مجلس التعاون ودوره الاصلي
بقلم: خيرالله خيرالله
النشرة الدولية –
مع الوقت، مع مرور أربعين عاما ونصف عام على قيامه، يؤكد مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة أنّه كان ولا يزال ضرورة للمنطقة ولاستقرارها وذلك على الرغم من التجاذبات الداخليّة التي تعرّض لها أخيرا. في أساس تلك التجاذبات، التي يبدو واضحا أنّها خفت الى حد كبير، التباين في المواقف مع قطر التي تعتمد سياسة خاصة بها تميل بوضوح الى السير في خط تنظيم الاخوان المسلمين الذي لعب، ولا يزال يلعب، دورا في زعزعة المجتمعات العربيّة من داخل.
تشير القمة الأخيرة لدول مجلس التعاون، التي انعقدت في الرياض، إلى وجود ميل في اتجاه استعادة المجلس لدوره الأصلي في ما يتعلّق بتشكيل مظلّة حماية لدول المنطقة كلّها كي يتصدر همّ التنمية ومواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين أولوية لدى الدول الست.
اذا كان همّ ترسيخ الاستقرار وتأكيد ان امن الخليج واحد العنوان الأساسي للقمّة، فما لا يمكن تجاهله انّها كانت مناسبة كي يؤكّد مجلس التعاون ان لديه القدرة على تسمية الأشياء بأسمائها، خصوصا عندما يعلّق الامر بالتعاطي مع “الجمهوريّة الاسلاميّة” الايرانيّة. لم يتردّد المجلس في البيان الختامي الصادر عن القمّة في ادانة ممارسات ايران في المنطقة عبر ميليشياتها المذهبيّة. قال في هذا المجال: “دان المجلس الأعلى (القمّة) استمرار إيران في دعم الجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية في العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها، ما يهدد الأمن القومي العربي ويزعزع الاستقرار في المنطقة، ويعيق عمل التحالف الدولي لمحاربة داعش”.
دخلت القمّة الخليجيّة في تفاصيل العلاقة مع ايران وطالبت الدول الست بان تكون طرفا في ايّ اتفاق في شأن ملفّها النووي. في الأصل، تأسّس مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة في أبوظبي في ايّار – مايو 1981 من اجل توفير حماية جماعيّة للدول الستّ من آثار الحرب العراقيّة – الايرانيّة التي استمرت بين 1980 و1988. لعب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الرجل صاحب الرؤية الاستثنائية، دورا كبيرا في ولادة مجلس التعاون. كان الهمّ الدائم لدول الخليج الّا تتأثر بتلك الحرب خصوصا انّ ايران عملت، وقتذاك، كلّ ما تستطيع من اجل توسيع اطارها. استطاعت الديبلوماسيّة الكويتيّة لاحقا بفضل امير الدولة الشيخ جابر الأحمد ووزير الخارجيّة الشيخ صُباح الأحمد (الأمير لاحقا)، اقناع اميركا والاتحاد السوفياتي برفع علميهما على الناقلات الكويتية في مياه الخليج بعدما بدأت ايران بمهاجمتها…
تجاوزت الجرأة في الموقف الخليجي موضوع ايران. امتدت الجرأة الى شمال افريقيا حيث يمارس النظام الجزائري عدوانيّة موصوفة في تعاطيه مع المغرب. كانت الرسالة الخليجية الى النظام الجزائري في غاية الوضوح وذلك بتشديدها على “مغربيّة الصحراء” من جهة وعلى الشراكة مع المغرب من جهة اخرى. قال البيان: “أكد المجلس الأعلى أهمية الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين مجلس التعاون والمملكة المغربية، وتنفيذ خطة العمل المشترك، ومواقفه وقراراته الثابتة الداعمة لمغربية الصحراء، والحفاظ على أمن المملكة المغربية واستقرارها ووحدة أراضيها، مشيداً بقرار مجلس الأمن 2602 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بشأن الصحراء المغربية”.
