كيف سينعكس ترؤس فرنسا للاتحاد الأوروبي على لبنان وحكّامه؟
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
مَنَع تفشي جائحة كوفيد-19 فرنسا من الاحتفال بعيد رأس السنة، ولكنّها لم تتخلّف عن الاحتفاء باستلامها، لأوّل مرّة منذ عام 2008، رئاسة الاتحاد الأوروبي.
ووضع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قائمة أهداف طموح لهذه الرئاسة التي تستمر ستة أشهر، سواء لجهة حماية الحدود الأوروبية احتواءً لموجات الهجرة، أو لجهة التوصّل الى سياسة دفاعية مستقلة، أو لجهة توحيد الحد الأدنى للأجور، وخلاف ذلك.
التشكيك بقدرة ماكرون على إنجاح أهدافه هذه كبير، نظراً لطبيعة دول الاتحاد الأوروبي، من جهة، ولحلول الاستحقاق الرئاسي الفرنسي الذي يليه الاستحقاق النيابي، بدءاً من نيسان (أبريل) المقبل، من جهة أخرى.
ولكنّ هذا التشكيك بإمكان تحقيق الأهداف لا يُلغي أنّ تأثير فرنسا، بدعم معلن من ألمانيا التي تستلم رئاسة مجموعة الدول السبع الكبرى، ولا سيّما في ملفات السياسة الخارجية، سوف يتضاعف.
وتضع فرنسا دولاً عدّة في قائمة الأولوية، أهمّها لبنان الذي حوّله الرئيس ماكرون إلى ملف “خاص جدّاً”، فنال عليه ثناءً حيناً ولوماً أحياناً أخرى.
وليسوا قلّة هؤلاء الذين يعتقدون أنّ ماكرون، سوف يزخّم اهتمامه بلبنان، مستفيداً من ترؤس بلاده للاتحاد الأوروبي.
وفرنسا التي سوف تهتم بلبنان، بصفتها رئيسة للاتحاد الأوروبي، أقوى وأفعل من فرنسا التي كانت تهتم بهذا الملف، بصفتها عضواً – وإن كان فاعلاً – في الاتحاد، ويعود السبب في ذلك ليس إلى صلاحياتها في وضع جدول الأعمال والدعوة الى الاجتماعات وتنسيق المواقف بين الدول السبع والعشرين، فحسب، بل لأنّها، أيضاً، سوف تتحدّث وتتعامل وتتّفق وتختلف مع الدول والمجموعات الدولية والإقليمية، بصفتها رئيسة للاتحاد الأوروبي.
وهذه الفاعلية الفرنسية المستمدّة من وضعها الجديد، لا يمكن أن تمرّ مرور الكرام، على الطبقة الحاكمة في لبنان، إذ إنّها سوف تأخذ بالاعتبار تنامي قدرة فرنسا، الدولة المنخرطة في الشأن اللبناني انخراطاً كاملاً.
ويعرف الجميع أنّ فرنسا تبدأ رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي، ومعها ملف لبناني حافل بالخيبات، فهي تعرّضت للخيانة، بإسقاط المبادرة التي تبنّتها بعد الزيارة الثانية للرئيس ماكرون لبيروت في أيلول (سبتمبر) 2020، ومن ثم بتحويل التفاهم مع إيران الذي سمح بتشكيل الحكومة، الى “مهزلة”، بحيث جرى شلّ الحكومة بعد أقلّ من شهر على نيلها الثقة، بعدما قرّر “حزب الله” توريط مجلس الوزراء بالتصدّي للتحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت، من خلال محاولاته الرامية الى التخلّص من المحقق العدلي طارق البيطار.
وهذه التجربة الفرنسية المثقلة بالخيبات من الطبقة الحاكمة في لبنان، سمحت لماكرون بأن يذهب في “إعلان جدّة” الذي أصدره، نتيجة اجتماعه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى حيث لم يكن يرغب بالذهاب إليه سابقاً، إذ جاء هذا الإعلان حاملاً كلّ العناوين الذي تغضب “حزب الله” الذي يعادي القرارين الدوليين 1559 1680 و”إعلان بعبدا”، من جهة، وتثير رعب الطبقة الحاكمة التي تخشى على مواقعها من غضب “حزب الله”، من جهة أخرى.
ولم تتوقف فرنسا عند هذا الحد، بل ذهبت الى أبعد من ذلك، إذ بدأت التنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية في توفير الأدلة لإنزال عقوبات بحق عدد من الشخصيات اللبنانية بتهم الفساد وعرقلة العملية السياسية في لبنان.
وثمّة من يعتقد أنّ أوّل حزمة من العقوبات سوف تسبق حلول موعد الانتخابات النيابية اللبنانية، على أن تسبق الحزمة الثانية حلول موعد الاستحقاق الرئاسي في لبنان.
وخلافاً لما كان عليه عندما وصل الى لبنان، بعيد انفجار مرفأ بيروت، فإنّ ماكرون بات على يقين بأنّ إنقاذ لبنان لا يمكن أن يحصل إذا جرى فصل الملفات بعضها عن البعض الآخر. ملفات يمكن اختصارها بالثلاثية الآتية: ضرب الفاسدين، ترسيخ السيادة، وإرساء الإصلاحات.
ماذا يعني كلّ ذلك؟
إنّ فرنسا، بعدما أصبحت رئيسة للاتحاد الأوروبي، لن تتلهّى عن الملف اللبناني بل سوف ترفع من وتيرة العناية به، خصوصاً أنّ هذا الملف أصبح نجاحه أو فشله نجاحاً أو فشلاً شخصياً لماكرون نفسه.
والتجربة الأخيرة لماكرون في لبنان، أفهمته أنّ الطبقة السياسية في لبنان، لا تعنيها “الجزرة” لأنّها غير معنية بالمصلحة الوطنية العليا، ولذلك لا بدّ من تجهيز “العصا”، كما أنّ “حزب الله” مستعد، من أجل أن يبقى فاعلاً ضمن أجندة “الحرس الثوري الإيراني”، أن يسقط أيّ مشروع إنقاذي، مهما كان ضرورياً وملحاً، والأهم من ذلك أنْ لا مجال لإخراج لبنان من محنته إلّا إذا توافرت الشروط المقبولة التي تضعها المملكة العربية السعودية، يتقدّمها ملف إخراج “حزب الله” من حروب المنطقة وصراعات محاورها.
على أيّ حال، إنّ الأصوات اللبنانية التي باتت ترتفع، من كل حدب وصوب، ضد “حزب الله” وجميع من يساعدونه في تدمير لبنان، باتت لها آذان مصغية على امتداد العالم، وتالياً لا بد من تزخيمها وتأطيرها، لتترجم نفسها في الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة وفي “وجدان” المجتمع الدولي.