تغيُّر المناخ
بقلم: أميرة ملش

النشرة الدولية –

لا أعتقد أن هناك من ينكر التغييرات المناخية، لأن من ينكرها فهو إذن لا يعيش معنا على هذا الكوكب.. والناس البسيطة، خاصة كبار السن، تجدهم يقولون بشكل عفوى جدًا «الجو اتغير» و«زمان مكنش فيه الحر ده ولا البرد ده» هى جمل كما قولت عفوية وبسيطة ولكنها تعبر عما يعمل من أجله العالم كله منذ سنوات، علماء ودارسون وخبراء يحاولون جاهدين مواجهة تغيرات الطقس الحادة والسريعة.. والذين كشفوا أن تغيرات المناخ بدأت مع الثورة الصناعية فى أوروبا، حيث إن البشر رغبوا فى التطوير والتنمية وكانت الاختراعات العظيمة التى غيرت وجه العالم حتى الآن، ولكن نتجت عنها انبعاثات الأدخنة الكربونية التى أثرت تدريجيًا على المناخ ودرجة حرارة الكرة الأرضية.

ولذلك تم عمل ما يسمى «اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخى»، وهى معاهدة دولية للحد من تأثير النشاط البشرى على المناخ.. حيث دخلت حيز التنفيذ عام ١٩٩٤ ووقّعت عليها ١٩٧ دولة، ومؤتمر المناخ يعد جزءًا منها، وهو قمة سنوية تحضرها هذه الدول الموقعة على الاتفاقية لمناقشة التغيرات المناخية ولعرض ما تفعله هذه البلدان لمواجهة هذه المشكلة، ويشارك فيه قادة العالم ومسئولون رفيعو المستوى والمهتمون بقضايا المناخ والباحثون عن حل لهذه المشكلة من كل دول العالم.. وجدير بالذكر ما كشفته الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، فى لقائها بأحد البرامج التليفزيونية، أن أول من خلق فكرة اتفاقية المناخ مصرى وهو العالم الدكتور «مصطفى كمال طلبة»، وأضافت أنه فى عام ١٩٩٢ بدأت دول العالم ترى أهمية وضرورة المحافظة على الهواء والماء والأرض، حتى تكون البيئة صالحة للأجيال القادمة، وفخر لنا نحن المصريين أن يكون صاحب الفكرة مصريًا، وقالت الوزيرة إن الدكتور «طلبة» كان رئيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وإنها شرفت بالتدريب على يده ١٥ سنة، وهو الذى قال لا بد من عمل اتفاقية للمناخ والتنوع البيولوجى والتصحر «علشان بعد ٣٠ سنة ولادنا يلاقوا هواء ومياه وأرض».

