مَن موّل الثورة ومَن ولماذا أوقفها في لبنان. دُمى الثورة، نواب فاشلون!  
بقلم: اكرم كمال سريوي 

https://www.althaer.com/images/mainpage2020/YADRHAUCXE.jpg

النشرة الدولية –

الثائر –

لا شك أن حالة الغضب والاحتقان الشعبي، على فساد السلطة والمسؤولين في لبنان، كانت وما زالت موجودة، وربما هي اليوم أشد بكثير مما كانت عليه من قبل. فكيف انفجرت الثورة في 17 تشرين؟؟؟ ولماذا توقفت فجأة؟؟ وماذا حقق نواب التغيير؟

 

اتهمت أحزاب السلطة الثوار بأنهم جماعة السفارات، وأنهم يتلقون دعماً خارجياً، واستشهدت على ذلك بكلمة لديفيد هيل أمام الكونغرس الأمريكي في 24 أيلول 2020 ، حين رد على سؤال فقال: على مر الاعوام، أمنّا للبنان، 10 مليارات دولار دعماً له، في الخدمات الأمنية من جهة، ولمنظمات غير حكومية من جهة أخرى، من أجل التنمية الاقتصادية والدعم الانساني. ولم تساهم أي جهة بقدر الولايات المتحدة في الدعم الخارجي للبنان”.

 

نزل قسم من اللبنانيين إلى الساحات وأرادوا إحداث تغيير حقيقي وإصلاح للنظام في لبنان، وغالبية من كان في الساحات، هم من المواطنين المخلصين الشرفاء، الذين آمنوا بلبنان الوطن، فوق مشاعر الطائفية والتفرقة والتعصب.

 

لكن من جهة ثانية يجب الاعتراف أنه كان هناك تمويل لهذه الاحتجاجات، وكانت هناك جهات تقوم بدفع تكاليف النقل، والأعمال اللوجستية، وتتولّى الدعاية والإعلام وحشد الرأي العام. ومن الصعوبة بمكان تصوّر أن تحدث أي احتجاجات، وتستمر لمدة طويلة، دون تمويل، ودون جهات داعمة لها، مهما كانت أسباب الثورة وجيهة. ولو كان الغضب وحده يُحدث ثورة لوجدنا اليوم أن اللبنانيين يملأون الساحات، ولا يخرجون منها، فلماذا لا يحدث ذلك وكيف توقفت الاحتجاجات؟؟؟.

 

من سيصدق أن موظفاً كان يتقاضى راتباً شهرياً أكثر من الف دولار، وحتى ثلاثة أو أربعة آلاف دولار، نزل إلى الشارع محتاجاً على إقرار ضريبة 6 سنت على تطبيق الواتس اب، ولا ينزل الآن ليحتج رغم انخفاض قيمة راتبه أكثر من عشرين مرة، بحيث أصبح شخصاً معدماً، ولا يهتم بزيادة تعرفة الاتصالات أكثر من 7 مرات، وزيادة تعرفة الكهرباءأكثر من عشر مرات؟؟؟؟؟!!!!!!

 

قد يقول البعض: إن السبب هو عدم قدرة المواطن على تحمل تكاليف النزول إلى الشارع، وأن غالبية المواطنين باتوا يبحثون عن لقمة عيشهم، وهذا أمر صحيح نسبياً، لكنه ليس السبب الرئيسي بوقف الثورة، فالسبب الحقيقي هو وقف التمويل والضخ الإعلامي، فمن أراد إشعال الثورة، كما كل الربيع العربي، كان يعلم إلى أين ستصل.

 

وبعكس بعض اللبنانيين التوّاقين إلى ثورة حقيقية، وبناء دولة عادلة وراقية، كانت الجهات الممولة والمحركة للاحتجاجات، تريد أن ينزلق لبنان إلى حالة من الافلاس، وهذا ما حصل، لتضع المسؤولين اللبنانيين أمام خيارين: إمّا الممانعة، وما يصاحبها من افلاس مالي، وانهيار اقتصادي، ونموذج فنزولّي، وإمّا تلبية الشروط الخارجية، بدءاً من ترسيم الحدود البحرية، إلى ملف التوطين، والحياد، والعودة إلى معاهدة الهدنة مع إسرائيل، وربما حتى فتح مسار التطبيع معها.

