لعنة المئة عام تحققت، فهل تصدق التنبوءات المستقبلية؟
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

الثائر –

في الذكرى المئوية لتأسيس الاتحاد السوفياتي السابق، قضى رؤساء ثلاث دول، من الذين ساهموا بشكل رئيسي في تفكيكه، وهم : ستانسلاف شوشكيفيتش أول رئيس ل بيلاروسيا ، وليونيد كرافتشوك أول رئيس لأوكرانيا (وهو المحرك الرئيسي لعملية الانفصال وفق اعترافاته التلفزيونية اللاحقة) بعد انفصالهما عن الاتحاد، وهما كانا في اجتماع مع رئيس روسيا الراحل بوريس يلتسن، في غابات بيلافيشكايا على الحدود البلاروسية، قد اتفقوا على إنهاء وجود اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، وأعلنوا في ٨ ديسمبر ١٩٩١ قرارهم بإنشاء رابطة الدول المستقلة، ليتم بعدها اجتماع ١١ دولة في الما آتا وإعلان الانفصال بشكل نهائي عن الاتحاد.

وفي ٢٥ ديسمبر ١٩٩١ أعلن ميخائل غورباتشوف استقالته، وإلغاء مكتب رئيس الاتحاد السوفياتي.

هذا الاتحاد الذي أسسه فلاديمير لينين عام ١٩٢٢ بعد انتصار الثورة الشيوعية البلشفية عام ١٩١٧، بدعم من الألمان، الذين قدموا له المساعدة، لقاء وعد بإخراج روسيا من تحالفها مع فرنسا وبريطانيا في الحرب العالمية الأولى، التي كانت ما تزال دائرة حينها ضد المانيا، وقد تم ذلك فعلاً في آذار ١٩١٨ عندما تم توقيع معاهدة “بريست ليتوفيسك” التي أنهت الحرب الروسية مع دول المحور.

 

ركب لينين القطار من برلين متجها إلى روسيا، وهناك كان ترويتسكي وجوزيف ستالين قد جهزوا جماهير الفلاحين الغاضبين، من الضرائب المرهقة التي فرضها عليهم القيصر، ودارت معارك دامية بين الجيش الأحمر والحرس الأبيض، وقام البلاشفة بقتل القيصر نيقولا رومانوف مع عائلته في ١٧ تموز ١٩١٨، بعد ان تم اعتقالهم ونقلهم إلى مدينة ييكاترينبرغ.

 

في 30 ديسمبر 1922 وبعد حرب أهلية دامت لأكثر من أربع سنوات، تم توقيع وثيقة إعلان الاتحاد السوفياتي، من قبل جمهوريات؛ روسيا، وأوكرانيا، وبيلاروسيا، والقوقاز، وتم اعتماد النظام الشيوعي وحكم الحزب الواحد، وفق نظرية المفكّرين الألمانيين، كارل ماركس، وفريدريك إنجلس.

 

انتقد ماركس النظام الرأسمالي، واعتبر أن الظلم الذي تعاني منه طبقة العمال، والمعاملة غير العادلة لها من قبل طبقة البرجوازية، لا بد أن تُحدث صراعاً طبقياً داخل هذه الأنظمة، وستبلغ طبقة العمال مرحلة من الوعي، تثور فيها على الطبقة البرجوازية، مالكة وسائل الإنتاج، وحينها لا بد لها من تأسيس النظام الشيوعي، القائم على مبدأ مثالي: “من كل حسب قدرته، ولكل حسب حاجته” .

 

وحاول لينين أن يطوّر النظرية الماركسية، معتبراً أنه لا بد من المرور بمرحلة الاقتصاد الاشتراكي، قبل التحوّل الكامل إلى النظام الشيوعي، فتحالف بدايةً مع حكومة البرجوازية، ضد القيصر، ثم انقلب عليهم في فترة لاحقة، لكنه اصطدم بعدها بطبقة “الغولاك” من أصحاب ملاك المزارع والفلاحين الميسورين، الذين قضى عليهم فيما بعد جوزيف ستالين.

 

تناسى الشيوعيون عنصراً أساسياً تقوم عليه المجتمعات، وهو فكرة ” الأنا” التي يعتبرها فرويد، بأنها مرتبطة بالأنانية، التي تولّد صراعاً دائماً، بحيث تصبح الحرب أمراً طبيعياً، لأنها ترتكز إلى طبيعة الكراهية والعدوانية في الإنسان، حتى قبل أن يعرف معنى الملكية الفردية.

 

وفي حقيقة الأمر فإن فرويد مُحق، لأن الملكية الفردية هي نتيجة لهذه الأنانية، والإرتباط بينهما عميق جداً، ولا شك أن الملكية هي من أهم أسباب الصراع بين الأفراد، وكذلك بين الدول، وهذا يؤكد استحالة تطبيق الشيوعية بشكل رضائي من قبل جميع أفراد المجتمع، وما يؤكد هذا القول هو ما شهدناه في العالم، بحيث لم يكن بالإمكان تطبيق الشيوعية بغير القوة والفرض.

 

إن فرض نظام معاكس لطبيعة البشر الأنانية، يخلق صراعاً دائماً، وعدم رضى عام عن هذا النظام، وهذا كان أهم أسباب انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي.

 

لقد تطورت الأنظمة الرأسمالية، وقدمت الطبقة البرجوازية بعض الرشاوى للعمال، بحيث تم وضع قوانين للعمل وللضمان الاجتماعي في معظم الدول الرأسمالية، وعمدت الطبقة البرجوازية إلى تفتيت طبقة العمال، عبر خلق ما يُسمّى بنقابات المهن، فباتت كل جماعة تدافع عن حقوقها، بشكل منفصل عن النقابات الباقية، وهذا طبعاً أضعفَ موقف العمال، وشتت قواهم، ومنع قيام الثورة الجامعة ضد الطبقة البرجوازية، التي ما زالت في كافة الدول الرأسمالية، تخدع الشعب، بشعارات فارغة من المضمون الحقيقي.

