سقوط متوالي لنواب “طواحين الهواء ..؟
بقلم: صالح الراشد
أطلق ميغيل دي ثيربانتس قبل خمس قرون إبداعيته الدون كيشوت، واصافاً رجلاً أحمق يعتقد أنه في مهمة مقدسة، وأنه سيقوم بإهداء عشيقته نصره التاريخي، واختار رجلٌ يختلف عنه في الهيئة والشكل ليكون مرافقه الخاص ومساعده في مهمته، وحتى يقنعه بقبول مرافقته في المهمة وعده بأن يعينه حاكم على إحدى جزره المستقبلية، وانطلقت الجولات والرحلات والتخيلات للدون كيشوت بفشل في معاقبة صاحب الأغنام الجشع والذي استمر في تعذيب خادمة رافضاً منحه حقوقه، وحين حارب طواحين الهواء التي حولها فكره المريض وصورها له على أنها فارس كبير يتحداه، رفعته للأعلى حين اقترب منها وضربته في الأرض ليدرك حجمه الطبيعي، وفي النهاية جلس في بيته بعد أن شفي من مرض التخيلات يلعن عصر الفرسان.
وظننا ان عصر الدون كيشوت قد إنتهى وأنه من وحي الخيال، وأن مرور خمسة قرون كانت كافية حتى ننسى هذه الشخصية، لكن البعض من أعضاء مجلس النواب الأردني أعادونا لهذه الشخصية التي بحثت عن الحُلم المَرَضي، فالنواب صنعوا لأنفسهم أعداء من الوهم محاولين ارتداء ثوب البطل وفرض هيبتهم على الآخرين، ليخوضوا حروباً كلامية كارثية تسببت في ايذاء المجتمع مركزين على إضافة كلمة الأردنيات للقانون، حين رفضوها في البداية وخاضوا حروباً في الملاكمة والكراتية والمصارعة لفرض رأيهم وفكرهم، ثم عادوا بعد إنتهاء الفضيحة بخسارتهم في حروبهم “الدون كشوتية”، ليصبحوا أرق وأنعم ويوافقوا على الإستسلام لتعديلات الدستور، فشذوا في طرحهم عن قاعدة الرؤيا السليمة ليجدوا أن مصير الدون كيشوت قد حاق بهم حين رفعتهم طواحين الهواء وهوت بهم بقوة وعنف وقد تُطيح بهم خارج المجلس.
وبعد مطاردات وهمية للتعديلات الدستورية والقوانين كونهم غير قادرين على إحداث التغيير، سيجد العديد من النواب أنفسهم يجلسون في المقاهي أو على جنبات الطرق يتحدثون عن البطولات التي قاموا بها، وأنهم كانوا الشخصيات البارزة وأنهم هم من ساهموا في نهضة الوطن ووفروا له الحماية من المخاطر التي كانت تهدده من عدم تطبيق التعديلات، وسيعيشون في مرحلة رفض الواقع الذي قد يكون مريراً بفعل مواقفهم، فهم لن يُشاهدوا عذابات المجتمع في ظل المستوى المعيشي الذي يرفلون به، فيما من حولهم من متفرجين على مسريحاتهم الهزيلة يتندرون عليهم ويصفقون لهم، لتزداد الحالة المرضية عند هؤلاء ليعتقدوا في مراحل متقدمة أنه من يصنعون المطر.
وأعتقد اننا اصبحت بحاجة ماسة في الأردن لتقرير الصحة النفسية للنواب والأعيان والوزراء وكبار موظفي الحكومة، لضمان قيامهم بواجبهم الوظيفي على أفضل وجه، وحتى لا يشعروا أنهم يقومون بالمعجزات بتأديتهم لوظيفة يومية، ومنهم النواب الذين أقروا مئات القوانين التي وقعت كالصاعقة على الشعب وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا، ولتجنب الواقع بحقيقته المؤلمة وحتى يُشعروا الآخرين بعظمتهم، يقومون بتأليف قصص البطولات الخادعة التي قاموا بها في رحلاتهم للوزارات المختلفة، وحين تخف حدة مرضهم يلعنون المناصب التي تسببت لهم بالمصائب، ويلعنون كل وزير ونائب وعين جديد، ويصفونهم بعدم الفهم والدراية، فالعلم حسب أتباع الدون كيشوت انتهى عندهم، ليكون هؤلاء كبار في أعين أنفسهم صغار في أعين الناس.