هل من غاز أصلاً في بحر لبنان؟
بقلم: عزة الحاج حسن
النشرة الدولية –
المدن –
مع تصدّر ملف التنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية المشهد وتقدّمه على كافة الملفات، ثمة من يُعيد طرح تساؤلات عن جدوى التنقيب. ويتحدث عن تسريبات لخلاصة تقرير يكشف تراجع اهتمام توتال بملف النفط والغاز اللبناني لعدم جدواه اقتصادياً. ويكشف التقرير حسب ما يلمح مصدر متابع، أن توتال تستبعد وجود كميات تجارية من الغاز في المياه اللبنانية.
فما صحة الحديث عن عدم توفر كميات من الغاز في المياه اللبنانية؟ وهل لا يزال لدى لبنان حظوظ بخوض غمار ملف التنقيب. وهو الملف الوحيد الذي تُبنى عليه الآمال اليوم لإخراج لبنان من أزمته المالية والاقتصادية؟
أرقام عشوائية
يتردد على ألسنة البعض، ومنهم من يقدّم نفسه على أنه خبير، تأكيدات بوجود كميات من الغاز في المياه اللبنانية وافرة جداً، تكاد تقارب ثروة قطر الغازية. ومنهم من يقدّر الكميات بعشرات تريليونات قدم مكعب من الغاز، في مقابل نظريات معاكسة يطلقها آخرون مفادها أن لا غاز في المياه اللبنانية، وأن شركة توتال تُخفي حقيقة ما عن الدولة اللبنانية. ويذهب البعض إلى تشبيه الحالة اللبنانية بحالة دولة البحرين التي لم يتوفر في مياهها النفط رغم استكشافه في مياه الدول المحاذية لمياهها، أي إيران والسعودية.
ولكن كل ذلك لا يعني فعلياً أي شيء، حسب عدد من الخبراء والمختصين بالشأن النفطي، ومنهم ديانا القيسي ولوري هايتايان ووليد خدوري وسواهم. فلا صحّة لكل ما يُحكى عن تقارير وأرقام ومعطيات مثبته بوجود أو عدم وجود كميات من البترول والغاز في المياه اللبنانية. لا ثوابت حتى اللحظة بوجود كميات معينة من النفط والغاز. كما لا ثوابت أيضاً لعدم وجودها. ويجمع الخبراء على أن الحفر هو الحاسم الوحيد للملف. ولا يُقصد هنا الحفر لمرة واحدة أو اثنتين، إنما حفر العديد من الآبار الى حين الحسم.
الثابت حالياً في ملف النفط والغاز اللبناني، أن شركة توتال لا يزال لديها الاهتمام بالتنقيب في المياه اللبنانية وفق العقد الموقع مع لبنان، حسب ما سبق لوزير الطاقة وليد فياض أن قال مؤخراً، مع اهتمام الشركة بتوفر الأمن وعدم تعريض مصالحها للمخاطر.
وبالحديث عن تجنّب المخاطر، من المهم الإشارة إلى أن تكلفة المنصة البحرية للحفر تتراوح بين المليار والملياري دولار وتضم نحو 300 موظف بالحد الأدنى. من هنا من المستبعد أن تعرّض الشركات مصالحها للخطر، وهو ما يبرّر تمديد توتال مدة فترة الاستكشاف الأولى في البلوك رقم 9 حتى العام 2025، والبلوك رقم 4 حتى العام 2023، الى حين اتضاح المشهد بشأن ترسيم الحدود، لاسيما أن المياه الجنوبية هي المناطق الموعودة حسب المسوحات.
تُعرب ديانا القيسي الخبيرة في مجال حوكمة الطاقة وعضو الهيئة الاستشارية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز LOGI، عن اهتمامها بتصويب النقاش بشأن ملف النفط والغاز اللبناني لحسم صحة أو نفي الأرقام التي تطلق هنا وهناك. وتقول في حديث لـ”المدن”: “بالواقع لدى لبنان مسوحات زلزالية تعطي تقديرات للشركات الراغبة بالاستثمار في المياه اللبنانية، لكنها لا تعطي معلومات مثبتة وليس من شأنها أن تقدّم اليقين للشركات”. وفي الوقت عينه لا يمكن التقليل من شأن تلك المسوحات الزلزالية.
