3 موظفين فقط في هيئة مكافحة الفساد اللبنانية!
بقلم: باتريسيا جلاد

النشرة الدولية –

نداء الوطن –

لم ينطلق بعد عمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد فعلياً في كل الصلاحيات المناطة بها، بل يقتصر عملها على تلقّي تصاريح براءة الذمّة، بسبب عدم توقيع مجلس شورى الدولة على نظامها الداخلي والذي مضى عليه 6 أشهر في أدراجه والذي سيتبعه تشكيل فريقها الإداري.

10 مليارات ليرة الميزانية المرصودة للهيئة في الموازنة العامة، علماً أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تسلّمت الأسبوع الماضي نحو ملياري ليرة لتصريف امورها وتسديد الرواتب.

«نداء الوطن» زارت مركز الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في مبنى وزارة الثقافة السابق في شارع مدام كوري الذي يعمل فيه 3 موظفين بالإعارة (من دون مباراة) من فائض الإدارات، والتقت عددأ من أعضائها وحاورت رئيسها القاضي كلود كرم حول المهام الموكلة اليها ونطاق عملها والأسباب التي تحول دون إدارة محرّكاتها بكامل صلاحياتها لتتمّ المساءلة والمحاسبة والحدّ من سرعة قطار الفساد الذي لا يزال سارياً.

مرحلة ما قبل تشكيل الهيئة

وقبل الشروع في تفاصيل عمل الهيئة، عاد «الريّس» كرم الى التحضيرات التي سبقت إقرار قانون إنشاء الهيئة، فقال «بعدما أقرّت الإتفاقية الدولية لمكافحة الفساد في الأمم المتّحدة، انضمّ لبنان اليها في العام 2009، ومنذ ذلك التاريخ دخل مشوار تهيئة الأرضية لطرح الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في لبنان أو للقوانين الإصلاحية وضمنها القانون رقم 175/2020.

في العام 2011 شكّل رئيس الحكومة وكان وقتها نجيب ميقاتي لجنة وزارية لإعداد الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي شكّل إعداد الهيئة الوطنية بندها الأساسي. فتمّ تشكيل لجنة فنّية برئاسة وزير التنمية الإدارية راحت تنعقد دورياً، فانبثقت منها لجان عمل اعدّت العدّة لإعاداد القوانين الإصلاحية وتنظيم إنشاء الهيئة لحين صدور القانون في العام 2020».

إلا أن صدور القانون في العام 2020 بحسب القاضي كرم «لم يتبعه تشكيل الهيئة بشكل فوري بل استغرق بعض الوقت لأن عملية تشكيلها ليست بالمسألة السهلة فتمّ تحديد أعضائها الستة لضمان استقلالية كاملة لها. عضوان من الستة ها قاضيان يعيّنان بمنصب الشرف وينتخبان من كل قضاة لبنان بشكل مستقلّ عن السلطة التنفيذية. وتأجّلت الإنتخابات مرّات عدّة بسبب كورونا وأزمات شحّ المحروقات التي توالت، فكانت الدعوة الثالثة ثابتة وجرت الإنتخابات.

بعدها انكبّ الأعضاء على إعداد النظام الداخلي الذي أنجز وأودع في مجلس شورى الدولة، فارتأى الأخير ضرورة أخذ رأي مجلس الخدمة المدنية ووزارة المالية قبل التوقيع عليه نظراً الى الإستقلالية التي يجب ان يتمتّع بها نظامها المالي وتشكيل الهيئة الإدارية الخاصة بها، إلا أن إضراب الموظفين وانتشار جائحة «كورونا» حالا دون دراسته والإفراج عنه. علماً ان رأي أو توقيع مجلس شورى الدولة على النظام الداخلي للهيئة وحده كاف».

وتبرز اهمية الموافقة على النظام الداخلي من مجلس شورى الدولة بحسب القاضي كرم في التمكّن من «تشكيل جهاز الهيئة الإداري الخاضع لنظام الموظفين كما ارتأى رئيس الجمهورية في الملاحظات التي أبداها».

ويتمّ تشكيل الجهاز الإداري المستقلّ من أعضاء الهيئة، ويضمّ بين 50 و 80 شخصاً نظراً لكثرة المهام والصلاحيات الموكلة اليها، وذلك من خلال الإعلان عن مباراة بواسطة مجلس الخدمة المدنية لاختيار الأكثر كفاءة منهم بمعزل عن «الحسابات» الطائفية. كون موظف الفئة الأولى الذي يعتمد على اساسه التوازن الطائفي هو واحد. علماً أنه على العاملين في الهيئة ان يكونوا متفرّغين بالكامل لعملهم».