في طبيعة الحال، كانت هناك فقرة مخصصة للأردن الذي هو امتداد للأمن الخليجي. جاء في تلك الفقرة: “أكد المجلس الأعلى أهمية الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين مجلس التعاون والمملكة الأردنية الهاشمية، ووجّه بتكثيف الجهود لتنفيذ خطط العمل المشترك التي تم الاتفاق عليها في إطار الشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون والمملكة الأردنية الهاشمي”.
كشفت دول مجلس التعاون، بين ما كشفته في البيان الختامي الصادر عن قمّة الرياض العجز اللبناني. أبدت مدى حرصها على لبنان، لكنّها أبدت في الوقت ذاته مدى اليأس من لبنان في ضوء وقوعه تحت هيمنة “حزب الله”، أي ايران. قال البيان الختامي للقمّة: “أكد المجلس الأعلى تضامنه الثابت مع الشعب اللبناني الشقيق لتحقيق كل ما من شأنه أن يحفظ للبنان أمنه واستقراره، ودعوة الأطراف اللبنانية لتحمّل المسؤولية الوطنية، لتحقق الأمن والاستقرار والتنمية، كما عبّر المجلس الأعلى عن أسفه لاستمرار التصريحات المسيئة تجاه دول مجلس التعاون وشعوبها، ما يتنافى مع عمق العلاقات التاريخية الأخوية بين لبنان ودول المجلس”. وطالب المجلس الأعلى لبنان بـ”اتخاذ كلّ الإجراءات الكفيلة بالإصلاحات الشاملة ومكافحة الفساد، وبسط سيطرته وسيادته على مؤسساته كافة، ومنع حزب الله الإرهابي من ممارسة نشاطاته الإرهابية واحتضانه ودعمه للتنظيمات والميليشيات الإرهابية المزعزعة للأمن والاستقرار في الدول العربية لتنفيذ أجندات دول إقليمية”.
لم ينس الخليجيون سوريا ومأساتها. واضح ان هناك اجماعا على ضرورة الحلّ السياسي، استنادا الى مبادئ مؤتمر جنيف الرقم 1 والقرار 2254 الذي يدعو الى مرحلة انتقالية. لكنّ هناك قلقا واضحا من ممارسات ايران عبر “رفض أي محاولات لإحداث تغييرات ديموغرافيّة في سوريا”. كذلك كان لافتا غياب أي إشارة الى روسيا. ليس سرّا من يحدث مثل هذه التغييرات. ليس سرّا أيضا ان مجلس التعاون قلق على سوريا، بسبب ايران، مثلما هو قلق على العراق حيث دان محاولة الاغتيال التي تعرّض مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء في السابع من تشرين الثني – نوفمبر الماضي.
من فلسطين، وتأكيد حقّ الفلسطينيين بدولة، الى اليمن… الى عدد الصواريخ التي اطلقها الحوثيون في اتجاه المملكة العربيّة السعودية، وعددها 423، لا لبس في موقف مجلس التعاون. فقد ورد في البيان الختامي “الحق المشروع لقيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن في اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة وتنفيذها للتعامل مع هذه الأعمال العدائية والإرهابية، وضرورة منع تهريب الأسلحة إلى هذه الميليشيات (الحوثيّة)، ما يشكل تهديداً لحرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر”. أشاد البيان بـ”كفاءة قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي في اعتراض تلك الصواريخ والطائرات، والتصدي لها، والتي بلغت أكثر من 423 صاروخاً باليستياً، و834 طائرة مسيّرة مفخخة، و98 زورقاً مفخخاً”.
حصيلة قمّة الرياض السداسيّة انّ مجلس التعاون استطاع تطوير نفسه على الرغم من كلّ ما واجهه داخليا. تبدو هذه القمّة خطوة في الاتجاه الصحيح وفي تأكيد ان امن الخليج كلّ لا يتجزّأ.