نصرالله للّبنانيين:” مش شايِفْكم”

النشرة الدولية –

أظهر الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، في إطلالته مساء أمس “بهتان” الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، إذ إنّه ترك بعضها “يتسلّى” ببعضها الآخر، في ما وُصِف بأنّه “لعبة شدّ عصب جماهيري”، وذهب الى حيث يريده “محور الممانعة” أن يكون، بحيث اجتهد في “لبنَنَة” الخطوط العريضة لخطاب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي، في الذكرى السنوية الثانية لاغتيال قائد “فيلق القدس” الجنرال قاسم سليماني.

وفي وقت كان لبنان، من أدناه إلى أقصاه، يستهجن تدخّل “حزب الله” في شؤون لا تعني بلاد الأرز، مثل الحرب في اليمن، أمعن نصرالله في الإصرار على مثل هذه التدخّلات، معلناً “المقاومة بكل أشكالها” ضد الولايات المتحدّة الأميركية والمملكة العربية السعودية.

وهذا الإعلان ليس جديداً، بل هو تكرار لمواقف سبق أن أطلق مثلها نصرالله، وكبّدت البلاد خسائر كبيرة، على اعتبار أنّ “حزب الله” ليس ” حركة ثقافية” يمكنها أن تذهب بمواقفها الى حيث تجد ذلك يلائم “عقيدتها”، بل هو ركن مهم-إن لم يكن الأهم-في صناعة القرار الوطني، كما أنّه “قوّة عسكري” تشارك مشاركة فاعلة في حروب المنطقة وتنخرط انخراطاً كبيراُ في صراع محاورها.

وبهذه الصفّة، فإنّ انعكاسات مواقف نصرالله لا تقتصر على “حزب الله” فقط، بل تمتد لتشمل لبنان بأكمله، أيضاً.

وكان لبنان، في هذه المرحلة، يخضع ل”فترة تجريبية” ليتبيّن ما إذا كانت وعوده التي نقلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى قادة دول مجلس التعاون الخليجي يتقدّمهم ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، صادقة أو مجرّد كلمات على الرمل، سرعان ما تمحوها موجة “حزب الله”.

ولم يُخيّب نصرالله التوقعات السلبية، فعمد الى تفجير عبوة ناسفة ضخمة من أجل نسف المسار “الإيجابي”، لأنّ هذا المسار لا يلائمه، ليس بصفته لبنانياً معنياً بنشل بلاده من الحفرة العميقة التي وقعت فيها، بل بصفته جزءاً من “محور الممانعة”، وتالياً، فهو، ولو شاء، لا يستطيع أن يلتزم بأيّ توجّهات تهدف الى النأي بحزبه عن حروب المنطقة وصراعات محاورها، خصوصاً بعد الكلام الأخير للمرشد الخامنئي، حيث أعلن “أنّ محور المقاومة يتقدّم باستمرار في اليمن كما أصبح العدو عاجزاً في سوريا وفقد أمله حيث إنّ حركة المقاومة وجبهة مقارعة الإستكبار أصبحت اليوم أكثر نشاطاً وحيوية وتفاؤلاً في المنطقة ممّا كانت عليه قبل عامين”.

إنّ ترقّب التداعيات الخطرة لمواقف نصرالله على الوضع اللبناني ككل، يحوّل العناوين التي يقترحها رئيس الجمهورية ميشال عون للحوار الى “مسخرة”، ويجعل من مواقف رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من “الثنائي الشيعي” ملهاة، ويهبط بسجاله مع “حركة أمل” ورئيسها نبيه برّي الى مستوى القرف، ويرفع تحدّي المصداقية في وجه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى حدود التفكير الجدّي بالإستقالة، إذا يئس من استحضار دفعة جديدة من الدموع…الباردة.

وأصبح واضحاً أكثر، في ضوء مضمون خطاب نصرالله الأخير، أنّ إنقاذ لبنان، من خلال إعادة ترتيب أولوياته وجسر علاقاته مع الدول الإستراتيجية مثل المملكة العربية السعودية التي “لا يمكن إنقاذ لبنان من دونها”، كما كان قد قال الرئيس ماكرون، عند وصوله الى جدة للقاء الأمير محمّد بن سلمان، مستحيل من دون إيجاد أرضية لبنانية متماسكة تقف في وجه نهج “حزب الله”، وهو نهج يسير وفق الإيقاع الإيراني، إذ إنّ إجراء مقارنة بسيطة جدّاً بين خطاب نصرالله وخطاب المرشد الخامنئي، يظهر التطابق الذي ينحدر، أحياناً كثيرة، إلى مستوى “الببغائية”.

قبل كلام نصرالله كان واضحاً من تحليل مواقف كلّ الأطراف السياسية في لبنان مدعومة أو –”مدفوشة”-من مدّ شعبي عارم، أنّ “ما حدا طايق حزب الله”، فالجميع، بصورة أو بأخرى، يحمّل هذا الحزب مسؤولية كبيرة ليس عن إيصال لبنان الى مأساة تاريخية، فحسب بل عن منع المحاولات الرامية إلى إنقاذه، أيضاً.

وقد يكون تصعيد نصرالله يستهدف هذا الجو الوطني العام الذي لاقاه جوّ إقليمي ودولي داعم، مثل كلام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرتش عن “وجوب تحوّل حزب الله الى حزب سياسي”، ومثل “إعلان جدة” بين فرنسا والسعودية الذي ندّد بنهج “حزب الله”، ومثل بيان المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي الذي هاجم “السلوك الإرهابي” ل”حزب الله”، ومثل بيان رؤساء الجمهورية والحكومة السابقين الذي “تجرّأ” على تبنّي القرارين الدوليين اللذين يعاديهما “حزب الله” ويحاربهما، وهما القراران 1559 1680، ومثل تمسّك البطريرك الماروني بشارة الراعي بمطلب التحييد والدعوة، وفق خارطة طريق واضحة، الى “تدويل” الإنقاذ.

ومن شأن مواقف نصرالله الأخيرة أن “تمتحن” جدّية هذه الأطراف، لجهة قدرتها على التمسّك بخطابها السيادي وتصعيده والتصدّي ل”حزب الله”.

ووفق التجارب اللبنانية والعربية والدولية، فإنّ التصعيد بالمواقف، في بعض الأحيان، ليس تعبيراً عن قوّة، بقدر ما هو “هروب الى الأمام”، من أجل كسر طوق محكم.

وليس من باب المزايدة الإعتقاد بأنّ “حزب الله” يخشى من طوق مماثل، فجميع اللبنانيين، بمن فيهم من كان يتكّئ عليهم للدفاع عن نهجه، بدأوا يضيقون ذرعاً به، في وقت نجحت فيه النقاشات السياسية والإعلامية والإقتصادية والإجتماعية، في إظهار التأثيرات الضارّة ل”حزب الله” على لبنان ومواطنيه.

وهذا يعني أنّ مثابرة اللبنانيين على مسارهم الضاغط على “حزب الله” من شأنه أن يُنتج إيجابيات، وأن يبطل مفاعيل العبوات الناسفة التي يضعها “حزب الله”، مثل حال خطاب نصرالله الأخير.

 

زر الذهاب إلى الأعلى