 

عندما بات لبنان على عتبة الانهيار التام، وما قد يتبع ذلك، من إمكانية أن يتحول إلى موئل للفوضى والحركات الإرهابية المقلقة، على الحدود الشمالية لإسرائيل، اتُّخذ القرار بوقف تمويل الاحتجاجات، التي لم تحقق المطلوب، لا للجهات الخارجية، ولا آمال الطامحين إلى ثورة حقيقية وإصلاح في لبنان، فانتهت الثورة ليس فقط في الشارع، بل حتى في وسائل الاعلام.

 

نواب التغيير ودمى الثورة فشل وإحباط

 

إن قانون الانتخاب النسبي، وانسحاب تيار المستقبل من المعركة الانتخابية، إضافة إلى الاستياء الشعبي من الطبقة الحاكمة، سمح في الانتخابات التي جرت هذا العام، بوصول بعض النواب، باسم الثورة، إلى البرلمان. لكن هؤلاء النواب أثبتوا فشلاً ذريعاً، فهم تبنّوا شعاراً شعبوياً خاطئاً وفارغاً: “كلن يعني كلن”، مما جعل كافة الأحزاب، رغم تناقضاتها، تتكتل ضدهم داخل البرلمان.

والأسوأ من ذلك أن نواب التغيير فشلو في الاتفاق على برنامج، أو حتى خطوط عريضة لمشروع إصلاحي إنقاذي، وباتوا يتلهون بأمور تافهة، ويُنفقون مخصصاتهم على العزائم واللقاءات في مطاعم بيروت الفاخرة، حتى أنهم لم يتفقوا على اسم مرشح جدّي واحد لرئاسة الجمهورية، رغم أنهم لو دعموا مرشحاً جدياً محايداً، لأحرجو جميع القوى السياسية، أو على الأقل أثبتوا جديتهم في تُمثّل الثورة والثوار.

 

مر قرابة ثمانية أشهر على انتخابهم، ولم يتقدموا بأي مشروع قانون إصلاحي، لا في الكهرباء التي تُمثّل وجع الناس ولا في الكابيتال كونترول واستعادة حقوق المودعين، ولا في تصحيح رواتب الموظفين، الذين باتوا عاجزين عن تحمل تكلفة الذهاب اليومي إلى عملهم، فاعتكفوا وشُلت الإدارات العامة في البلاد، بدءاً من التعليم الرسمي ، وإلى الجامعة اللبنانية، والقضاء، وإلى كافة إدارات الدولة.

 

ماذا يمكن أن يفعل نواب الثورة والتغيير ؟

سيقول البعض إنهم أقلية برلمانية ولا يستطيعون فعل الكثير. لكن الحقيقة هي غير ذلك، وأحياناً كثيرة فإن نائباً واحداً يستطيع إحداث الفرق، وتغيير الكثير في إدارة الدولة، والشواهد على ذلك كثيرة في تاريخ الدول والشعوب.

 

ونحن نسأل لماذا لا يطبق نواب التغيير المادة 74 من الدستور، التي تفرض على النواب، في حال خلو سدة رئاسة الجمهورية، الحضور فوراً إلى المجلس النيابي، بحكم القانون، لانتخاب رئيس جديد.

لماذا لا ينزل نواب التغيير إلى المجلس النيابي، ويعتصمون هناك حتى انتخاب رئيس جديد؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ !

وعندها طبعاً سيجدون، وكل يوم، آلاف المواطنين اللبنانيين إلى جانبهم في ساحة النجمة، وستستعيد الثورة الحقيقية زخمها، وسيُثبتون أنهم على قدر المسؤولية، وليسوا دمى تسلقوا ظهر الثورة، للوصول إلى كرسي النيابة.

 

لماذا لم يضعوا برنامجاً إصلاحياً انقاذياً للبنان؟؟؟ لماذا لم يقدموا مشاريع قوانين إصلاحية؟؟؟ والف الف لماذا برسم هؤلاء النواب الجدد الذين لا يملكون خبرة، لا في السياسة، ولا في القيادة، ولا في العمل البرلماني.

وإذا كان لي من نصيحة لهم فهي: إقرأوا الدستور اللبناني جيداً واحرصوا على تطبيقه، واقرأوا في كتاب كمال جنبلاط “رسالتي كنائب”.

زر الذهاب إلى الأعلى