العاقل والعاق في الحياة والسياسة
بقلم: رلى السماعين

النشرة الدولية –

العاقل والعاق ليست صفات وحسب، بل أشخاص يتجولون بيننا، وهناك احتمال أن نعرف أحدهم أو من شابههم، وليس من الممكن أن يحمل شخص ما الصفتين، لان الفرق بين الاثنين هو المعرفة العميقة التي هي الفاصل الرئيسي. قناعتي بأنه وقبل كل شيء، على المرء أن يعرف ذاته، ويتمكن من نقدها أساساً، كي يمضي في حياة طبيعية ويتطور. عكس ذلك يعيش حياة غير طبيعية، تجره أهواءه التي تسقطه في هفوات متعددة، ووقتها يكثر الضجيج والصراخ والفساد، لان غاية المعرفة هي أن يحيى الانسان يوميه من دون ارتباك وبتواضع أمام خالقه وفي تعامله مع الناس.

ما يميز العاقل المدرك لنفسه ولما يحدث حوله هو الارادة والتحلي بالامل. الارادة تعطي قوى أخلاقية ونفسية، وتجعل الفرد قادراً على تحمل الظروف مهما صعبت، منتصراً بغالب الاحيان على العقبات بقوة الارادة، وتكون عنده معرفة الذات على شكل فضيلة بعيدة عن الكبرياء، وبالتالي يدرك واجباته ويدرك حقاً أبعاد العدل والاحترام والحق، التي هي أفعال وأقوال يمارسها في حياته اليومية.

وهكذا، الفصل بين العاقل والعاق واضح في محيطنا ومجتمعاتنا. فمثلاً كلاهما يمارسان الحرية على أنها حق. العاقل يدمج الحرية مع الاخلاق ويدرك بأنه لولا الحرية الاخلاقية لاصبحنا عبيداً لشهواتها ونزواتنا وسهل التحكم بِنَا.

أما العاق، فأفكاره تكون محدودة في اُطر ضيقة، والافكار النبيلة كالحقيقة والصلاح والعدل تكون غريبة عنه. هو، وأمثاله، لا هوية حقيقية له، يشبه الكرة تتقاذفه أنواع متعددة من التيارات المختلفة منها المادية والدينية والسياسية وسواها.

ومثال آخر بسيط هو الصداقة والحب. بالنسبة للشخص العاق، الصداقة مثل الحب تنطلق من إتجاه واحد، وتخدم مصلحته وملذاته هو.

أما الانسان العاقل، فيثمن الصداقة كمرتبة عالية، والحب بالنسبة له نعمة عليه الحفاظ عليها بكل الطرق الممكنة، وتبدأ من محبته لذاته، واهتمامه بامور ومصالح من حوله . أكاد أجزم بأن القارىء العزيز يضع الان صوراً لاشخاص تنطبق عليهم هذه الاسطر.

وكما في الحياة، هكذا في السياسة أيضاً، وكلاهما لا يقل أهمية عن الاخر كون الحياة الطبيعة مرتبطة ارتباطاً مباشراً وتاماً مع السياسة، ومن دون الحياة اليومية الطبيعية لا توجد سياسة.

الحياة السياسية هي سيرة أخلاقية بالاساس، يعبر عنها بتحقيق العدل والحق، هدفها الاسمى هو المصلحة العامة، هذا مبدأ العاقل. أما الذين يتخذون اللامبالاة تجاه هذا الهدف الاسمى كسمة طاغية في تصرفاتهم، يحرفون مسار التقدم ويشكلون عقبة لكل مصلحة عامة كانت أم خاصة.

أتسأل: لقد خصّنا الله وميزنا كبشر لنكون كائنات عاقلة، فلماذا يصر البعض أن يكونوا عاقين ويعيشوا مقيدين تسيرهم غرائزهم باتجاه كل ما هو عكس الاصلاح والصلاح، مؤثرين سلباً بذلك على أنفسهم وعلى المجتمع؟!

نريد أن تكون هذه السنة الجديدة بداية حقيقية توقظ بالناس ضميراً حياً يجعل منهم مشاركين فاعلين في نشر المنفعة، ليست المنفعة الشخصية فقط، بل التي تمتد وتطال الاخر.

زر الذهاب إلى الأعلى