 

ففي كافة هذه الدول هناك أوليغارشية حاكمة، ولا وجود للديمقراطية وحكم الشعب، الذي يتم إيهامه بأنه صاحب القرار، عبر تمثيلية الانتخابات، التي ترتكز فيها النتائج، بنسبة عالية جداً، إلى عامل المال، والانفاق الانتخابي، الذي يمكن أن يأخذ عدة أشكال، من تقديم الخدمات، إلى الدعاية، والرشاوى، وغير ذلك.

 

لم يتأثر الاقتصاد السوفياتي بالأزمة الاقتصادية التي سبقت الحرب العالمية الثانية، وصُنف يومها من أقوى الاقتصادات، لكنه بعد الحرب كانت البلاد مدمّرة بشكل شبه كامل، وهذا أنهك اقتصادها، ولم تتمكن من اللحاق بالولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تتعرض سوى لأضرار وخسائر بسيطة في تلك الحرب، وتمكّنت بسرعة من تحقيق التفوق الاقتصادي، بينما كان السوفيات يحاولون اللحاق بالركب الأمريكي. وما زاد من إنهاك اقتصاد السوفيات، كانت نفقات الحرب الباردة المتزايدة، وسباق التسلّح، ودعمهم الكبير لعدة ثورات في العالم.

 

حاول السوفيات إخفاء الحقيقة عن شعبهم، عبر فرض الستار الحديدي، وكان الأمر سهلاً مع جيل الحرب، الذي عاش على أمجاد النصر على ألمانيا النازية في عام ١٩٤٥. وما إن حلت فترة الثمانينات، وتطورت الاتصالات، حتى فتح الناس عيونهم على ما يدور حولهم في العالم، واندهشوا بما رأوه من رفاه لدى الشعوب الغربية.

 

هذا الأمر دفع بالرئيس الثامن للاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، إلى التفكير بتدارك الأخطاء، فانتهج سياسة إعادة البناء “بيريسترويكا” والغلاسنست “الحرية والعلنية” ، ولاقت خطوته تأييداً واسعاً في أوساط الشعب السوفياتي، كما أنه سعى لتحسين العلاقات مع الغرب.

 

يعتبر البعض أن غورباتشوف هو المسؤول عن انهيار الاتحاد السوفياتي، كما يعتقد منظرو الرأسمالية أنها انتصرت على الشيوعية، وهذا خطأ طبعاً، أولاً لأنهم يتجاهلون التحول الذي حصل في الأنظمة الرأسمالية، خلال القرن العشرين وجعلها أقرب إلى الأنظمة الأشتراكية، كما أن غورباتشوف سعى فعلاً للحفاظ على الاتحاد السوفياتي، وهو قال أكثر من مرة، خاصة عندما زار بولندا عام ١٩٩٠ : “أقول لأصدقائنا في الغرب ، كفى ضغطاً علينا، نعلم أنه لدينا أخطاء ونحاول معالجتها، لكن نحن دولة إشتراكية وسنبقى دولة إشتراكية”.

 

عندما حصل الانقلاب على غوربتشوف عام ١٩٩١ ، كان بعض قادة الجمهوريات السوفياتية، خاصة رئيس روسيا بوريس يلتسن، يسعى للتخلص من غورباتشوف، وبعد تراجع لجنة الانقلاب، ورفضهم سفك الدماء، خرج يلتسين من تلك المعركة بطلاً بنظر الروس، وعاد غوربتشوف إلى الحكم ضعيفاً، وقال له يلتسين: أنا أعدتك”. ثم قرر يلتسين، مع رئيسي؛ أوكرانيا كرافتشوك، وبيلاروسيا شوشكيفيتش، تفكيك الاتحاد السوفياتي وإعلان استقلال بلادهم.

 

لم يكن بوسع غوربتشوف فعل أي شيءحينها، فكانت الشعوب في الجمهوريات السوفياتية، ترغب بشدة في الانفصال، اعتقاداً منها بأنها ستقفز فوراً، لتصبح غنية مثل اميركا وفرنسا وسويسرا، وباقي الدول المتقدمة، متناسين الشروط الحقيقية للنهوض الاقتصادي. وها هي شعوب تلك الدول، وبعد ٣١ عاماً على استقلالها، تعاني من؛ الفساد، والفقر، والبطالة، والتخلف الاقتصادي، وبالمقارنة مع دول الغرب، هي أشد بؤساً، مما كانت عليه في مرحلة الحكم السوفياتي، ولم يُسعفها التحوّل إلى النظام الرأسمالي، بأن تصبح شعوباً غنية وسعيدة، بل عادت فيها الفوارق الطبقية بشكل كبير، وسيطرت قلة نافذة على الحكم ومقدرات البلاد.

 

توفي شوشكيفيتش في ٣ أيار ٢٠٢٢ وتوفي كرافتشوك بعده بأسبوع ثم توفي غوربتشوف في ٣٠ آب ٢٠٢٢ واعتبر عدد من المعلقين أن هذه لعنة لاحقت ثلاثة من كبار المذنبين بتفكيك الاتحاد السوفياتي وهم يعتقدون أن الرئيس فلاديمير بوتين سيعيد بناء الاتحاد الأوراسي كما فعل سلفه فلاديمير لينين وأن ذلك سيحصل مع حلول ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٢ في الذكرة المئوية لتوقيع اتفاقية إنشاء الاتحاد السوفياتي .

هل ستصدق هذه التنبوءات ؟؟؟

إن غداً لناظره قريب.

زر الذهاب إلى الأعلى