” حلم جميل”.. مسرحية لا تستيقظ منها

النشرة الدولية –

كتب صموئيل نبيل أديب –

تشعر أن المخرج المصرى : إسلام إمام يستيقظ صباح كل يوم ليفكّر كيف أُبهر الجمهور.. فبين إبداعه في مسرحية المتفائل إلى حفل افتتاح وختام المهرجان القومي للمسرح المصري.. . وصل بنا إلى المسرحية  الكوميدية المضحكة   “حلم جميل”..

المقتبسه عن فيلم قديم لشارلي شابلن..

ومن بطولة سامح حسين، سارة درزاوي، عزت زين، أحمد عبد الهادى، رشا فؤاد، جلال هجرسي، ومجموعة من شباب المسرح الكوميدى.

القصة التي ابتدأها المؤلف بحفل خيري  غنائي سنة 1945 لمساعدة الفقراء  في مشهد كوميدى أوضح  تعالي وتكبّر الأغنياء المفترض أنهم هم من يساعد الفقراء.. ليظهر بعدها( سامح حسين / الفقير)  صاحب القلب الطيب الذي يتقابل مع بائعة الورد الجميلة( سارة درزاوى ) و لكنها للأسف عمياء… تبيع الورد و لكنها لا تراه.. فيتعلق بها قلب( سامح )

و خصوصا لأنها ظنت انه من الاغنياء المتواجدين بالحفل.. و تدور العديد من المواقف الكوميدية في محاولة( سامح ) أحكام كذبته كغني.. حتى منتصف الليل عندما ترحل هي فيدخل الحديقة سكير ( عزت زين) في دور شخص غني كل مشكلته في الحياة  أنه يمتلك العديد من القصور و يشعر دائما بالحيرة.. و بسبب سكره يتعرف على( سامح ) و يخبره أنه قرر أن يخدم الفقراء بنقوده و يجب على( سامح ) أن يوصله إلى فقراء … و بعد العديد من المواقف الكوميدية و الاستعراضية  يستيقظ سامح في قصر الباشا ( عزت زين)  لنكتشف أن الباشا  إنسان قاسي متجبر يكره الفقراء و إن ما فعله بالأمس لم يكن إلّا بسبب السكر.. وتنقل الأحداث لنكتشف أن( سارة درزاوى) يمكنها أن تبصر مرة أخرى و لكن بجراحة ستكلّف 200 جنيه… فيقرر( سامح ) أن يحصل على المبلغ بأي شكل… وتتوالى الأحداث التي تؤدي إلى سجنه تضحية منه فداء لمحبوبته…  و تتوالى الأحداث

– كالمعتاد قدّم  الفنان ( سامح حسين)  السهل الممتنع  في أسلوب جمع بين أداء شارلي شابلن الصامت في تحركاته .. و نبرات و حركات  الراحل “اسماعيل ياسين” الطيبه .. ففي مشاهد متنوعه لو  أغمضت عينيك و استمعت إليه فستشعر أنك تستمع إلى نبرات صوت اسماعيل ياسين في فيلم المليونير  بشخصيته الطيبة المنكسره  …

و استطاع أن يستخدم  ليس فقط ملامح وجهه و لكن أيضا طبقات صوته    بطريقه أجبرتنا أن نبكي معه في مشهد السجن و أن نشعر بمرارة الألم والحاجة

– اكتشاف المسرحية بالنسبة لي كان في الممثلة  المبدعة ( سارة درزاوى ).. التي عرفها الجمهور العربي كبطلة مسرح مصر في دور  الفتاة الجميلة .. و لكن هنا قدمت أوراق اعتمادها  كممثلة قديرة  فقد أدّت دور الفتاة العمياء ببراعة  تستحق الذكر..  إذ أنه واحد من أصعب أدوار التمثيل هو أن تؤدي دور أعمى( وأنت عيناك مفتوحة بدون ارتداء نظارة سوداء) وأن تجبر حدقة عينك على عدم التحرك يميناً ويساراً  بالرغم من تحركك على خشبة المسرح.. و حيث يسهل تشتيت الممثل  بسبب المشاهدين و أصواتهم و تحركاتهم..

إلا أنها استطاعت وببراعة أن تثبت حدقة عينها في مستوى ثابت  لا يتحرك… وهذه براعة و قدره تحسد عليها… كما أنها نجحت و بتفوّق   في استخدام طبقة صوتها التي ترتفع فجأة في مشاهد الغضب بطريقة أضحكت الجمهور لتثبت أنها ليست فقط فتاة جميلة و إنما أيضا  ممثلة قديرة..