وفي الأثناء ولحين توقيع مجلس شورى الدولة على النظام الداخلي حول إمكانية تأمين موظفين إضافيين من فائض الإدارات العامة للهيئة قال كرم «إذا تمّ توفير 10 او 15 موظّفاً من فائض الإدارات العامة إضافة الى الثلاثة الموجودين حالياً، يمكننا ان نقوم بعملنا».

تلقي تصاريح براءة الذمّة المالية

وتقوم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد حالياً في ظّل عدم الموافقة بعد على نظامها الداخلي الذي يحدّد أصول تعيين أمينها العام والجهاز الإداري ومهامه، لانطلاقها بكامل الصلاحيات المعطاة لها، بتلبية تصاريح الذمّة المالية والمصالح بعد تعديل القانون في تلك التصاريح. ويقول كرم «حتى أنه خلال الإنتخابات النيابية تسلّمت الهيئة تصاريح 128 نائباً، ولديها اليوم نحو 200 او 300 تصريح براءة ذمّة يمكن البناء عليها في عملها باعتبار أنها لا تتحرّك بناءً على شكوى فقط بل عفواً حتى من دون إخبار لمباشرة إستقصاءاتها في الموضوع وتتأكّد اذا كانت التصاريح صحيحة، والثروة غير مضخّمة منذ بداية مسار المستخدم الوظيفي».

ويلفت «الريّس» الى أنه «من المفترض على كل مسؤول في الدولة سواء كان سياسياً أو إدارياً ويتولّى مهام بمستوى محدّد أن يصرّح عن ذمّته المالية عند تولّيه مهمّة عمله والشركات التي لديه لعدم تضارب المصالح». مشيراً الى ان «التصريح المقدّم له طابع سرّي اذ يوقّع عليه ويكون مقفلاً ويودع في مصرف لبنان إلا في حال تمّ رفع دعوى على المصرّح عن ذمّته. حتى أن أعضاء الهيئة الستة يجب أن يصرّحوا عن ذمّتهم المالية، على ان يتمّ إدراج نموذج التصريح في مرحلة لاحقة عبر الموقع الإلكتروني من دون تكبّد عناء القدوم الى مركز الهيئة لإيداعه لديها. وهذا الأمر يتمّ العمل عليه بمساعدة الـUNDP والإتحاد الأوروبي، وقد يتمّ تفعيله في بداية السنة المقبلة».

وشدّد على أن «أعضاء الهيئة الوطنية فقط يمكنهم الإطلاع على مضمون التصريح المقدّم اليها والتدقيق به والمقارنة بين التصريح المقدّم اليوم وقت تولّي المهمة وذلك المقدّم بعد 3 سنوات استناداً الى القانون الجديد على أن يودع تصريح ثالث عند انتهاء مهمّة العمل».

إلى متى؟

 

تحضير ملفات وتلقي شكاوى واستقصاءات

اذاً أضافة الى تلقّي الكشوفات من خلال مديرية خاصة بها تحضّر الملفات وتتلقّى الشكاوى وتقوم بالإٍستقصاءات. وتُناط بالهيئة كما جاء في القانون رصد وضع الفساد وكلفته وأسبابه وجهود مكافحته والوقاية منه في ضوء القوانين النافذة والسياسات المعتمدة، إبداء الرأي عفواً او بناءً لطلب المراجع المختصّة في التشريعات والمراسيم والقرارات ومشاريعها والإستراتيجيات المتعلقة بمكافحة الفساد والوقاية منه.

كما تناط بها حماية كاشفي الفساد، وفي هذا السياق يوضح رئيس الهيئة أنه يمكن تحفيزهم وفق أحكام القانون عند تحصيل عائدات بنسبة تصل الى 5% وذلك يعتمد على المعلومات التي تم تزويدهم بها من الكاشف والإفادة التي تحقّقت.

ويمكنها من خلال مديرية تلقّي التصاريح إستلام الشكاوى المتعلقة بعدم تطبيق قانون الحقّ في الوصول الى المعلومات لتامين الشفافية. فكل مواطن له الحقّ بالطلب من اي إدارة معلومات وعند الرفض يتقدّم بشكوى أمام الهيئة الوطنية التي يصبح لديها صلاحية شبه قضائية للبت بالشكوى وإعلامه اذا كان محقّاً أم لا في مطلبه هذا.

