الهمجية والأسواني ومنتصر
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

يقول الروائي المصري علاء الأسواني، الهمجية تعني التصرف بانطلاق دون قيود أو قواعد أو قوانين، بعيداً عن الحضارة. أما المدنية فتتمثل في تملك أو تحقيق إنجازات مدنية ملموسة كالمباني والجسور والسيارات والكماليات، وغيرها. ولكن الحضارة هي سلوك متحضر من العالم، ومحكوم من منظومة أخلاقية.

 

فلو كانت هناك جزيرة يعيش عليها ناس همج، لم يكن لهم اتصال يوما بآخرين، وتم اكتشاف مادة نادرة فيها واستغلالها من شركة اجنبية فستتغير حياة هؤلاء، وتصبح لديهم كل أدوات المدنية من آلات ومركبات وبيوت وغير ذلك، ولكن سيبقون همجاً، فوسائل المدنية الجديدة لم تغير سلوكهم، وبقوا بلا حضارة.

 

وللهمجية مظاهر عدة منها الايمان بالعقاب الجماعي. فالطائفة أو القبيلة التي يقترف فرد منها جرما ما تعاقب كلها بجرمه. ومن مظاهر الهمجية أن سعادة أفرادها تكمن في لذات الحواس. فلا الموسيقى ولا القراءة ولا السعي للخير أو إنجاز مشروع تعني للهمجي شيئاً، فهو يريد الأكل وممارسة الجنس ولا شيء غير ذلك تقريباً. ومن مظاهرها أيضا موقفها من المرأة، فهي للهمجي أداة استمتاع وخدمة وطبخ ومصنع لإنتاج الأولاد، مع الاحتقار الكامل لها.

 

والمظهر الرابع للهمجية يكمن في سيطرة العاطفة على العقل. فالقائد الذي يخسر معركة خطيرة نتيجة إهماله، ويأتي ويتباكى أمام الجماهير، تغفر له الجماهير كل ذنوبه!

 

والمظهر الخامس، التعايش مع الضوضاء والميل للعنف، فالهمجي لا تعني له الضوضاء شيئا، وربما يفتقدها أحيانا. كما يميل الهمجي للعنف، والإيمان بالعقوبة الرادعة، وتقطيع المجرم قطعة قطعة، وهذا نوع من الاضطراب في السلوك الذي لا يتسق مع الحضارة.

 

المظهر السادس يكمن في أن الحقيقة لها وجه واحد. فمنذ الصغر يتعلم الهمجي أن كل ما يقوله الرئيس أو الأب صحيح. وكل من يختلف أو يخالف يعاقب، فعقيدة الجماعة هي الصحيحة، وملابسهم هي الأنسب وطعامهم هو الأفضل، فلا حقيقة غيرها.

 

أما المظهر الأخير للهمجية، حسب وجهة نظر الأسواني، فيكمن في الميل الشديد لاستعمال القانون بدلا من تطبيق القانون، أي أن ننظر لمقترف الجريمة ونستعمل القانون معه! فإن كان منا وفينا، فلا يطبق عليه القانون، وإن كان بسيطاً ذليلاً فيطبق عليه النص.

 

طبعاً هناك مظاهر أخرى كثيرة للهمجية، لا يتسع المجال لحصرها، ولكن الطبيب والمفكر د. خالد منتصر يرى جانباً طريفاً ومؤلماً من جوانب التخلف، والذي يتمثل في الشغف الذي يبديه البسطاء عند تحول شخص، خاصة امرأة، من دين ما ولدين آخر، حيث تقام الاحتفالات وكأن روما قد فتحت، دون اكتراث بما تحدثه تلك الاحتفالات من ألم لدى الطرف الآخر، هذا غير تأثيرها السلبي في المشاعر الوطنية، وكأن المسلمين بحاجة لإسلام فرد، بالكاد يقرأ ويكتب.

 

ولو نظرنا للمقلب الآخر لوجدنا أعدادا كبيرة من المشاهير والعلماء والمخترعين والكتّاب وكبار الفنانين يتحولون من المسيحية، مثلا، وإلى البوذية مثلا، ومع هذا لا تكترث الحكومات المسيحية بترك هؤلاء لدينهم، ولا تكترث الحكومة البوذية بتحول هؤلاء العظماء لهم، فلا بكاء في الجانب الأول، ولا احتفالات في الجانب الثاني، فمتى نصبح مثلهم؟

زر الذهاب إلى الأعلى