صالح الفضالة والإخونجي والبدون
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
لم تواجه الكويت، في تاريخها القصير نسبياً، مشكلة أمنية واجتماعية وسياسية وإنسانية، بخلاف الغزو الصدامي الغادر والحقير، قضية بحجم وتعقيد قضية «غير محددي الجنسية»، أو البدون، اختصاراً!
***
لم يفلح أحد، عند التطرق لهذه القضية، في نيل رضا الجميع. فإن طالب بإعطائهم الجنسية وإغلاق الملف، ثار عليه من لهم احترامهم و«حججهم»! وإن طالب بحرمانهم من كل المزايا لحين اعترافهم بحقيقة أصولهم، ثار عليه من لهم أيضاً احترامهم وحججهم!
وقيل قديماً إن من يتصدى للحكم بين «غريبين» سيكسب صداقة أحدهما، ومن يتصدى للحكم بين «صديقين» سيخسر في النهاية أحدهما. وهذا ما أعرفه جيداً، ولكن الحق أولى بالاتباع!
***
يجب أن نعترف أولاً بأن قضية «البدون» هي من صنع حكوماتنا المتعاقبة، وتعمّد وزراء الداخلية فيها تركها للزمن، فتفاقمت وأصبحت تشكل الخطر الأمني والسياسي والاجتماعي الذي نراه ماثلاً أمامنا!
بدأت المشكلة عندما استعانت الدولة، في سنوات الاستقلال الأولى بغير الكويتيين في سلكي الشرطة والجيش! بسبب عزوف المواطن عن العمل فيهما. وكانت المزايا المادية لمنتسبي السلكين عالية مقارنة بغيرهما من وظائف ومهن.
مع نهاية الخمسينيات، واستعداد للدولة لنيل استقلالها عن بريطانيا، لم يمتلك أحد وثيقة تؤكد جنسيته الكويتية، وكان من الضروري تحديد ذلك، فصدر قانون الجنسية لعام 1959، وشكلت لجان في كل منطقة، وبدأت عملية التجنيس، اعتماداً على قاعدة من كان في الكويت قبلها بأربعين عاماً، أي عام 1920 وما قبلها، ولديه ما يثبت ذلك، كوثيقة تملك عقار، أو شهود معروفين، يصبح كويتياً، بالتأسيس. ولم يكن صعباً على لجان التجنيس تحديد من هو الكويتي، ولكن بقي جزء لم يستطع إثبات وجوده في عام 1920، أو لم يحصل من اللجان على درجة الجنسية التي اعتقد أنه يستحقها، فرفض عرض الحصول على جنسية من الدرجة الثانية، وهؤلاء تمت تسوية أوضاع غالبيتهم تالياً، وبقي غير محددي الجنسية الذين تزايدت أعدادهم إما بالتكاثر الطبيعي، أو باقتداء غيرهم بهم، وإتلاف أو إخفاء جوازات سفرهم، والادعاء أنهم من «بادية الكويت»، خاصة بعد التحرير من الاحتلال الصدامي مباشرة، وأصبحنا مع الوقت نواجه الوضع الحالي المؤسف!
***
لم أكن أود الخوض في هذا الموضوع، الذي سبق أن تطرقت له مرة قبل سنوات، لو لم يرسل لي صديق نص مقابلة ذكر فيها أحد أعضاء حزب الإخوان المسلمين أنه قام بـ«التوسط» لدى الأخ الفاضل صالح الفضالة، رئيس جهاز متابعة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، لمنحه الجنسية، وكيف أن الأخير رفض طلبه بحجة أنه لا يستحقها، بالرغم من كل المستندات الدالة على صحة كلامه! وطالب الإخونجي مشاهدي البرنامج الاتصال بالأخ الفضالة وسؤاله عن صحة الواقعة، وهذا ما فعلته فأنكر الواقعة، وكذّب الأخونجي شفهياً ومن خلال تغريدات واضحة!
تبين لي من الحادثة أعلاه أن مطالبات ذلك الإخونجي، وبعض «المدافعين» عن قضية البدون لا تنطلق من منطلقات إنسانية بحتة! والدليل على ذلك أن مطالباتهم لم تنطلق يوماً لمنح الجنسية مثلاً لأكثرهم استحقاقاً وجدارة، بل لأكثرهم قرباً وفائدة لهم، قبلياً وطائفياً وسياسياً!
***
أما من يطالبون بشمول جميع «البدون» بالجنسية فهم غالباً غير مدركين تبعات مطالبهم ولا خطورتها على شعب لا يبلغ تعداده حتى مليون ونصف المليون! وحصول ذلك يشعرني برعب لا يمكن وصفه، وسيحدث انفلات وطوفان «ديموغرافي وسياسي واجتماعي رهيب» بالغ الخطورة!
أما من ثبت لدى الجهاز أحقيتهم بالجنسية فمنعها عنهم هو الظلم بعينه.
وعلى بقية «البدون»، وهذا حقهم، إما العودة للدول التي سبق أن قدموا منها، أو البقاء في البلاد، مثلهم مثل أكثر من ثلاثة ملايين مقيم، مع توفير كل ظروف العيش الكريم لهم، وأن يبقوا بيننا ما شاؤوا، علماً بأن بين المقيمين بصورة «قانونية» عدداً كبيراً من مواليد الكويت، ومن تجاوزت إقامات بعضهم السبعين عاماً، ومع هذا احترموا أنفسهم ولم يقوموا بإتلاف جوازات سفرهم، ولا الادعاء أنهم «بدون»!