جهلي يُسليني وفكري يسلبني حياتي
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
تنتابني السعادة حين أشعر بجهلي في بعض الأمور، وأدرك انني سأخلد للهدوء كون فكري لن يعمل وضغط دمي لن يرتفع، وسأجلس في هذا العام أدخن أرجيلتي وأنفخ أنفاسي براحة واستجمام، فالجهل متعة لا يشعر بها إلا كل من يعمل فكره في شتى الإتجاهات، إذ حين يفكر العاقل بهموم الأمة والأوطان تضيق الدنيا في عينيه، ويصبح “مخه” يغلي كالذي نشاهده في أفلام الصور المتحركة وبالذات “توم وجيري”، حينها تذكرت الشاعر العربي المبدع المتنبي وما قاله عن المفكرين الذين لا يتوبون عن التفكير في قضايا الأمة، وكيف يصطبغ لون شعرهم بالأبيض وتنحف أجسادهم وتزوغ أبصارهم، ليقول لهم ساخطاً من الحال الذي وصلوا إليه: “ذو العقل يشقى في النعيم بعقلة وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم”، فالجاهل لا يهمه ان يُراق الدم على جوانب الشرف الرفيع لسلامته وسلامة الأوطان، ولا يهتم بالعدل وتحقيقه، ويسارع بالإنضمام للعوام للتصفيق لمن لا يستحقون، لنجد أن العدو العاقل خير من الصديق الجاهل.
والغريب أن الجهل نعمة لا يدركها إلا من يشغلون فكرهم بهموم الأمة وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، وهؤلاء الراشدون يرفضهم الكثير من المسؤولين القافزين على المناصب بحكم الجاه والمعرفة والواسطة، ولا يُريدون لأي من أصحاب الفكر الاقتراب من مكانهم خوفاً على مناصب غير مستحقة نالوها، فيبدأون بشن حروبهم العفنة على أصحاب الفكر السليم، لزيادة كراهية كبار المسؤولين فيهم، وللحق والأمانة فإنهم في العادة ينجحون في مآربهم، كون من يعلونهم في المناصب يسيرون على ذات دربهم، وهمهم الأوحد أن يُحيطوا أنفسهم بمجموعات كبيرة من المنافقين المخادعين حتى ينجوا بموقعهم من الحكماء.
هذا الحل يضمن للمسؤولين البقاء في المنصب كما يضمن تخلف الدول، فحين يفرض كبار المسؤولين قرارهم على من هم دونهم، بتعين قيادي في منصب سياسي أو اقتصادي أو رياضي وحتى ثقافي يقل عن جميع المتقدمين فكراً ومعرفة، يتقبل الجميع بسعادة هذا القرار ويصفقون لهذا الانجاز الغريب العجيب الذي شاهدناه في عديد المواقف، ويعتبرونه الحل النموذجي لإنقاذ المؤسسات، ومع مرور الايام تتكشف المصائب بأن الجهل يتفاقم والجبن يتزايد والتخلف ينتشر والنفاق يُصبح المعيار والاساس، فيبدأون بالبحث عن حل ويجدونه بسرعة بتعين جاهل جديد.
آخر الكلام:
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
تَموتُ الأُسدُ في الغاباتِ جوعاً
وَلَحمُ الضَأنِ تَأكُلُهُ الكِلابُ
وَعَبدٌ قَد يَنامُ عَلى حَريرٍ
وَذو نَسَبٍ مَفارِشُهُ التُرابُ
أما أنا فأقول:
جهلي يسليني وفكري يسلبني حياتي
ساترك الهموم والتفكير وأغدوا أسير ذاتي
كل عام وأنتم بألف خير