– على خشية المسرح صال الممثل  و المخرج القدير  ( عزت زين ) ( مواليد 1958 و الذي يمثل منذ أن كان في السابعة من عمره ) ليبدع في واحدة من أصعب الأدوار المركبة في شخصية الباشا.. الذي ساعدته ملامح وجهه و نبرات صوته و بنيته الضخمة  على إقناعنا بأننا أمام باشا من باشوات  الزمن الماضي.. الباشا الطيب الحائر الراغب  في مساعدة الفقراء وقت  سُكره .. . لينقلب بعدها جبّاراً متكبّراً  يرفض  حتى مساعدة بائعة الورد العمياء. ..حتى إن قمة إبداعه كان في مشهدين

الأول و هو يقطع ورقة النقود(مئتي جنية)  رافضاً أن يساعد بها بائعة الورد مفضلاً أن يُمزّق النقود ولا يساعد بها أحداً.. و المشهد الذي  يليه مباشرة  بعد أن شرب الخمر وسكر و تحول إلى شخص طيب يبكي  من أجلها و يتهم العالم بالقسوة على ترك المسكينة بدون علاج…

مشهدان استطاع فيهما أن يقنعنا كجمهور بقدرته على تجسيد المتناقضات بحرفية بالغة  متشبها بالقدير زكى رستم..

–  النص  تأليف طارق رمضان. الذي استطاع أن يقدّم معالجة جديدة جداً للفيلم  القديم . بمقدمة كوميدية  رائعة و تسلسل  منطقي للأحداث.. و استخدم الكلمات البسيطه و السهله و لم يقع في فخ استخدام كلمات قديمة ليناسب عصر القصه..

– كالمعتاد أبدعت المتميزة  نعيمة عجمي( الفائزة بجائزة في المهرجان   القومى للمسرح في دورته الأخيرة )  في تصميم الملابس المناسبة للفترة الزمنية  من «الساتان والدانتيل».واعتمدت الألوان الزاهية كالأصفر، والأزرق.. و الوردي  المنقط بالأبيض الذي ظهرت به( سارة في المشهد الأخير ) و هو من الموديلات المشهورة خلال هذه الفترة..

و إن كان هناك عتب وحيد فقط  أن( حذاء سامح كان من الكوتشي و هو ما لا يناسب العصر وقتها)

–   الديكور من  أعمال  حازم شبل  الذي قدم ديكورات نستطيع أن نصفها بالممتازه.. فالمسرحيه اعتمدت على  مشاهد رئيسية هي:

( مشهد الحديقة – مكان المولد – بيت نجيب باشا – داخل السجن – المستشفى – كشك الورد في الحديقة )

و قد استطاع ببراعة استخدام الخلفيات المتحركه في سرعة استبدال المشاهد التي كانت مصنوعة  بدقة كبيرة و خصوصا  مشهد الحديقة ذات التمثال الضخم… بل و استحق تصفيق المشاهدين في مشهد المستشفى حيث صنع خلفية( ستارة ) مزدوجة الصورة.. إذ مع استخدام الاضاءه الأمامية تظهر لنا جدران المستشفى ذات اللون الرمادي الساده.. و لكن بعد نجاح عملية عيون( ساره ) تظهر نفس الخلفية في شكل   حديقه و شمس  و قوس قزح وذلك عن طريق إسقاط إضاءة من الخلف.. و هي براعة فنية تستحق الإعجاب و التقدير

– موسيقى هشام جبر  ، و أغاني طارق علي   أيضا قدما شكلاً رائعاً من النغمات الهادئة المناسبة للفتره الزمنية

– الإضاءة كانت أكثر من جيدة،  باستخدام خلفية المسرح السوداء كأساس العمل لتوحي بظلام النفس البشرية.. مع تركيز الإضاءة  القويه على الابطال الطيبين( سامح / ساره ) و

و الإضاءات بأشعة القمر في ليل الحديقة و الإضاءة الصفراء القوية في قصر الباشا…و إبداعه في مشهد المستشفى إضاءة الخلفية المزدوجة

– في النهاية نعترف أن إبداع إسلام إمام في هذه المسرحية كان رائعا

. استطاع توظيف كافة أدوات المسرح بشكل ممتاز لكي يقدّم مسرحية كوميدية غنائية واستعراضية بشكل محترم وراقىٍ.. و كما اعتدنا منه على الاهتمام بالتفاصيل الدقيقه للعمل فحتى ملابس كل ممثل (  فى دور الفقراء ) كانت مختلفة عن الممثل  الآخر على عكس المعتاد من الاستسهال في عمل ملابس موحدة .. وغيرها من التفاصيل الدقيقة التي تخبرك أنك أمام مخرج قدير يمتلك كافة أدوات الإخراج.

زر الذهاب إلى الأعلى