تحديات التغيير الديمغرافي أمام أميركا والعالم
بقلم: رفيق خوري

التعدد الإثني والعرقي قوة لواشنطن التي يجب أن تنتقل "من بوليس كوني إلى حلال مشكلات"

النشر الدولية –

أميركا تتغيّر بأكثر مما يتصور الحلفاء والأصدقاء، وأبطأ مما يتمنى الأعداء والخصوم. تغيير في مجالات عدة. شيء ضمن خط الصعود والانحدار. وشيء في ترتيب الأولويات الاستراتيجية والمصالح الجيوسياسية.

شيء من المفهوم الكلاسيكي لسياسة القوة وظروف استخدامها. وشيء يؤثر على كل شيء، هو التغيير الديمغرافي الكبير. فالأساس الذي تعلمته رئيسة مؤسسة “أميركا جديدة” والعميدة السابقة لمدرسة القضايا العالمية في جامعة برينستون والمديرة السابقة للتخطيط السياسي في الخارجية الأميركية آن-ماري سلوتر هو قول وزير الخارجية الراحل جورج شولتز لها “يجب دائماً التركيز على الديمغرافيا لفهم العالم والقوى التي تشكل المستقبل”.

وهي ترى أن”مستقبل القوة الأميركية يعتمد على التغيير الديمغرافي أكثر منه على القوة العسكرية”. وفي العقدين المقبلين ستنتقل أميركا” من أمة أكثرية بيضاء إلى أمة تعددية” حيث لا مجموعة إثنية أو عرقية تشكل أكثرية.

وبحسب الإحصاءات، جاء إلى أميركا بين عامي 1870-  1900 مليون مهاجر أوروبي، و250 ألف مهاجر معظمهم من الصين، ومئة ألف مهاجر من أميركا الوسطى والجنوبية.

وفي هذه المرحلة تضاعف سكان أميركا من38 إلى76 مليوناً بينهم 9 ملايين من أصول أفريقية. وبين 1965 و1990 جاءت موجة كبيرة جديدة من المهاجرين، ولكن معظمهم من أميركا الوسطى والجنوبية وآسيا وأفريقيا. واليوم أقل من نصف الأميركيين تحت سن 18 بيض. وبحلول عام 2027 تنطبق النسبة على الذين تحت سن 30. أما عام 2040 فإن أميركا ستكون بلداً بلا أكثرية إثنية أو عرقية.

لكن رؤية التغيير الديمغرافي ودوره وتأثيره ليست واحدة. آن – ماري سلوتر تعبر عن مدرسة ترى في التعدد الإثني والعرقي قوة لأميركا التي يجب أن تنتقل “من بوليس كوني إلى حلال مشكلات”. واليمين المتعصب في أوساط البيض في الريف والضواحي يعبر عن مدرسة أخرى ترى في التغيبر “كارثة” وتعمل لمقاومته. المدرسة الأولى تجد فرصة مهمة في تحول أميركا إلى أمة تعددية، وتطالب بتطوير “سياسة الهجرة” لجهة جذب الكفايات والخبرات من كل البلدان.

فضلاً عن تشجيع العودة إلى الجذور وتفاعل المهاجرين مع ثقافات بلدانهم الأصلية واقتصادها بدل “سياسة الصهر” التي فشلت. والمدرسة الثانية تجد خطراً كبيراً في التغيير، لكنها توظف الخطر في الانغلاق واستراتيجية “الخندقة” وسياسة “أميركا أولاً”.

وهذه هي الموجة التي ركبها دونالد ترمب وقادته إلى البيت الأبيض، ومن ثم كرسته بعد خسارة الانتخابات في تجديد الولاية زعيماً للحزب الجمهوري لا يجرؤ سوى قلة على تحديه.

والشعبوية الآن في عزها، حيث “اعتنق الملايين دجل الشعبويين، وأوصلوا ترمب إلى الرئاسة” كما قال فرانسيس فوكوياما في مقال نشرته “فورين أفيرز”.

وما لم يتغير في رأيه، هو “الظروف السياسية التي أدت إلى الانحلال السياسي وإبقاء الحكومة في قبضة مجموعات النخبة القوية التي تشوه السياسة لمصلحتها الخاصة وتقوض شرعية النظام”. والأخطر “الانتقال من الخلافات على مسائل سياسية إلى صراعات حول الهوية”.

ومن هنا مفارقة “قمة الديمقراطيات” التي دعا إليها الرئيس جو بايدن أكثر من مئة دولة، في حين أن الديمقراطية الأميركية في محنة.

وأقل ما في المحنة امتناع ترمب والتيار الذي يحمله عن الاعتراف بنتائج الانتخابات والانخراط في أسوأ هجوم على مبنى الكونغرس. لكن مقاومة التغيير الديمغرافي مهمة مستحيلة.

و”الاستقطاب الداخلي يقلل من صدقية أميركا في العالم” كما تقول أستاذة العلوم السياسية راشيل ميربت. حلفاء أميركا وأصدقاؤها حائرون. وأعداؤها وخصومها يبالغون في الاطمئنان إلى أن التغيير الديمغرافي في أميركا يفتح لهم نافذة فرصة لتسجيل الانتصارات. وما أكثر الانتصارات التي هي عملياً هزائم.

 

Back to top button