قياس المسافة المتبقية على بوابة جهنم
بقلم: مصطفى أبو لبدة

النشرة الدولية –

في تقليدها الذي تختتم به السنة بمجموعة من الصور تراها تنطق باللغة الأممية المشتركة، اختارت صحيفة ”نيويورك تايمز“ لـ“صور العام“، 176 لقطة من مختلف أنحاء الدنيا، بينها 3 للعالم العربي على اتصال بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

الأولى بتاريخ 14 مايو من حرب غزة، للصبي محمود طلبة تحتضنه عمته، ميتاً بالقصف الاسرائيلي.

الثانية بتاريخ 3 سبتمبر من القدس ليهودي متدين يبدو من الخلف يسير بين جدارين مرتفعين موحشين، ويظهر المسجد الأقصى في أقصى الصورة بنهاية الممر.

الثالثة من بغداد في العاشر من أكتوبر لمتظاهرين في ساحة التحرير إحياءً لذكرى نشطاء سقطوا على أيدي المليشيات والشرطة.

وأشارت إلى أن حوالي 600 شخص قتلوا في التظاهرات التي انطلقت 2019 طلباً للعمل وللخدمات الضرورية.

صور العام 2021، كما اختارتها وكالة رويترز تمثل فيها العالم العربي بثماني لقطات. ظهر في إحداها صبي مغربي يسبح على قناني بلاستيكية قرب السياج الحدودي بين بلاده وإسبانيا، ليلحق بآلاف قالت الوكالة إنهم قطعوا الحدود وانتهوا بأيدي الشرطة يرفضون العودة.

مثلها صورة لمئات الهاربين بحراً من ليبيا وقد ظهر فيها رجل احترقت ساقاه وهو يحاول إطفاء حريق شب في قارب المهاجرين، وإلى جانبه ابنته وقد أصيبت مثله.

صورة أخرى من بيروت في اشتباكات ”الطيّونة“ ظهر فيها جندي يساعد طفلة تحمل على ظهرها حقيبة المدرسة وهي تبحث عن والديها.

من حرب غزة، اختارت الوكالة صور فاجعة لطفل يسحبونه من تحت الردم، ولبنانية حولها القصف الاسرائيلي الى غبار صخري متناثر، ولأُمّ تشارك في جنازة ابنها الذي قتل عند السياج الحدودي.

صورتان غير مأساويتين، من العالم العربي 2021، عرضت فيهما الوكالة لقطة فضائية لموسم عاشوراء في النجف في العراق، وأخرى لشباب أكراد في مدينة دهوك شمال العراق وهم يحتفون بنجاحهم في إطلاق سراح دُبّ كان محتجزاً في أحد البيوت.

مجلة تايم الأمريكية، في اختيارها صوراً للعام 2021، خصت ليبيا بلقطة ملفتة لواحدة من المقابر الجماعية التي، كالعادة، تغيب عنها شواهد الأسماء.

وكالة بلومبيرغ الاقتصادية الأمريكية، في تقليدها السنوي الذي تنشر فيه قائمة بخمسين اسماً (من غير السياسيين) حققوا خلال العام المنتهي اختراقات علمية أو طبية أو ثقافية أو إدارية تستحق الاحتفاء على المستوى الأممي، لم تجد هذه السنة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منْ تدرجه في القائمة.

جواباً، غير مقصود، على هذا المشهد العربي كما يراه ويتعامل به العالم في جردة الحساب السنوية، جاء في تقييم البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط بأنها إقليم ”مُختلّ“..

مُختل بمعنى أن تراكيبه تعمل فرادى، بغير اتساق، فيأتي صوت التنمية قرقعةً بأداء متراجعٍ يشكل بيئة نموذجية للعنف ومختبراً للأمراض النفسية التي فاقمتها جائحة كورونا.

في تقريره الأخير، شبه اليائس، يراهن البنك الدولي على مساعدة بلدان الشرق الأوسط في تحديات ما أسماه ”اجتياز طريق لم يسبق لها السير فيه، من أجل معالجة عقود اليأس وخيبة الأمل التي كانت دفعت الكثيرين من أهله للنزول الى الشوارع مرتين خلال السنوات العشر الماضية.