ومؤتمر المناخ يعقد بشكل سنوى ويتنقل بين القارات المختلفة، والعام الماضى تم عقده فى جلاسكو فى إنجلترا وتستضيفه مصر هذا العام، حيث يعقد فى مدينة شرم الشيخ السياحية الخلابة، والتغيرات المناخية هى التحولات طويلة الأجل فى درجات الحرارة وأنماط الطقس، ومن خلال مشاهدة صور قديمة لمناطق بعينها فى شمال الكرة الأرضية ومشاهدتها الآن تعرف سريعًا معنى التغير المناخى، فهناك أماكن كانت تكسو جبالها وأرضها الثلوج، والصور الحديثة لنفس الأماكن الآن تظهر فيها الجبال والأراضى وهى خالية من الثلوج تمامًا، وهناك أماكن أصبحت الثلوج فيها أقل بكثير منها فى أزمنة سابقة، ولماذا نذهب لبعيد؟ فإن مصر من البلدان التى يظهر فيها التغير المناخى بشكل واضح، حيث إن التركيبة الأساسية والنمط التاريخى لمناخ مصر تبدل حاله كثيرًا، حيث إن مناخها كما كنا ندرسه فى الكتب المدرسية «حار جاف صيفًا، دافئ ممطر شتاءً»، وواقع الطقس الآن الذى يفرض نفسه منذ سنوات يشير إلى تغير هذه التركيبة تمامًا، فقد أصبح صيف مصر ليس جافًا نهائيًا بل إن الرطوبة أصبحت سمة رئيسية فيه، وحتى درجات الحرارة أصبحت تصل لمستويات مرتفعة وتسجل أرقامًا لم تصل لها من قبل، ويشبّه البعض مناخ مصر فى السنوات الماضية بأنه أصبح أشبه بطقس منطقة دول الخليج مثل السعودية والإمارات على سبيل المثال خلال فصل الصيف، وفى الشتاء أصبح الطقس باردًا فى أيام كثيرة ببرودة تشبه الدول الأوروبية، وأصبحت الدفايات فى البيوت ركنًا أساسيًا فى الشتاء، ولأن الدفايات ليست من ثقافة البيوت المصرية، فتحدث حرائق كثيرة فى المنازل بسبب الدفايات كل عام، غير أن شتاء مصر فى الماضى كان معتدلًا، وهو ما يفسر تواجد السياحة الأوروبية فى مصر فى فصل الشتاء، وتبدأ من شهر أكتوبر حتى مايو، ولكن خلال شتاء السنوات الماضية أصبحت درجات الحرارة تسجل أرقامًا منخفضة غريبة على شتاء مصر، كما أصبحت نوات المناطق الساحلية أشد عنفًا ويصاحبها هطول للثلوج أحيانًا، وهو أمر مختلف علينا أن نرى الثلج، كما أن الطقس ليس ممطرًا كما كان فى الوصف التاريخى لمناخ مصر، بل إن الأمطار أصبحت نادرة الهطول فى مواسم شتاء كثيرة مضت، إلا أننا هذا العام نشهد هطول الأمطار بشكل كثيف ونحن ما زلنا فى فصل الخريف كما يحدث منذ أسابيع فى القاهرة وغيرها من المدن الأخرى.

كما أن أهمية مواجهة تغيرات الطقس قد أصبحت ضرورة، لأن هذا الطقس المختلف عن السابق أصبح يؤثر بشكل سلبى على الزراعة، وعلى سبيل المثال فقد أشارت الأبحاث العالمية إلى أن المساحة المزروعة من بعض المحاصيل الغذائية انخفضت إلى النصف على مستوى العالم، مما يهدد بمجاعة عالمية، كما أن هناك مدنًا احتمالية اختفائها أصبحت واردة وبقوة ومنها مدن مصرية على رأسها الإسكندرية وبعض مدن الدلتا، وعالميًا مدن مثل مارسيليا وفينسيا ونيويورك وغيرها.

والغريب أنه أيضًا سبب فى تفشى بعض الأوبئة والأمراض، وهو رابط أشارت إليه منظمة الصحة العالمية، أن سبب تفشى الكوليرا فى لبنان يعد تغير المناخ أحد أسبابه، بسبب نقص المياه وخاصة المياه النظيفة، مما يساعد على انتشارها، فإن انتشار الظروف المناخية الشديدة مثل الفيضانات والجفاف والأعاصير يؤدى إلى ندرة المياه، ونقص توفر المياه النظيفة والمياه بشكل عام ينتج عنه نمو البكتيريا بسبب ازدياد حالات الجفاف وهى بيئة مثالية لانتشار الكوليرا وأوبئة أخرى غيرها.. وهو ما يبرهن بشكل كبير على أن التغيرات المناخية ستغير حياتنا نحن أيضًا كما تغير حال الكون، وسوف تؤثر علينا بشكل قاسٍ فى نواحى كثيرة، وهو ما يدق ناقوس الخطر للتعامل معها بجدية.

وفى شرم الشيخ ينطلق مؤتمر المناخ السابع والعشرون، والذى يحضره ملوك ورؤساء ورؤساء حكومات من مختلف دول العالم، من أجل مكافحة التغيرات المناخية، وتتم من خلال المؤتمر مناقشة وطرح الكثير من القضايا والموضوعات الهامة التى يطرحها الحضور، وسيتيح الفرص للنظر فى آثار تغيير المناخ بإفريقيا، وتعبئة العمل، وكذلك قضية المياه على رأس أولويات «٢٧ COP».

عن الدستور المصرية

Back to top button