كما على هيئة التحقيق في الشكاوى المقدّمة اليها إصدار القرارات بشأنها وإبداء المشورة للسلطات المختصّة حول تنفيذ القانون ووضع تقرير سنوي بشأنه ونشره والمشاركة في تثقيف المجتمع لترسيخ هذا الحق. كذلك تمارس مهامها في إطار مبادئ الحوكمة الرشيدة وتتعاون مع الإدارات والمؤسسات العامة وهيئات المجتمع المدني والقطاع الخاص والإعلام مع المنظمات الإقليمية والدولية ونظرائها في الدول الأخرى.

كيف تتحرّك الهيئة من ضمن صلاحياتها؟

«تتمتّع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بصلاحية استقصاء جرائم الفساد عفواً أو بناءً على ما تتلقاه من كشوفات»، استناداً الى القاضي كرم، ولها أن تطلب مساعدة الضابطة العدلية ومعاونيها لجهة الحصول على المعلومات المتوافرة لديها مع الاحتفاظ بسرّيتها.

وإذا ارتأت الهيئة خلال الإستقصاءات أنه من الضروري التحقيق في حسابات مصرفية معيّنة لها أن توجّه طلباً معلّلاً الى «هيئة التحقيق الخاصة» المنصوص عليها في القانون المعجل رقم 44/2015 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب لتمارس صلاحياتها المنصوص عليها في القانون المذكور. وفي حال قررت هيئة التحقيق الخاصة رفع السرية المصرفية عن الحسابات المعنية، تبلغ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد».

هل صلاحياتها «إستدعائية» و«تحقيقية»؟

ومن مهام الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أيضاً بنتيجة أعمال الإستقصاء عن شخص مشكوك فيه وبعد استدعائه الى مكاتبها لمساءلته عن المعطيات التي لديهه عن مصدر امواله وحقيقة المعلومات التي لديها، أن تقوم بالتالي كما أوضح القاضي كرم: «إما بحفظ الملفّ إذا تبيّن انه لا يستدعي الملاحقة، أو الإحالة الى النيابة العامة المختصّة، أو الإدّعاء مباشرة أمام القضاء المختصّ للمطالبة بمعاقبة المرتكبين والحكم بالإلتزامات المدنيّة لصالح الدولة. كما يمكن للهيئة التقدّم بالدعاوى والمراجعات اللازمة أمام الجهات القضائية او الإدارية المختصّة للمطالبة بإعادة الحال الى ما كانت عليه واسترداد الأموال والتعويضات».

وعن بداية عملها الإستقصائي فور التوقيع على نظامها الداخلي، قال إن «الهيئة ستبدأ بالقطاعات مثل الإتصالات والكهرباء… وهي من القطاعات التي ينخرها الفساد. ويقتصر عملها طبعاً على القطاعات العامة إلا إذا كانت هناك شراكة مع القطاع الخاص.

كورسون: الفساد يزداد في لبنان

أوضح المدير التنفيذي للجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية «لا فساد» جوليان كورسون لـ»نداء الوطن» أن «لبنان سجّل من العام 2012 الى 2021 في مؤشّر مدركات الفساد الذي يصدر سنوياً عن منظمة الشفافية الدولية، تراجعاً في العلامات». ولفت الى أنه «في ظلّ عدم وجود تدابير إصلاحية جدّية من قبل المسؤولين، من غير المرتقب أن تتحسّن علامة لبنان للسنة الجارية في التقرير الذي سيصدر عن منظمة الشفافية الدولية خصوصاً وأن قانون الشراء العام والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد اللذين تمّ إقرارهما لا يعملان بشكل فعّال».

استعادة الأموال المنهوبة أمر ممكن… لكنه صعب

في ما يتعلق باستعادة الأموال المنهوبة والمهربة الى خارج لبنان أشار القاضي كلود كرم ألى أنه «يمكن ملاحقتها ولكن العملية محفوفة بالصعوبات وتستغرق وقتاً للتوجه الى النيابات العامة في لبنان التي تراسل النيابة العامة الموازية لها في الخارج في أي بلد أجنبي، التي سستبحث سبل الملاحقة وإصدار الأحكام وإعطاءها الصيغة التنفيذية والمطالبة بها من قبل الهيئة الوطنية اللبنانية. ويمكن بناء على النتيجة رفع دعوى وحجز وتجميد الأموال في المصرف مثلاً، كما يمكن التوصّل الى حلّ حبي مع المدعى عليه لاسترجاع نصف المبالغ مثلاً بدلاً من استرجاعها بعد 10 أو 15 سنة».

زر الذهاب إلى الأعلى