جلسة بمعضلتيْن: تصريف الأعمال في ظل الفراغ ومقاطعة 9 وزراء
بقلم: غادة حلاوي
النشرة الدولية –
نداء الوطن –
بأي شكل من الأشكال، كان يستحيل للجدل القائم حول جلسة حكومة تصريف الأعمال، إلا أن يتخذ طابعاً طائفياً مسيحياً- سنياً. إلتقت الكتل النيابية المسيحية المتباعدة أصلاً على الوقوف خلف موقف “التيار الوطني الحر” رافضة عقد جلسة أراد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من خلالها تسجيل سابقة وتثبيتها في أحقية رئيس الحكومة السني ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي، وهو سجال يعود لسنوات طويلة خلت من دون جدوى. وبينما كان يفترض أن يشكل موقف البطريرك الماورني بشارة الراعي الحدّ الفاصل في الجدل الدستوري، لكن الأخير لم يقفل الباب نهائياً على خطوة ميقاتي ولم يشرّعها بالمطلق لكنه كان أقرب الى رفع الغطاء الميثاقي عنها. والبحث بشأن الجلسة بين بكركي والسراي كان بدأ في اتصال أجراه ميقاتي مع الراعي أمس الأول لطمأنته الى سير الأمور، وبعيد الدعوة الى الجلسة وعظة الراعي جرى اتصال آخر بين الطرفين نفاه مكتب ميقاتي فيما أكدته مصادر موثوقة قالت إنّ الراعي أبلغ ميقاتي “أنّه يفضل أن لا تجتمع الحكومة”.
رغم السجال الذي فجرته الدعوة للجلسة، أصرّت أجواء ميقاتي على أن الجلسة ستعقد لأنّ أياً من الوزراء لم يكن قد اعتذر عن الحضور بعد، والموقف بقي على ما هو عليه بعيد إعلان الوزراء التسعة مقاطعتهم للجلسة.
مذكراً بالسجالات التي سبق وحصلت بعيد تكليف ميقاتي ومحاولته تشكيل حكومة، حفل يوم أمس بسلسلة مواقف تصدت لدعوة ميقاتي لعقد جلسة حكومية، وقد فسرت دعوته على أنها محاولة لتثبيت عرف ومحاولة تعويم رئاسته سنياً إستباقاً لزيارة قريبة الى السعودية. بقوة دفع من “الثنائي الشيعي” حدد ميقاتي موعد جلسة حكومته وليس معروفاً اذا ما كان الثنائي أي “حزب الله” و”أمل” أرادا رمي كرة النار في وجه باسيل وتعنّته لرفضه ترشيح سليمان فرنجية وأن “حزب الله” بات المحرج رئاسياً بين حليفيه يريد تسيير الأمور في البلاد في محاولة للإستفادة من الوقت.
لكن وبضربة جزاء قاضية جاء الرد من قبل تسعة وزراء في الحكومة ليجعل إمكانية عقد الجلسة مستحيلاً إستناداً الى الدستور، الذي يجعل جلستها غير دستورية مع تخلف تسعة وزراء عن الحضور. ما يعني أنّها جلسة تفتقد الى ميثاقية دستورية إلا في حال أصرّ ميقاتي على عقدها بمن حضر وحينها أيضاً سيواجه معضلة في إقرار القرارات. ضربة جزاء أخرى تلقاها الثنائي الشيعي الداعم لميقاتي والذي اصطدم برد باسيل عليه، ليضع حداً لأي محاولة استبعاد للمكون المسيحي. وفيما كانت الخطوة متوقعة مسيحياً كان اللافت دخول طوائف أخرى على خط المقاطعة بإعلان الوزيرين عصام شرف الدين الدرزي وأمين سلام السني الخروج عن طاعة رئيس الحكومة. والوزيران لهما ثأر قديم على ميقاتي الذي كان يرغب في تبديل حكومته لإزاحتهما قبل أي اعتبار آخر.
مفارقة أخرى لافتة في ضوء المساجلة التي تجددت بين ميقاتي و”التيار” وهي أن ميقاتي ثبت قوة باسيل بما فعل وعزز تموضعه وهو خارج السلطة. وربما وصل الوقت الذي يتبين فيه أنّ أي تعديل حكومي كان سيسهل على ميقاتي عمله الحكومي في المرحلة الفاصلة عن انتخاب الرئيس.
لكن ورغم ما حصل كانت للسراي الحكومي قراءاتها المختلفة حيث رأت أوساط حكومية في كلام الراعي “مقاربة جيدة وخلافاً للتحريض الذي حصل فإنّ البطريرك لم يرفض عقد الجلسة رغم التجييش الذي افتعله “التيار” بفعل زيارات شخصيات منه للبطريرك والتحريض على خلفية الميثاقية”، واستنكرت الأوساط مقاربة موضوع الجلسة من ناحية الميثاقية بينما هناك بنود ملحة لا يمكن إقرارها إلّا من خلال مرسوم صادر عن مجلس الوزراء كمخصصات المستشفيات وبدل النقل للعسكريين وغيرها”، واستغربت ربط الجلسة بانتخاب الرئيس وسألت “هل إن رئيس الحكومة مسؤول عن الفراغ الرئاسي أم ان رئيس التيار؟ وهل سيؤثر إنعقاد جلسة لتسيير شؤون الناس على مسار انتخاب الرئيس؟ وأصرت الأوساط على أنّ الجلسة ستعقد وأنّ القرارات الصادرة عنها ستوقع من قبل رئيس الحكومة والوزير المختص.
ومن باب أنّ الشيء بالشيء يذكر فقد كان ميقاتي من أوائل الرافضين من بين رؤساء الحكومات السابقين لعقد جلسة طارئة لحكومة الرئيس حسان دياب رغم كل الظروف الصعبة التي كانت في حينه حيث واجهت الحكومة سلسلة تطورات مالية واقتصادية قاسية في وقت كان مصرف لبنان يمتنع عن صرف المستحقات للمؤسسات. ويروي مصدر عسكري هنا أنّ إجتماعاً كان عقد في وزارة الدفاع أعلن فيه نقيب المستشفيات آنذاك عن عزم المستشفيات على وقف استقبال المرضى فتصدى له أحد الضباط الحاضرين محذراً من مغبة اتخاذ مثل هذا القرار. من وجهة نظر الأوساط الحكومية فإنّ ظروف اليوم أكثر إلحاحاً من ذي قبل وبرأي مصدر وزاري من الثنائي “لماذا لم يصرّ دياب على عقد مثل هذه الجلسة”.
ورد في أساس الدعوة الى الجلسة الحكومية مناقشة جدول أعمال من 300 بند وهو رقم قياسي لحكومة عادية فكيف لحكومة تصريف أعمال، تراجع الى 61 بنداً ثم الى 25 بنداً لاحقاً وهو ما فسرته الأوساط الحكومية عينها على أنه “محاولة لتلافي المشكلة” لكن التلافي لم ينجح لأنّ المبدأ هو ذاته من وجهة نظر المعارضين ممن كانوا يفضلون لو أن ميقاتي وفر على نفسه وعلى البلد كلّ الضجة المثارة وسيّر أموره عن طريق المراسيم الجوالة كما سبق وحصل في عهد حكومة تمام سلام لولا “الحسابات السياسية والكيديات التي لأجلها حدد موعد الجلسة”، يقول مصدر حكومي فضّل لو تريث ميقاتي في دعوته. جلسة بمعضلتين دستوريتين إن عقدت: تصريف الأعمال في ظل الفراغ ومقاطعة تسعة وزراء.