حبيبي مثقف جدا

زينب هداجي

النشرة الدولية –

تجلس على صخرة “سقراط” بالكلية، تتلهى بمراجعة مذبذبة لمحتوى الدرس … تلعب بخصيلات شعرها الذهبيّة … تنعكس الشمس ككوكب دريّ في عينيها الزرقاوين … تحلم برجلها الذي يتمرّد على العالم ويستمع إليها وهي تلقي الشعر في الساحات. لقد انتقلت إلى هذه الكلية حديثا. هنا تعرفت على شاب وسيم و يبدو أنه يحب الأدب والشعر مثلها فقد أهداها ديوان شعر منذ لقائهما الثاني. هديّة مثل تلك لا يمكن أن تهدى إلا من مثقف…

الساحة تزدحم، فجأة، بالطلبة يتدافعون ويتناقشون نقاشا حادا. كانت ترفع رأسها قليلا لترقب ما يحصل ثم تعاود غرسه في الكراس. تفعل ذلك في حركة نمطيّة خانقة…

يزداد هيجان الطلبة على إختلاف أطيافهم وإنتماءاتهم وهم يصرخون ويتدافعون بالمناكب والأيدي والأرجل… تبادر الصوت إلى سمعها قويا مزعجا يشوّش عليها تركيزها الذي لا تركيز فيه. رمت بالكراس جانبا وهرولت نحو الجمع لترى عن كثب ما يحصل، فلمحته يتوسطهم ويحاول حل الخلاف بطريقة سلميّة. وقفت قرب الكوكبة وراحت تتابع حركات بطلها وتستمع بذلك. كانت تهزّ كتفيها بغنج ثم تضم يديها إلى بعضهما البعض بحماس شديد…

كان يربّت على كتف الملتحي ويهدئ من روعه ثم يقدّم قارورة ماء لمعتمر القبّعة ويبذل جهده في تذكير الجميع بمحاسن الإختلاف البنّاء ويسرد محاضرة حول التّعايش السلمي وكيف أنّه نعمة محمودة. ثم يستدير نحوها وهو يمرّر أصابعه بين خصلات شعره النّاعم في غرور وكبرياء. عندها تبتسم له وعيناها تلمعان فرحا ورضا عن بطلها المغوار، تهزّ كتفيها في غنج وتتنفس بعمق. زاده ذلك ثقة فأعلى صوته حتى أصبح أعلى صوت يُسمع ونفش ريشه كالديك الرومي. كان يتكلم و يعيد نفس الكلام في كل مرّة حتى ملّه الجميع. احمر وجهه وفقد السيطرة على نفسه كالصوفي .لم يتفطن لأن الجميع قد لاذوا بالصّمت و بقي يتكلم لوحده كمن مسّه جن و العياذ بالله. الجميع ينظر إليه باستهزاء وسخرية. فهو قد حشر نفسه في هذا النقاش فهو ليس من الطلبة الملتزمين ولا المتسيسين ولا المثقفين. لم يره أحد يوما يقوم بأي نشاط سوى مرافقة الفتيات إلى المشرب أو للتسكع خلف المدارج. لم تكن تعلم بكل ذلك لأنها أجنبية لا تعرف أحدا في هذا البلد سواه. كان لأول من استقبلها يوم التّرسيم. لقد لعب الطمع بعقله عندما رآها تنزل من سيارة لوحتها المعدنيّة دبلوماسية و قد عرف من عون الإدارة أن والدتها شاعرة عربيّة مشهورة لذلك أهداها ديوان شعر تظاهر بأنّه يطالعه في مكتبة الكليّة… أخذ يرافقها كظلها و لا يدعها تتواصل مع أحد في الكليّة سواه. صور لها العالم عدميّ الملامح خارج عينيه…

واصل صهيله و صراخه إلى أن تجاسرت هي وهرولت نحوه تذبه من قميصه. سكبت الماء على وجهه فعاد إلى حالته الطبيعية. نظر إليها والخزي يمزّق وجهه ثم غادر. أما هي فعادت إلى كتبها وواصلت حلمها بحبيبها المثقف الذي ستقابله ربما في بلد آخر…

Back to top button