هي تحديات مركبة يصفها البنك الدولي بأنها لا يمكنها الانتظار، كونها اختلالا في النظام الاجتماعي والاقتصادي، على نطاق لم نشهده في ذاكرتنا الحاضرة.

عدم ثقة الناس، عموماً في الشرق الأوسط بالمؤسسات الدولية ومنها البنك الدولي وتقاريره، لا يقلل من وطاة الأرقام حين ترصدها جهات اختصاص، وبالذات في الجوانب السوداء من لوحة الشرق الأوسط كالفساد وهجرة الأوطان ومعدلات القتل والانتحار، باعتبارها حيثيات يومية محسوسة ومتفاقمة.

في أحدثِ تقرير دولي عن مدركات الفساد، احتلت 5 دول عربية مراكز ضمن أعلى 11 دولة في العالم بهذا الخصوص، علما أن تقريرا لمنظمة الشفافية الدولية كان قد قدّر حجم الفساد في الدول العربية بقرابة الـ300 مليار دولار، وهو ترقيم وصف بأنه متحفظ.

آخر استقصاء للهجرة واللجوء، باعتبارها المشهد المتنقل ابتداء من اليمن والعراق وسوريا وصولاً الى أقصى الشمال الأفريقي، زعم أن نسبة الراغبين بالهجرة وصلت حدود 48%، وأن الدافع وراء ذلك هو الفساد بنسبة 44% والأمن بنسبة 29% والأسباب السياسية بنسبة 22%.

وآخر إحصائيات الانتحار بالدول العربية، تتحدث عن 29 ألف شخص، حوالي 78% منهم تنحصر أعمارهم بين 17- 40 سنة وهو رقم مشكوك في أنه رسمي مجتزأ، تدحضه الشواهد الأخيرة في لبنان والعراق، وبيانات من نوع الذي صدر في الأردن الأسبوع الماضي عن تهديد شبابي بالانتحار الجماعي طلباً للتوظيف.

الحديث عن انفجار أرقام الانتحار في العالم العربي، يأتي في العادة مصحوباً بجدل مماثل عن تنويعات الأمراض النفسية التي بعثرتها الكورونا في المنطقة، فأصبح واحد من كل أربعة يعاني من اضطرابات نفسية مردها يراوح ما بين انعدام الأمان واختلال شبكات النسيج الاجتماعي، وصولاً الى تجريف الموارد وانعدام الثقة.

هذا المشهد الشرق أوسطي في ختام 2021، الذي تأسست نسخته الراهنة قبل عقدين تقريباً بحروب من النوع الذي يبدأ ثم لا ينتهي، يغري كل صاحب مخيلة نشطة بأن يجتهد في توصيف درجات اختلاله ولزوجته وتخثّره، وفي قراءة خطوطه البيانية والتكهن بمواعيد الأسوأ المنتظر.

يوم 22 سبتمبر الماضي، عندما سئل الرئيس اللبناني ميشال عون عن الحال الوطني الذي يراوح تحت شبكة من الأزمات المستعصية، وأين نتجه، كان جوابه العفوي ”طبعا إلى جهنم“.

كان جواباً من نوع الكلمات المفتاحية للبحث.

قبلها بأيام، تصادف أن بثت منصة شاهد مسلسلاً هو الأول من نوعه في الدراما العربية بعنوان ”باب الجحيم“.

المسلسل يحكي قصة افتراضية تدور في بيروت عام 2052، وتعرض كيف يتفاعل الفساد مع اليأس ليفتحا بوابة جهنم، وبرأي كاتب القصة أن المواطن العربي العادي لن يغْلب بأن يرى نفسه فيه.

ما بين يقين رئيس دولة عربية أننا ذاهبون الى الجحيم، والرؤية الاستشرافية المثقفة بأن الموعد الافتراضي للوصول هو 2052، يبدو مغريا لصاحب مخيلة شرسة أن يجتهد في تصميم باروميتر يقيس، في آخر كل سنة، المسافة المتبقية للمنطقة للوصول إلى بوابة جهنم.

“إرم نيوز”

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى