المنظر من مقعد عبدالوهاب الرشيد
النشرة الدولية –
أعتقد أن مشكلتنا في الكويت تكمن في عدم استقرارنا على وضع سياسي معين. فلا نحن دولة دكتاتورية، ولا نحن دولة ديموقراطية! فلو كنا أحد النظامين، لما تأخرنا في التنمية ولما وصلنا لهذا العجز والإرباك السياسي الذي نحن فيه ولما تأخرت خطط التنمية، ولكان من المحال مثلا تصور دفع أكثر من ملياري دولار غرامة «مشروع الداو»، لأن الحكومة والنواب اختاروا حينها التناحر، على حساب مصلحة الوطن العليا!
***
أعلنت الحكومة قبل سنوات خطة تنمية، وتبين كالعادة أنها حتى على الورق غير صحيحة ولا سليمة، لعدم اكتراثها بالتفاصيل الدقيقة التي ينام «الشيطان» بين سطورها.
اقترحت الخطة في حينها إعطاء مبلغ 10 مليارات دينار للإسراع في تنفيذ المشاريع الإنشائية، كالمدن الطبية، ومدينة الخيران، وبيوت قليلة التكلفة، والطرق الجديدة، والمستودعات الطبية والحدودية وغيرها. وتخصيص مبلغ مماثل لتنمية القطاع النفطي.
كما تضمنت أيضاً مقترح بيع بعض المرافق العامة للقطاع الخاص، أو تكليفه بتأسيس شركات مساهمة تشارك فيها الحكومة والمستثمر الاستراتيجي والمواطنون، كمشاريع توليد الكهرباء والمترو وسكك الحديد وتطوير جزيرة فيلكا وغيرها، وخصص 300 مليون دينار كرأسمال لكل هذه المشاريع!!
بدأت المعركة مبكراً على خطة التنمية بين صقور المجلس، من أصحاب الأصوات العالية، والحكومة، وخاصة فيما يتعلق بتحديد الآلية، أو الجهة التي يجب عليها القيام بتمويل هذه الشركات «الدسمة»! فجانب يرى تأسيس مصرف جامبو يقوم بتمويله بشروط ميسرة ولآجال طويلة. وآخر يرى تكليف صندوق التنمية بعملية التمويل بعد زيادة رأسماله بكثير. وثالث رأى إصدار سندات تستخدم أموالها لتمويل قروض الشركات الجديدة. ورابع طالب بإنشاء هيئة أو كيان دائم يختص بمشاريع «الإنماء والإعمار» وتكون له ميزانية وإدارة مستقلة، وبعيدا عن السياسة!
وبين حانه ومانه ضاعت شواربنا ولحانا، ليس فقط بسبب الصراع السياسي الذي أهلكنا، بل ولغياب الفلسفة من وراء الخطة، فلم تحدد أية جهة هل الهدف منها تسيير عجلة الاقتصاد، أم تعديل التركيبة السكانية، أم زيادة خللها، أو توفير السكن للمواطن، أم إعطاء التعليم الأهمية الأولى؟ ومن سيقود، القطاع الخاص أم الجهات الحكومية المترهلة والمقيدة بآلاف القيود؟ وهل لدى الحكومة، او القطاع الخاص القدرة التنفيذية والاستيعابية لتنفيذ كل هذه المشاريع، وصرف مليارات الدولارات في السنة الواحدة؟
وماذا عن الاختلالات المالية التي ستنشأ جراء صرف كل هذه المبالغ من دون وجود بنية تحتية يمكن ان تستوعب التوسعات المتوقعة؟
وهل لدينا ما يكفي من شركات التشييد والبناء، أم إننا بحاجة لجذب شركات أجنبية، وماذا عن القيود الإدارية المعادية لوجودها، هذا غير ندرة الأيدي العاملة، وندرة مواد البناء، ومحدودية القدرة التخزينية، وضعف قدرة الموانئ، وضعف بقية أجهزة الدولة من جمارك ومراقبة الأغذية وإدارات الهجرة والعمل، ونقص الكهرباء والماء والطرقات على مواجهة تدفق مئات آلاف الأيدي العاملة لتنفيذ مشاريع بأكثر من خمسين مليار دولار في سوق محدود وصغير؟ هذا غير التضخم الخطير المتوقع في أسعار كل شيء؟
***
لا أزال أتذكر جيداً حينها تصريح الوزير السابق، الشيخ أحمد الفهد، عندما ذكر بأن %25 من خطة التنمية قد تم إنجازها. وتبعه بعد أيام وزير الأشغال والبلدية بالقول إن ما أنجز من الخطة وصل إلى %27 ليصرح بعدهما النائب أحمد السعدون ويقول بأن ما أنجز من الخطة لا يتعدى الصفر!
***
بخلاف تأسيس شركتين أو ثلاث مساهمة مجدية، وإشراك المواطنين في أسهمها، واستيلاء الكبار عليها تالياً، فإن الأسئلة أعلاه بقيت منذ أعوام من دون جواب!
نكتب هذا المقال بمناسبة تعيين «عبدالوهاب الرشيد» وزيراً للمالية، فهل سنرى خطة تنمية على يده، وهو الذي طالما طالب بمثلها، عندما كان جالساً على مقاعدنا نفسها؟