فالشركات لا تُقدم على مشروع من هذا النوع، ولا تقدّم أي عروض قبل شراء المسوحات الزلزالية والاطلاع عليها، فالمسوحات بيعت من العام 2007 مع بداية جهوزيتها وحتى اكتمالها عام 2010، عشرات المرات، ووصل رقم مبيعاتها إلى 45 مليون دولار.
وتشير القيسي إلى أن أهمية المسوحات الزلزالية والإقبال على شرائها، يوضح تقريبياً ما الذي تحويه المياه اللبنانية، مع الأخذ بالاعتبار أن المياه اللبنانية لها خاصيتين. الأولى أن المياه عميقة جداً، أي من مستوى سطح البحر حتى قاع البحر هناك 1500 متر، ومن قاع البحر إلى العمق الوارد في العقد مع شركة توتال هناك نحو 4100 متراً. وهذا يعني ان المسوحات الزلزالية مهما كانت دقيقة، فهي لا تثبت بوضوح ما الذي تحويه المياه. فهي تعطي تقديرات لكنها غير يقينية. وبالرغم من ذلك، فالمسوحات عندما تم شراؤها من أهم شركات في العالم أعطت الحافز الكافي لها للتقدّم بعروض للبنان.
وتلتقي لوري هايتايان الخبيرة بملف النفط ومديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية للشرق الأوسط، مع القيسي بأن “لا ثابت في ملف النفط والغاز. وكل الأرقام عن ثروة الغاز المرتقبة لا صحّة لها، وجميعها مبنية على فرضيات. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المروّجين لعدم وجود كميات من الغاز. هذا الكلام غير صحيح، قبل الاستكشاف والحفر بشكل كاف، لا يمكن حسم مسألة وجود غاز من عدمه”، تقول هايتايان.
وكل ما يجب معرفته أن هناك دراسات ثنائية وثلاثية الأبعاد، إلى جانب معلومات وافرة جداً عن الحقول المكتشفة في قبرص ومصر واسرائيل، والتي تدفع الجيولوجيين والشركات لإجراء مقارنات مع الجيولوجيا اللبنانية، تتابع هايتايان، ولكن كل ذلك يبقى في إطار الاحتمالات. والثابت الوحيد يأتي من خلال الحفر، وغير ذلك لا يمكن التثبت من أي أمر. باستثناء مسألة واحدة قد تزيد احتمالات الاستشكاف وتخفف مستوى المخاطرة فيها، هي البلوكات المحاذية لمناطق مُستكشفة.
وكما هايتايان كذلك وليد خدوري، فالخبير في شؤون النفط يرى أن الكلام عن وجود كميات وتقديرات ومكامنها.. كله كلام وتأويل لا صحة له إلا بعد الحفر. وليس المقصود هنا بالحفر أي حفر بئر واحد أو اثنين إنما بالعشرات. لا بد من الحفر أولاً.
ما دام لبنان لم يجر عمليات حفر كافية، فلا يمكن التعويل على أي كلام. ويؤكد خدّوري في حديث لـ”المدن” بأن حفر بئر واحد في البلوك رقم 4 غير كاف و”كل الكلام عن وجود كميات أو عدم وجود كميات مجرّد تكهّنات لا صحة له إلا بعد الحفر والتحقق من ذلك. وحفر بئر واحد في لبنان لا يعني أن لبنان حفر على الإطلاق. فلا قيمة لذلك ولا يمكن حسم مسألة الثروة الغازية وحقيقتها قبل المزيد والمزيد من الحفر”.
حسب المسوحات يتواجد غاز في المياه اللبنانية. لكن يبقى الحسم لما بعد الحفر. ويجزم خدّوري بالقول “أي كلام قبل الحفر هو تكهنات وليس علمياً”.
وتؤكد القيسي أيضاً لا صدقية الحديث عن عدم توفر الغاز “إذ من الضروري تعدد عمليات الحفر، وما قام به لبنان أي الحفر مرة واحد لا يعد محاولة كافية أبداً، ولا يعني على الاطلاق ان النفط والغاز غير موجود إذ لا بد من الحفر مرات عديدة”.