مسلم البراك.. وسرقات المال العام
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
يقول النائب السابق مسلم البراك إنه لم يقبض أية عمولات عندما كان عضواً في مجلس الأمة، ولم يقم بغسل الأموال، ولم يستفد من صفقات الأسلحة، ولم يحرص يوماً على الاطلاع على تقارير ديوان المحاسبة، المتعلقة بشبهات الفساد، لأنه واثق من سمعته وعمله، ولم يخش من احتمال ورود اسمه فيها، فهو يعمل على المكشوف، وبشفافية.
***
لا شك لدي في صدق كل ما قاله النائب السابق «أبو حمود»، وأن لا يده ولا سمعته تلوثتا يوماً بمال الدولة الحرام، وهذا صحيح التعريف المعتاد أو الكلاسيكي للسرقة! ولكن آه، وألف آه، من «ولكن»، فالسرقة لا تتمثل فقط في «مد اليد» والاستيلاء على مال الغير أو أموال الدولة، وقبض العمولات وتبييض الأموال، بل تشمل طرقاً كثيرة أخرى أشد وأمضى ضرراً!
***
سنفترض «حسن النية» في أبوحمود، زعيم المعارضة غير المتوّج، وأنه لا يعرف شيئاً عن السرقات غير المباشرة، الأعظم والأكثر خطراً وضرراً بكثير من السرقات المباشرة. فسارق التأمينات وسراق الناقلات وغيرهم من سراق الرمال والصناديق ربما سيأتي يوم ويحاسبون على ما اقترفت أيديهم من آثام، وقد يسجن البعض منهم، وقد يسترد بعض أو كل ما قاموا بسرقته من أموال الأمة، ولكن هناك سرقات ضخمة وبالمليارات ولكن غير مرئية، شارك نواب في التسبب بها، بعلم أو بغيره، والتي لا يمكن حصر ضررها بسبب حجمها الهائل، ومنها على سبيل المثال، وليس الحصر، مئات موظفي الدولة الذين سعى هؤلاء النواب لدى الحكومة بتعيينهم في الوظائف الحكومية، فقط لكونهم من أبناء القبيلة أو الطائفة، بالرغم من افتقاد غالبيتهم لأبسط شروط التعيين، في هضم واضح لحقوق غيرهم من المواطنين، الذين قد يكونون أكثر كفاءة وخبرة منهم.
كما نتجت عن تعيين هؤلاء الجهلة أضرار أخلاقية واجتماعية كبيرة، وتسببت في تخريب نفوس الكثيرين، وأصبح ملاحظاً كم القرارات التخبطية التي اتخذها هؤلاء، والتي تسببت في وقوع كوارث إدارية وهندسية مدنية وكهربائية ومواصلاتية مخيفة، كلفت ولا تزال تكلف المال العام المليارات، وتمثل سرقة حقيقية، ولكن مخفية لأموال الدولة، ولا يمكن مقاضاة أو محاسبة من تسبب في ارتكابها!
كما سعى نواب إلى تعيين أبناء طائفتهم أو قبيلتهم في وظائف محددة في الدواوين، وهيئات الاستثمار، وصناديق التنمية، ومجلس الأمة، والقطاع النفطي، وبأعداد كبيرة، ليس لكفاءتهم، بل لأن الرواتب في هذه الجهات عالية جداً، والغالبية لا تعمل، لأن توظيفهم تم بناء على واسطات تنفيع، وليس لوجود وظائف محددة تتطلب توظيفهم!
كما تمثلت السرقات غير المباشرة لروح الدولة وقوانينها ومبادئ العدالة والمساواة في سعي النواب الحثيث إلى نقل أصوات مجاميع قبلية وطائفية كبيرة من منطقة لأخرى بغية حرمان أبناء المنطقة، التي نقلت الأصوات لها من الفوز في الانتخابات، وهذه من المفاسد الضارة والمكلفة اقتصادياً.
ومن مظاهر الفساد تقاعس النواب عن استجواب، ورفض حتى المشاركة الخجولة في استجواب الوزير الفاسد، متى ما كان محسوباً على طائفة أو قبيلة النائب، بالرغم من الخسائر الضخمة التي تسبب بها الوزير أو المسؤول المعني.
كما أن هناك الكثير من المفاسد الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها، مثال ذلك التكدس الوظيفي في الكثير من سفاراتنا، فلا تنساها يا أبو حمود، «إن» عدت لكرسي النيابة، ونعيد تذكيرك بحقيقة أن الحرمنة ليست أموالاً تؤخذ فقط، وقسماً يقال بنظافة اليد، بل لها أشكال كثيرة أخرى، وطرفاها النواب والحكومة.