بالتنمر.. نواب يستعرضون وبالوطن يعبثون
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
الحوار ثقافة الشعوب المتمدنة وصورتها الجميلة، وإطلاق التهم جزافا والصراخ بصوت مرتفع دليل على ضعف الحجة وافتقاد البينة، لنجد أن بيت الأمة الأردني يفتقد لأساس قيام الأمم ونهضتها وهو الحوار القائم على المعرفة الدقيقة والشمولية ، فالعديد من النواب يقارعون الحجة بالصوت والتهديد، ويعتبر بعضهم أن نجاحهم في الانتخابات النيابية حولهم لآلهة إغريقية أو عربية يوجب على الشعب والوزراء وممثلي الجهات الحكومية والخاصة التلمس بهم واللهج بحمدهم، والأهم تقبل اهاناتهم بطيب خاطر وبكل خضوع وعدم رفع الصوت في حضرتهم وأن تظل العيون خاضعة خاشعة حتى لا تتأذى مشاعرهم، فهم يعتقدون أنهم حجر الأساس في الوطن وأنهم حماة الديار وصُناع القرار.
لقد وصل بعض النواب لحالة مرضية من وباء “كاليجولا”، وأصبح يظن هؤلاء ان الشمس تُشرق من جبينهم والماء ينهمر من بين أصابعهم، ليتحدثوا بفوقية مذمومة مع أبناء الوطن، لكنهم في العديد من المرات يجدون الرد الحازم من رجال هذا الوطن الذين يدافعون عن شخصياتهم في المقام الأول، وعندها تثور ثائرة من حول النائب من رفاق امتهنوا تجارة الوعود بتهديد من يدافع عن نفسه وشركته، ليكون الطرد الملاذ الأخير لهم حين يأخون بالصراخ مطالبين الشخص بطريقة استعراضية استعلائية بالخروج من بيت الأمة الذي استولوا عليه بغير وجه حق، وطردوا مواطن من الأمة له الحق بايضاح رأيه والحديث بكل حرية في بيت الأمة والتي يعتقد بعض النواب ان اسائتهم للاخرين هي الحرية الوحيدة المسموح بها، مع العلم ان الأصل عدم الاساءة للجميع واحترامهم لاعطاء صورة نقية عن المجلس بدلاً من الصورة المشوهة المنتشرة بين المواطنين بأنهم باحثون عن الاستعراض في مجلس تحول لمسرح.
لقد ثارت حمية النواب على الشركات بسبب تعاملها مع الشعب، ووصفوها بأنها تمتص دمه وتقوم بعمليات نصب عليه في شتى أمورها، وتستنزف الشعب حتى آخر دينار في جيبه، ويبدو أن “الزهايمر” قد أصاب العديد من النواب وفقدوا ذاكرتهم ونسوا أو تناسوا أنهم كانوا الجسر لهذا التغول، حين وافقوا على تنمر الحكومة على الشعب بقرارات أرهقت الجميع، ولم يرفضوا سيل القرارات المجحفة والتي تسببت برفع الأسعار، وهو ما أطلق العنان لغول رأس المال للاستفراد بالمواطنين والتحكم بهم وفرض قوانينه ورفع الأسعار بذريعة ارتفاعها خارجياً وزيادة البنوك الفوائد للمرة الخامسة، وهذا الرقم شبيه بعدد التعديلات الوزارية على الحكومة.
لقد ضل النواب الطريق، فحسابهم كان يجب أن يكون مع الحكومة، لكنهم وللحق لا يجرؤون كونها من أوصلتهم للجلوس تحت القبة، لذا عليهم الطاعة وإبراء ذمة الحكومة باتهام الشركات التي كان من الممكن السيطرة عليها برفض قرارات الحكومة ووزرائها، لنجد ان الاستعراض الخادع للظهور بصورة الغيورين على الشعب ما عاد ينطلي على المواطنين الذين يشاهدون أفلام هوليود وبوليود بكثرة كونهم عاطلون عن العمل، وأصبحوا قادرين على تميز الصواب من الخطأ ، والكارثة اننا في عصر زاد فيه الخطأ عن الصواب لتتكرر صور ومشاهد الاستعراض التي تفقد الشعب ثقته بمجلس الأمة، ليذهب العديد من أبناء الوطن إلى أن وقف رواتب مائة وخمس وتسعون عضواً هو المكسب الأكبر من مجلس الأمة.
آخر الكلام:
تُرى كم رجل أعمال عربي وأجنبي شاهدت الفيديو الأخير والذي انتشر كالنار في الهشيم، وكم منهم سيفكر الآن ألف مرة قبل الذهاب للأردن واستثمار أمواله فيها، فحين يتخلى النواب عن لغة الحوار والاستقواء بمكانتهم تحت القبة يتحولون إلى عناصر طاردة للاستثمار.