قالب ثلج الشاه رضا
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

لدي قناعة شبه مؤكدة بأن غالبية من يسمون بالمعارضة، وكبارهم بالذات، لم يتورطوا في أية سرقات او اختلاسات من المال العام، وهذا أمر يشكرون عليه! كما يستحق الشكر أي إداري قيادي في الدولة على استقامته، ونظافة يده، بالرغم من أن «هذه الأمانة» يفترض أنها تحصيل حاصل، ولكن بسبب ندرة هؤلاء «الشرفاء» فان شكرهم والإشادة بهم يصبح أمراً ضرورياً لتشجيعهم على الاستمرار على أمانتهم.

***

يعتقد الجميع تقريباً بأن مشكلة الكويت، أو مشكلة الإدارة الحكومية تكمن في الفساد، المتمثل بقوة في سرقة المال العام، كما فعل سارق التأمينات وقبله سارق الناقلات ومؤخراً سارق الصناديق وسارق الرمال! ولكن هذا ليس دقيقاً في كل الأحوال، والأوحال.

فسرقات هؤلاء غالباً ما يكون لها سقف، وتنكشف غالبيتها وتصدر بها أحكام، ويتم استرجاع بعض ما سرق أو يسجن السارق الفاسد، أو يتعرض لمهانة وبهدلة الغربة وسوء السمعة له ولأسرته.

ولكن ماذا عن السرقات الأكبر والأعظم، وهي غير المرئية، مثل سرقة «مشروع الداو» الذي كلف المال العام ما يقارب المليار دينار، من غرامات ودراسات واستشارات وغير ذلك، ولو كُلفت عشرات لجان التحقيق، ومن يمتلكون الضبطية القضائية لما توصلوا للحقيقة ومن الذي تسبب في الخسارة وضياع ذلك المبلغ الرهيب، من دون ان يكون في الأمر سرقة او اختلاس كلاسيكي!!

***

وقصة سرقة الداو غير المرئية ذكرتني بقصة شاة إيران، الأب، مع أحد مسؤولي وزارة الخزانة الأميركية، الذي اشتكى من المساعدات الأميركية لإيران، خاصة تلك المدفوعة لإنجاز مشاريع حيوية، وكيف أن ما كان يرصد لها كان يختفي ويبقى المشروع معطلا، وضرورة الاقتصاص من السراق!

فكان رد الشاه «رضا» فريداً، وأصبح «كلاسيكياً» في تفسير ما يعنيه الفساد الإداري الخفي، حيث قال ان المساعدة الأميركية تشبه «قالب الثلج» فهو يتلقاه بيديه من أميركا ويسلمه ليد رئيس الوزراء، الذي يقوم بدوره بوضعه بيد وزير المالية الذي يعطيه ليد مدير المشروع، ويكون حينها قد وصل حجمه، بالذوبان الطبيعي، نتيجة تنقله من يد ليد، لنصف حجمه الأصلي، وهذا هو الفساد الإداري والهدر الحقيقي الذي لا يمكن رؤية ومحاسبة أحد عليه!

ومثال ذلك أيضاً ما بينته الكثير من الدراسات في دول العالم الثالث، من أن السارق الأكبر في الدولة هو الموظف الذي لا يأتي لعمله في الوقت، والذي يحرص على المغادرة قبل انتهاء الدوام، ويتسبب أمثال هؤلاء في ضياع ملايين ساعات العمل من المال العام، هذا غير أولئك الذين يؤخرون أو يعرقلون، سهواً أو عمداً، معاملات عشرات آلاف المراجعين، ويتسببون في خسارة الاقتصاد لمليارات الدنانير سنوياً، من دون أن يكون أحدهم «سارقاً حقيقياً»، بالمعنى السائد. هؤلاء هم «السراق» الحقيقيون، الذين لا تمكن محاسبتهم ولا تجريمهم، ولا إدانتهم ولا حبسهم، فسرقاتهم، بالرغم من أنها الأخطر والأكبر، إلا أنها مخفية لا يمكن الإمساك بها، بسهولة!

 

زر الذهاب إلى الأعلى