء والحلفاء. ولذلك هي جزء من بيروقراطية ودوائر وزارة الخارجية، حيث كان وزير الخارجية انتوني بلينكن المشرف التنفيذي على القمة الافتراضية الأولى، وبياناتها تُبث على الموقع الإخباري للخارجية.

يندُر وجود دولة في العالم لم تخضع في علاقاتها مع الولايات المتحدة للضغوط السياسية تحت شعار أو ذريعة الديمقراطية وحقوق الإنسان. لكن الدول العربية، فرادى وإقليميا وشرق أوسطيا، تميزت في علاقاتها الطويلة مع الولايات المتحدة وفي شراكتها الإستراتيجية بالمصالح الاقتصادية، دفعت الثمن من استقرارها وأحيانا باستهداف هويتها.

وفي وقت مبكّر، مباشرةً بعد الحرب العالمية الثانية عندما قررت الولايات المتحدة أن تستحوذ السيطرة على الشرق الأوسط، استخدمت بين أدواتها السياسية شعارات التحرر والديمقراطية وحقوق الإنسان، وبررت بها سلسلة الانقلابات العسكرية التي استهلكت المنطقة طوال ثلاثة عقود، كانت بدايتها في سوريا كأول دولة عربية حصلت على الاستقلال.

قصة الانقلاب العسكري في سوريا والذي قام به حسني الزعيم العام 1949، معروفة وموثقة في التفاصيل التي صممت فيها المخابرات المركزية ذلك الانقلاب بإشراف اثنين من ضباطها، مساعد الملحق العسكري ستيفن ج. ميد، ومايلز كوبلاند جونيور الذي نشر في وقت لاحق كيف أن نجاح تجربتهم في سوريا أغرى بتكرارها سريعا في مصر وإيران.

أيضا قصة الخارجية الأمريكية والمخابرات المركزية مع الربيع العربي، في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما (ونائبه جو بايدن) معروفة في تفاصيل توظيف الديمقراطية وحقوق الإنسان والإسلام السياسي من أجل إعادة هيكلة الشرق الأوسط.

في هذا السياق التاريخي الموصول كان طبيعيا للنخب العربية، قيادات ومحللين، أن يروا في قمة واشنطن للديمقراطية وحقوق الإنسان، استهلالا لدورة جديدة طويلة من دورات توظيف الديمقراطية وحقوق الإنسان لإبقاء الشرق الأوسط على نار الاستنزاف، بعد أن قررت واشنطن الانسحاب عسكريا من المنطقة وتركها تغلي على حطب إدارة الأزمات بدلا من حلّها.

لم تكن قمة واشنطن افتراضية بالكامل. غابت عن الكاميرات تفاصيل إجرائية مما حدث بجوار خيمة القمة، من ندوات توعية وتدريب، ومن برمجة للقضايا التي ستفرضها واشنطن على حلفائها خلال السنة التي تفصل بين القمة الأولى والثانية التي تقرر عقدها في التاريخ نفسه من عام 2022.

الذين استضافتهم واشنطن باسم القمة الافتراضية، عقدوا ورشات عمل دامت ثلاثة أيام. كانوا خلطة نوعية من ممثلي الحكومات والقطاع الخاص والمدافعين عن حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني، و وسائل الإعلام، ومعهم المؤثرون في السياسة والفنون والثقافة والرياضة، بما في ذلك القادة الناشئون من الجيل القادم والمؤسسات متعددة الأطراف المُكلّفة بالديمقراطية والنهوض بحقوق الإنسان.

خطة العمل التي حددتها ونشرتها وزارة الخارجية الأمريكية، كبرنامج عمل تقليص فجوة الديمقراطية لعام 2022، هي تعزيز الحُكم في البلدان المُستهدفة، بحيث يصبح الحكم خاضعا للمساءلة، حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية للتحديات الكبرى في عصرنا، مع توسيع الفرص الاقتصادية ومعالجة تزايد عدم المساواة.

الرئيس بايدن الذي كرر القول إن العالم وصل إلى ”نقطة تحول“ في المواجهة بين الأنظمة الاستبدادية والديمقراطيات المهددة، أعلن تخصيص 424 مليون دولار لدعم حرية الصحافة، والانتخابات الحرة، وحملات مكافحة الفساد. وستعلن حكومته في وقت لاحق حجم التزاماتها السياسية والمالية في مجالات النهوض بالقيادة المدنية والسياسية للنساء والفتيات وأفراد المجتمع المهمشين، وتسخير التكنولوجيا للتجديد الديمقراطي، مع المحاسبة على هذه الالتزامات على المسرح العالمي.

قمة واشنطن للديمقراطية التي وصفها لوبي ”ناشنال انترست“ الأمريكي المحافظ بأنها غير متناسقة ومنافقة، وحظيت من الصين بوصف اجتياحي“ سلاح دمار شامل“ لم تؤخذ في الشرق الأوسط على محمل الجد، ربما لعدم الإحاطة الكافية بكيفية صناعة القرار في الولايات المتحدة.

إذا كانت إدارة بايدن توصف بأنها مُتحوّر إدارة باراك أوباما، فإن التحليل الأولي لمخرجات القمة من أجل الديمقراطية فيما يتصل بالشرق الأوسط، يشي بأن ”فجوة الديمقراطية ربما تكون متحور 2021 للربيع العربي.

كلفة ردع الربيع العربي ووقف تمدده في المنطقة، كما كان قد عرضها الأمير بندر بن سلطان قبل ثماني سنوات في مقابلة نادرة مع صحيفة وول ستريت جورنال، كانت كلفة مرتفعة. المتاح الآن لدول الشرق الأوسط في التعامل الجبري مع مخرجات قمة واشنطن بشأن التقليص المستحق لفجوة الديمقراطية، هو حسبة تكاليفها من أجل خفضها. هي بالتأكيد تكاليف جوهرية ثقيلة تتفاوت من دولة لأخرى.

“إرم نيوز”

Back to top button