هل يكون تحديد موعد الانتخابات اللبنانية مؤشراً لتأكيد حصولها؟
بقلم: غادة حلاوي
النشرة الدولية –
رسمياً أصدر وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لإنتخاب أعضاء مجلس النواب يوم الأحد الواقع فيه 15/5/2022 أما إقتراع اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية، فحدده يومي الجمعة الواقع فيه 6/5/2022 أو الأحد الواقع فيه 8/5/2022، وذلك بحسب مصادفة يوم العطلة الرسمية في الدول الجاري فيها الإقتراع. وقبل ان يصبح نافذاً يحتاج المرسوم إلى توقيع رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي. ويفترض ان تستكمل هاتان الخطوتان بسلاسة ذلك ان الموعد المحدد يصب في خانة المطلب الذي كان يلح عليه عون و”التيار الوطني الحر”، بينما يخالف رغبة مجلس النواب الذي كان أوصى بحصول الانتخابات في آذار المقبل.
بتحديد الموعد تكون اولى الخطوات العملية للانتخابات النيابية قد انطلقت. لكن تحديد الموعد لا يلغي التشكيك بحصولها اما الاسباب فقد لا تكون اقتصادية حصراً، وتتعداها الى اسباب اخرى اكثر خطورة في ظل الظروف الصعبة التي يعانيها لبنان. وهناك من يصر على احتمال الإرجاء سنة على الاقل متذرعاً بأسباب متنوعة تبدأ بالاقتصاد ولا تنتهي بصورة التحالفات الضبابية وصعوبة الوضع السياسي ككل.
ورغم صعوبة الظروف الداخلية اقتصادياً والخلافات، فان لا أحد في الداخل يتجرأ على الغاء الانتخابات او التسليم بإرجائها، ولا يمكن للخارج ان يقبل بأقل من انتخابات تعيد صناعة طبقة سياسية جديدة وتحمل مشروعاً جديداً او دوراً جديداً للبنان. بمواجهة المشككين فان هناك من يقول باستثناء حدث كبير امني او غيره فلا يمكن تجاوز هذا الاستحقاق، لذلك يتعاطى الجميع مع الانتخابات النيابية على انها واقعة حتماً ولكل جهة غاية من حصولها.
يريد المجتمع الدولي منها ان تفرز قوى سياسية جديدة وجدية يتمثل فيها المجتمع المدني، اي الجمعيات الاهلية التي يدعمها الغرب وفرنسا على وجه الخصوص. فيما تعتبرها مكونات داخلية معركة اثبات وجود. فـ”القوات” مثلا تراها مناسبة للتفوق على منافسها على الساحة المسيحية، بينما يخوضها “التيار الوطني الحر” كمعركة اثبات وجود، اما الثنائي الشيعي فهو يريد ايضاً اثبات حضوره في المعادلة على انه صاحب القرار الاوحد داخل طائفته. ويمكن اعتبار الطائفة السنية اكثر الطوائف هشاشة في مواجهة الانتخابات بعد قرار رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري شبه المؤكد، عن عدم خوض الانتخابات من دون ان يكون البديل جاهزاً بعد على الساحة السنية كقوى مرضى عنها او وجود بدلاء جاهزين. وهل كان احد يتصور ان يصل الامر بالتيار الازرق الى استنفار كامل نوابه لنفي امكانية حله. والخوف من ان يكون البديل السني طبقة من المتمولين ممن سيستثمرون في وجع الناس او احزاب اصولية.
يؤكد السياسيون مبدئياً أن الانتخابات حاصلة بكل المعايير ولكنها تأتي في ظروف اقليمية ودولية هامة جداً، قبل ولادة منتظرة لاتفاق دولي حول الملف النووي الايراني، وفي الوقت الذي ينتظر الجميع ان تدخل العلاقات السعودية الايرانية مرحلة الاستقرار، وفي وقت سلم المجتمع الدولي باستمرار الرئيس السوري بشار الاسد في سدة الرئاسة وسط علامات استفهام حول من سيكون الشريك في الإعمار سورياً. أبعاد كثيرة للبنان بدوره السياسي وتركيبة نظامه الداخلي وتحدياته الاقتصادية والكشف عن ثرواته المنتظرة، كلها سيكون لها تأثيرها على الاستحقاق ربطاً بمصير البلد المتأثر بالعوامل الخارجية، ووسط جموح مسيحي تجاه لامركزية ادارية بالحد الادنى وصل الى حد المطالبة بالفدرالية. ستحرك الانتخابات كل تلك العناوين والمنتظر ان تفرز خيارات اساسية على مستوى تركيبة الدولة والنظام.
أما من ناحية التمويل واذا كانت الامكانات الداخلية لن تسمح بتمويلها فإن المجتمع الدولي يبدي كامل استعداده للتمويل، وفي رسالة رسمية طلبت الامم المتحدة من الحكومة تحديد كلفة هذه الانتخابات لتغطية نفقاتها، شرط ان تكون الحكومة شريكاً في تغطية جزء من هذه النفقات. والخوف من ان يدخل عامل المال بقوة فيكون له تأثيره، خصوصاً وان قليلاً من المال سيؤثر في كثير من السياسة هذه الدورة وهذا ما تخشاه الاحزاب التي ليس لها ارتباط بجهات خارجية تمولها.
ولجهة التحالفات فقد يكون من المبكر الحديث عنها وتنظر الاحزاب الى بعضها على ان مصلحتها ربما تكون بالائتلاف احياناً او بتظهير الاختلاف، فـ”التيار الوطني” مثلاً يشهد خلافاً بين من يؤيد استمرار التحالف مع “حزب الله” ومن يؤيد التمايز معه وليس المعاداة، كي لا يخسر ما تبقى من وجود سياسي، ومثل هذا المنطق ينطبق على الكثيرين فيضع غياب الحريري الحزب “التقدمي الاشتراكي” في حيرة من امره في التحالفات، فيجد نفسه ضائعاً في البحث عن شريك سني بديل، بينما لا تجد “القوات” حرجاً في الانفتاح على شخصيات سنية خارج تيار “المستقبل”، أما “حزب الله” فسيحاول ان يمرر الاستحقاق بأقل خسائر ممكنة بالنظر للخلاف المستفحل بين “التيار” و”حركة أمل”. بالموازة لا وجود لما يسمى المجتمع المدني خارج حلبة الصراع السياسي عند المسيحيين، خصوصاً وان الطوائف الاخرى مقفلة لاسباب تاريخية. ويعني هذا ان حلبة الصراع الحقيقية انتخابياً ستكون الساحة المسيحية. لكن السؤال كيف سيكون وضع السنة وهل ستبقى الاكثرية اكثرية؟ حتى اليوم فان اكثر من يستعد جدياً للانتخابات النيابية على انها حاصلة غداً هم “القوات اللبنانية” وجماعات المجتمع المدني، التي صار لكل منها فصيل او جمعية ليكون لها مرشحوها، ما يهدد وحدتها. مسافة ستة اشهر فاصلة عن الانتخابات، فسحة من الزمن كفيلة بأن تقلب الامور رأساً على عقب في بلد يعيش على رمال متحركة وكل يوم هو على حال.